مصر تُغضب صندوق النقد بتأجيل التعويم وتسترضيه بإلغاء الاستثناءات

تحاول مصر التأقلم بمرونة مع فخاخ وصفة صندوق النقد الدولي لإخراج الاقتصاد إلى بر الأمان، عبر إنهاء الإعفاءات الضريبية التي كانت تتمتع بها الشركات الحكومية بهدف إقناع المؤسسة المانحة بجدوى موقفها حيال التريث أكثر قبل استكمال تحرير سعر الصرف.
القاهرة - تسير العلاقة بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي على حبل مشدود منذ أن قام الأخير بتأجيل منحها الدفعة الثانية في مارس الماضي من قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار يقدم على مدار أربعة أعوام، لكن لم تصل العلاقة بينهما إلى حد القطيعة.
وكانت القاهرة قد أبرمت اتفاقات مع الصندوق لإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية تمكنت بموجبها من الحصول على قروض عديدة خلال السنوات الماضية.
ومن اعتقدوا أن العلاقة توترت عقب رفض الرئيس عبدالفتاح السيسي القيام بتعويم جديد للجنيه لدواعي “الأمن القومي”، أعادوا النظر في تقديراتهم بعد موافقة الحكومة على مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات الضريبية لجهات رسمية في كافة الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية.
وتتسق هذه الخطوة مع وصفة قدمها صندوق النقد للقاهرة حول ضرورة إنهاء الاستثناءات، التي مكّنت شركات حكومية عديدة من تحقيق أرباح كبيرة بعيدا عن المعايير الاقتصادية الحرة، وهو ما أضر بالمنافسة وفرص القطاع الخاص.
وخص الصندوق الشركات التابعة للجيش المصري بزيادة توغلها في قطاعات اقتصادية مختلفة بما انعكس سلبا على بعض أنشطة القطاع الخاص، ولا تحظى شركاته باستثناءات تساعدها على الصمود في السوق على قدم المساواة.
وأشار الخبير الاقتصادي المصري وائل جودة إلى أن مشروع القانون يأتي في إطار تفعيل وثيقة سياسة ملكية الدولة، من أجل تطبيق الحياد التنافسي وتوفير بيئة عادلة للتنافس في المجالات الاقتصادية لكل من القطاع الخاص والحكومة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن المشروع يأتي لمواكبة خطة الإصلاح الهيكلي وتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي لاستمرار مصر في تنفيذ الإصلاحات التي بموجبها تحصل على شرائح تمويل من الصندوق.
ولفت إلى أن الحكومة لم تغلق المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في المناقصات والمزايدات التي تطرحها الدولة دون وجود مزايا لجهة على حساب أخرى.
وأكد جودة أن الدولة تبعث برسالة للخارج الآن بأنها لا تزاحم الاستثمار الخاص بهدف جذب استثمارات أجنبية من شأنها أن تسهم في زيادة تدفق العملات الصعبة على البلاد.
وأعلنت الحكومة طرح 32 شركة للخصخصة بنسب متفاوتة، بينها شركات تابعة للجيش، لكنها لم تتمكن من تنفيذ خطوتها بسبب عراقيل، بعضها يتعلق بتحفظات حول مسألة البيع نفسها، وبعضها يخص نوعية الشركات والنسب المعروضة للبيع وتقييم كل كيان بالدولار.
وحتى الآن لا يزال الملف مجمدا، فيما الصندوق النقد مُصرّ على البيع وحرية المنافسة ومنع الاستثناءات الكبيرة.
وتردد كثيرون في ضخ الاستثمارات مدفوعين بالقلق من أن الشركات المملوكة للدولة تستغل الإعفاءات الضريبية وغيرها من الامتيازات للتنافس بشكل غير عادل.
وذكر بيان مجلس الوزراء قبل أيام أن الموافقة على وقف الاستثناءات تأتي في إطار حرص الدولة “على تحسين مناخ الاستثمار ودعم مشاركة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية”.
وأوضح أن ذلك “يأتي تكريسا للتوجه الخاص بكفالة فرص عادلة لمختلف الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية في المعاملات المالية المنظمة لها”.
ومع ذلك تظل بعض الأنشطة تتمتع بالإعفاءات الضريبية إلى حين، وقدم مجلس الوزراء صيغة قانونية فضفاضة يمكن أن تفتح تفاصيلها الباب لتساؤلات اقتصادية كثيرة، وقد تفرّغ الخطوة التي يعتبرها خبراء كبيرة من مضامينها المهمة.
واشترطت الحكومة في وقف العمل بالاستثناءات “عدم الإخلال بالاتفاقيات الدولية المعمول بها في مصر والإعفاءات المقررة للأعمال والمهام المتعلقة بمقتضيات الدفاع عن الدولة وحماية الأمن القومي”.
وإلى جانب ذلك “الإعفاءات المقررة لأنشطة تقديم الخدمات المرفقية الأساسية، إذ نص مشروع القانون على استمرار تمتعها بالإعفاءات حتى تنفيذ هذه التعاقدات وفقا للقوانين التي أبرمت في ظل سريانها”.
وتعفي القاهرة الجيش والمؤسسات الأمنية السيادية من ضرائب القيمة المضافة للسلع والخدمات اللازمة للتسلح والدفاع والأمن القومي، ومن الضرائب العقارية، والضرائب على الدخل، وتعريفات الاستيراد، ويحق لوزارة الدفاع تحديد السلع والخدمات المعفاة من الضرائب.
وقال هشام كمال، رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع في مصر، إن تدشين الحكومة مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية “خطوة تشجيع وتسمح بالمنافسة العادلة في المجال الاستثماري”.
ولكنه رأى في تصريح لـ”العرب” أن ذلك غير كاف وحده لتحفيز القطاع الخاص، إذ يجب توحيد الجهة المتعاملة مع المستثمر والمصانع، وضرورة وجود مجلس إدارة لكل مدينة صناعية يمثل حلقة الوصل بين المصانع وهيئة التنمية الصناعية.
وأوضح كمال أن المصانع تتعرض للضبطية القضائية وأحيانا الابتزاز البيروقراطي بسبب المطالبات المستمرة لتجديد التراخيص.
ولا يقف الأمر عند ذلك الحد، بل يصل إلى حث الشركات على مواكبة متطلبات الأمن الصناعي. وقال كمال إن “الدولة بها قانون استثمار وقوانين للمشاريع الصغيرة وفي مجملها إيجابية ولم يحدث تطور في الصناعة أو ازدهار للاستثمارات الأجنبية”.
ويحتاج مشروع القانون الجديد الذي قدمته الحكومة إلى الحصول على موافقة البرلمان قريبا ورئيس الدولة لتمريره ثم اعتماده، وهي عملية يمكن أن تتم بسهولة وخلال فترة وجيزة، أو تدخل عليها تعديلات من قبل البرلمان.
وتعد الإجراءات، التي وافقت عليها الحكومة مؤخرا من بين 22 قرارا تهدف إلى إصلاح مناخ الأعمال المحلي، وكان قد اتخذها المجلس الأعلى للاستثمار الذي يرأسه السيسي في أول اجتماع للمجلس في مايو الماضي.
وجرى إنشاء المجلس الأعلى للاستثمار ليحل محل مجلس الاستثمار، الذي تشكل في العام 2016 كجزء من جهود الدولة لتعزيز الاستثمار وتحفيز النمو الاقتصادي وإزالة العراقيل أمام المستثمرين وإفساح المجال بشكل أكبر أمام القطاع الخاص.
وجاء ذلك في إطار مساعي القاهرة لإلغاء إعفاء مختلف بنود التعاملات الاقتصادية من الرسوم أو الضرائب.
وكان آخرها تصديق السيسي على مشروع القانون المتعلق بإلغاء نصوص القوانين التي تعفي عوائد أذون الخزانة والسندات التي تصدرها وزارة المالية، أو تعفي الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل في هذه الأذون والسندات من الضريبة على الدخل.
وتتزامن التسهيلات التي تدعي الحكومة تقديمها للقطاع الخاص، مع فرض رسوم على بعض السلع المستوردة، وهو ما يعتبره المستثمرون يعرقل أنشطتهم، والتي اعتبروا أن البعض منها “استفزازي”.
ويرى خبراء أن هذه الرسوم قد يترتب عليها عزوف شريحة جديدة من المشترين لما قد تسببه من ارتفاعات متواترة في الأسعار، وفرض زيادة على القطاع الخاص في أجور العاملين، فضلا عن ارتفاع تكاليف التصنيع والتجارة.