مصر تُفعّل العقود الآجلة لمواجهة أزمة شُح الدولار

البنك المركزي يحاصر العملة الأميركية ويتجاهل عواقب العملية على التضخم.
الاثنين 2022/10/17
كم ستكون أرباحك بعد عام؟

يخطط البنك المركزي المصري لإطلاق مشتقات للعملة وأدوات تحوط ضد مخاطر انخفاض الجنيه، في خطوة توصف بـ”حصار الدولار”، على الرغم من أنها عملية تحمل في طياتها سلبيات قد تظهر مع الوقت في السوق المحلية بقدر ما تحمله من جوانب إيجابية.

القاهرة - أدت ضغوط صندوق النقد الدولي على مصر إلى انتهاج صناع القرار النقدي فيها سياسات جديدة، تمنح سعر الصرف مرونة كاملة وتترك تحديد سعره للعرض والطلب.

ورغم أن خطوة كهذه قد يترتب عليها ارتفاع كبير في معدلات التضخم، لكنها من الأوراق المهمة في مواجهة أزمة شُح الدولار الخانقة بالسوق المحلية.

وتلجأ الدول التي تعاني من تقلبات سعر الصرف إلى تفعيل العقود المستقبلية على العملة (أن.دي.أف)، رغبة في محو الصورة السلبية لها بالأسواق العالمية، لأن ثبات أسعار الصرف واستقرارها من أهم عوامل تدفق الاستثمارات الأجنبية.

وقالت مصادر مصرفية لـ”العرب” إن البنك المركزي خاطب البنوك المحلية بشأن تفعيل الآلية الجديدة، ولا يمانع في العمل بها شرط تنظيمها للعقود وتوفير السيولة اللازمة.

ولهذه العملية وجهان، أحدهما إيجابي للمستوردين والمستثمرين الأجانب، خاصة في البورصة، والآخر سلبي، لأنها لن تكون وسيلة ناجحة لعودة الأموال الساخنة عبر شراء أذون الخزانة والسندات، مما ستقود إلى رفع الأسعار.

هاني أبوالفتوح: الخطوة تمنح العملة مرونة أكثر وتحل مشاكل المستوردين
هاني أبوالفتوح: الخطوة تمنح العملة مرونة أكثر وتحل مشاكل المستوردين

وعن آلية عمل الأداة الجديدة، ضرب الخبير المصرفي هاني جنينة مثالا بعقود التحوط، مفاده أنه بفرض سعر الدولار حاليا 20 جنيها في الوقت الذي تحتاج فيه شركة ما إلى 100 دولار بعد عام أو أي مدة لتوريد خامات نظرا إلى تقلبات سعر الصرف، فإنها ستكون في مأزق.

وأوضح أن أي إدارة مالية في أي شركة تتخوف من ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات غير معلومة، مما يعيق قدرة إدارة العقود على تسعير عقد توريد منتجاتها.

وتقوم الشركة بالتواصل مع البنك لتحديد سعر شراء مئة دولار بعد عام طبقا لآلية العقود الآجلة، ويوافق البنك على بيع الدولار بعد عام بنحو 22 جنيها على أساس أن فارق سعر الفائدة بين مصر والولايات المتحدة يساوي 10 في المئة.

والسبب في ذلك أن سعر الصرف الآجل للجنيه مقابل الدولار ناتج فرق سعر الفائدة بين البلدين. وسعر الفائدة في مصر أعلى 10 في المئة حاليا عما هو عليه في السوق الأميركية.

وبعد عام توجد ثلاثة سيناريوهات، الأول سعر الصرف في السوق يعادل سعر الصرف الآجل (22 جنيها في هذه الحالة) ولا تخسر الشركة أو البنك وتتم الصفقة طبقا للسعر المتفق عليه دون أي تعويض من طرف لطرف آخر.

والثاني سعر الصرف في السوق يعادل 25 جنيها أو أكثر أي أعلى من سعر العقد (22 جنيها)، وفي هذه الحالة ربحت الشركة من التحوط لأنها قرأت المشهد جيدا وقررت تثبيت سعر الصرف، وحينها يدفع البنك للشركة الفارق بين سعر العقد والسعر الحالي عن كل دولار.

وتستطيع الشركة شراء مئة دولار من السوق بسعر 25 جنيها للدولار (أي 2500 جنيه)، لكن يتم تعويضها من قبل البنك بمبلغ 300 جنيه فتصبح تكلفتها الفعلية 2200 جنيه ما يساوي 22 جنيها للدولار.

أما السيناريو الثالث فيدور حول استقرار سعر الصرف عند 20 جنيها، وفي هذه الحالة تخسر الشركة الفارق أي جنيهان عند كل دولار وبالتالي تضطر الشركة إلى دفع مئتي جنيه عن كل مئة دولار.

وكما في السيناريو الأخير، فإن الشركة تشتري الدولار من السوق بنحو عشرين جنيها، فتبلغ التكلفة ألفي جنيه، ونظرا إلى تعويض البنك بقيمة 200 جنيه فالتكلفة الفعلية تكون 22 جنيها مرة أخرى.

وقال الخبير المصرفي هاني أبوالفتوح لـ”العرب” إن “الآلية الجديدة إحدى أدوات المشتقات المالية التي تحتاجها السوق حاليا، إذ تمنح الدولار انسيابية أكثر وتعزز من وفرته، لأنها أداة تحوط في ظل التقلبات الكبيرة للدولار في مصر، فضلاً عن شحه”.

وسعت بنوك إلى تخفيف الضغط على الدولار، وحددت أربعة منها هي التجاري الدولي وأتش.أس.بي.سي وبنك مصر وأبوظبي الأول – مصر، سقفا للسحب النقدي عبر بطاقات الخصم والائتمان المستخدمة في الخارج بالتزامن مع خطوة المركزي.

الجنيه يواصل سلسلة التراجعات إلى مستويات قياسية جديدة أمام الدولار
الجنيه يواصل سلسلة التراجعات إلى مستويات قياسية جديدة أمام الدولار

وأوضح أبوالفتوح أن بعض الدول، مثل سنغافورة وتركيا، فعّلت تلك الأداة ونجحت في حل أزمة العملة، لأنها منحت سعر الصرف مرونة أكثر، لافتا إلى أن سعر الدولار في مصر خلال المرحلة المقبلة سيحدده العرض والطلب بعيدا عن فكر التعويم المدار.

ولا يعني تطبيق الآلية الجديدة عودة الأموال الساخنة بالاستثمار في أدوات الدخل الثابت خاصة السندات، كون الأجانب لهم حسابات أخرى في مقدمتها سعر الفائدة والاستقرار السياسي وغيرهما.

ورغم تحقق الاستقرار في مصر، إلا أن أسعار الفائدة الأميركية الأعلى والأجدر على جذب الاستثمارات بالسندات حاليًا.

وأكد أبوالفتوح أن النظام الجديد يسهم في إنهاء مشاكل المستوردين، وتسريع وتيرة تحويل الأموال من البنوك المصرية للوفاء بالالتزامات المختلفة المتعلقة بتمويل الواردات المتفق عليها بين مختلف الشركات.

ولجأ البنك المركزي إلى الأداة الجديدة بسبب حاجة مصر إلى قرض جديد من صندوق النقد الذي يعتبر سياسة سعر الصرف الحالية مقيدة لتعاملات الأجانب.

وتتزايد التكهنات حول المعدل الذي يمكن أن يسمح محافظ المركزي حسن عبدالله للجنيه بالانخفاض بعد أن أشار صندوق النقد إلى أنه يعد حزمة مساعدة كبيرة لمصر من المتوقع الموافقة عليها قريبا.

ويواصل الجنيه سلسلة التراجعات إلى مستويات قياسية جديدة أمام الدولار بعد أن اخترق أدنى مستوى قياسي له منذ أيام عند 19.56 الذي سجله قبل خمس سنوات على خلفية التعويم في 2016، ويسجل حاليا مستويات تحوم حول 19.63 جنيه.

محمد سعيد: القرار تأخر كثيرا وعدم وفرة السيولة يعرقل النجاح
محمد سعيد: القرار تأخر كثيرا وعدم وفرة السيولة يعرقل النجاح

وقررت البنوك الحكومية مضاعفة عوائد الشهادات الدولارية، إذ لجأ مصر والأهلي، وهما أكبر بنكين مملوكين للدولة، إلى طرح شهادات استثمار جديدة بفائدة مرتفعة تتجاوز 5 في المئة بعدما تخلى مستثمرون أجانب عن أدوات الدين مع بدء مسلسل رفع الفائدة الأميركية.

ويجب أن يوافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد على حزمة المساعدة لمصر أولا. ولم تكن القاهرة ضمن جدول أعماله في اجتماعاته السنوية التي اختتمت الأحد بواشنطن، حتى تنفيذ الآلية الجديدة عمليا.

ولكن الصندوق ذكر الأحد أن خبراءه عقدوا مناقشات مثمرة مع المسؤولين المصريين الذين يشاركون في الاجتماعات التي تسبق اتفاق قرض محتمل بين الطرفين.

وأكد المحلل الاقتصادي محمد سعيد على أن الآلية المرتقبة قد تكون أشد ضررا، إذ تسمح بمرونة على سعر الدولار تدفعه إلى أسعار قياسية خارجة عن سيطرة البنك المركزي.

وذكر لـ”العرب” أن المركزي يسيطر على سعر العملة في نطاق التعويم المدار، كما أن تطبيق العقود حاليا متأخر للغاية لعدم وفرة السيولة الكافية بالبنوك.

وقال لـ”العرب”، إنه “سيترتب على صعود العملة الأجنبية موجة كبيرة من التضخم لارتفاع أسعار الخامات والسلع المرتقب في غضون الأشهر المقبلة”.

وتصب المحصلة النهائية لنظام أن.دي.أف أو العقود المستقبلية في صالح المستورد، لأنه سيحمل فارق الأسعار على المستهلك.

ويقول خبراء إنه عند معالجة أزمة اقتصادية من غير المقبول النظر إليها من جانب واحد ويجب مراعاة الفقراء ومن تعرضوا للعوز بسبب صدمات اجتماعية متتالية وبرنامج إصلاح اقتصادي ثم أزمات عالمية.

وكل هذه العوامل المتسلسلة تسببت في دخول شريحة من المصريين إلى طابور البطالة وطردهم من وظائفهم، ولذا يرى الخبراء أنه من المهم أن تصاحب القرارات الاقتصادية القاسية برامج حماية للطبقات الهشة في المجتمع.

11