مصر تُسرّع خطوات إدراج شركات الجيش في البورصة

الشكوك تحاصر خطط الحكومة بشأن قدرتها على طرح كيان بسوق المال كل شهر أو شهرين.
الخميس 2022/02/10
لِمَ تعاملات سوق المال عندكم هادئة

وضعت القاهرة أهدافا طموحة لاستكمال برنامجها المتعلق بإدراج شركات الجيش في البورصة كدليل على انفتاح جزء آخر من الاقتصاد أمام الاستثمار الخاص، رغم الشكوك حول قدرتها على تحقيق ذلك بالنظر إلى ضبابية المحفزات وتذبذب نشاط سوق المال.

القاهرة - تسعى الحكومة المصرية لإطلاق قطار بيع حصص في الشركات الحكومية بسرعة هذا العام عبر طروحات بالبورصة، ضمن برنامجها الإصلاحي الذي سيكون فيه القطاع الخاص جزءا أساسيا من سلة الاستثمارات والتنمية.

وقالت وزيرة التخطيط هالة السعيد في تصريح صحافي مؤخرا إن “الحكومة تنوي طرح شركة بسوق المال المحلية كل شهر أو شهرين”، وهي سابقة لم تحدث من قبل.

وتعتمد السلطات في خطتها الجديدة على نجاح طرح شركة إي فاينانس للمدفوعات الإلكترونية المملوكة للدولة في أكتوبر الماضي باعتبارها أكبر اكتتاب عام للبورصة المحلية منذ 2015.

واعتبرت أن ذلك يمثل جذبا قويا من المستثمرين الأجانب، وفرصة مواتية لإعادة إحياء برنامجها الذي توقف منذ ثلاث سنوات قبل طرح الشركة الأخيرة.

وتستهدف الخطة طرح كيانات تابعة للجيش، لاسيما شركتي صافي للمياه المعبأة والوطنية للبترول التابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية المملوك لوزارة الدفاع، العام الحالي.

ويمثل إقبال وزارة الدفاع على بيع جزء من محفظة شركاتها أول خطوة من نوعها لخصخصة كيانات مملوكة للجيش.

ياسر عمارة: ثمة رهان على صناديق الاستثمار لتفادي فشل الطروحات

وتشهد الفترة الراهنة إعادة هيكلة الشركتين عبر صندوق مصر السيادي المخول بتجهيزهما للطرح، والذي بدأ بالقيام بذلك منذ أكثر من عام.

وقال أيمن سليمان الرئيس التنفيذي للصندوق إن “الصندوق سيساعد في بيع ما بين 80 و90 في المئة من الشركة الوطنية للبترول”. وأشار إلى أنه من المحتمل أن يحتفظ المشتري بمحطات التزود بالوقود على أساس عقد إيجار طويل الأجل.

ويأتي هذا المسار كرد عملي على الاتهامات الموجهة للحكومة بشأن تقويض القطاع الخاص، ومزاحمة الجيش للمستثمرين، وهي النغمة التي يرددها بعض كبار رجال الأعمال المصريين وعدد من وسائل الإعلام الأجنبية.

وتستهدف الطروحات المزمعة مستثمرين استراتيجيين “ذوي ملاءة مالية قوية” أو بيع الأسهم في البورصة المصرية أو كليهما. ومن المتوقع إتاحة الخيارين، بحسب تصريحات بعض المسؤولين بالحكومة.

ومن ضمن البنود الأساسية في الجولة الثانية من برنامج الإصلاح الهيكلي الذي تم إطلاقه مطلع 2021 تمكين القطاع الخاص، والسماح للمستثمرين المحليين والأجانب بشراء أسهم في تملك حصص في شركات الجيش.

وتعثر برنامج الطروحات منذ إطلاقه في 2018 نظرا لأوضاع السوق وبعدها الجائحة. ولم تطرح الحكومة سوى 4.5 في المئة من أسهم الشركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني) في 2019 وتم الطرح لمستثمرين من الخليج.

واكتسب البرنامج زخما العام الماضي عقب الطرح الناجح لشركة إي فاينانس الذي جمع نحو 370 مليون دولار، وتبعه بعدة أسابيع بيع شركة أبوقير للبتروكيمياويات لحصة بلغت نحو 10 في المئة في طرح ثانوي.

وتعتزم شركة نادي غزل المحلة لكرة القدم طرح 67.5 في المئة من أسهمها في البورصة هذا الشهر في اكتتاب عام أولي، والذي قد يجمع 9 ملايين دولار بعد أن جمعت 2.5 مليون دولار عبر اكتتاب مؤسسات محلية وإقليمية في الطرح الخاص للشركة.

وتخطط السلطات لطرح حصة من بنك القاهرة الحكومي بالبورصة المحلية هذا العام بعد إعلان هيرميس المستشار المالي لطرحه استيفاء الموافقات اللازمة من لجنة الطروحات الحكومية والبنك المركزي.

وأكد ياسر عمارة خبير أسواق المال في القاهرة أن الحكومة تراهن على الانفراجة الحاصلة والانفتاح على الأسواق الخارجية العام الجاري لبيع شركاتها المستهدفة بعد نجاح طرح إي فايناناس.

وتعمل الحكومة على طرح نحو 23 شركة بالبورصة، حيث يرتبط البرنامج بشكل وثيق مع عملية الإصلاح الهيكلي المقدمة إلى صندوق النقد الدولي، كمرحلة تالية للإصلاح الاقتصادي الذي انتهجته الدولة منذ 2016.

وتستهدف القاهرة تحقيق حصيلة مالية تصل إلى نحو 5 مليارات دولار لتقليل عجز الموازنة العامة للدولة.

ويتطلب أي طرح تجهيزا واستعدادا عبر التنسيق مع المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار الكبرى لحجز سيولة تدخل بها الطروحات، ومن ثم تأتي تصريحات وزيرة التخطيط المصرية بمثابة رسالة للصناديق بالاستعداد للطروحات المقبلة.

محمد سعيد: الاكتتابات المزمعة تسحب السيولة وتدفع لمغادرة السوق

وقال عمارة لـ”العرب” إن “الحكومة تعتمد على الاكتتابات الخاصة بشكل أكبر ببيع الأسهم لفئة محددة من المستثمرين أصحاب الملاءة المالية القوية سواء كبار المستثمرين أو المؤسسات ثم تطرح الأسهم للجمهور ‘اكتتابا عاما’ إذا ضمنت بيع 90 في المئة منها غالبا، خوفا من فشل الطروحات”.

ويعاني سوق المال المصري من اختلالات هيكلية أجبرت الحكومة على إيقاف الطروحات لثلاث سنوات، كما لم تقدم السلطات محفزات حقيقية لدخول مستثمرين جُدد سواء محليين أو خليجيين أو أجانب لرفع السيولة في السوق، نتيجة أزمة ثقة زعزعت العلاقة بين الطرفين.

وأوضح محمد سعيد عضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين لأسواق المال أنه من المستحيل أن تتمكن الحكومة من طرح شركة كل شهر أو شهرين، واصفا تصريحات وزيرة التخطيط بأنها “فرقعة إعلامية”، أي غير صائبة.

وتشير تصريحات سعيد إلى عمق الانفصال الحكومي عن واقع البورصة التي تعاني من شح السيولة تظهر في ضعف أحجام التداولات التي تسجل في بعض الجلسات الأخيرة 30 مليون دولار، مقارنة بنحو 130 مليون دولار خلال النصف الثاني من العام الماضي.

وذكر سعيد لـ”العرب” أن الرهان على الطروحات الخاصة بدخول صناديق الاستثمار يؤثر سلبا على السوق ويسحب السيولة لضخها في الاكتتابات الجديدة، ويضر الأفراد ويدفعهم لمغادرة البورصة، وهو ما تعاني منه سوق المال منذ طرح شركة “إي فاينانس”.

ويحتاج سوق المال إلى إعفاءات ضريبية وتخفيضات كبيرة لجذب الشركات للقيد بالبورصة، ولذا يخشى مستثمرون طرق أبواب البورصة المصرية بسبب عدم استقرار التشريعات وخوفا من القرارات المفاجئة التي تبدد الاستثمارات.

وطالب سعيد بعقد اجتماعات تنسيقية بين المسؤولين وصناديق الاستثمار لمعرفة أسباب غيابهم عن ضخ استثمارات جديدة بالبورصة، والتوصل للأسباب الحقيقية وراء ذلك، سواء عدم وجود فرص استثمار بالسوق أو حاجتهم لمحفزات جديدة أم أن لديهم تعليمات بإيقاف استثماراتهم حتى طرح الشركات التابعة للدولة.

وتؤكد تصريحات خبراء أسواق المال أن البورصة غير قابلة لاستيعاب أي طروحات خلال الفترة الحالية إلا بعد أن تستقر التداولات عند قيم كبيرة تستوعب البضاعة الجديدة التي تعتزم الحكومة نزولها إلى السوق.

10