مصر توظف زخم قضايا المناخ في تبيان مخاطر سد النهضة الإثيوبي

قدرة القاهرة على دفع المجتمع الدولي نحو الضغط على إثيوبيا تتوقف على مدى نجاحها في أن تصبح رقمًا صعبًا في معادلة أزمة الغذاء والطاقة.
الخميس 2022/07/21
هل تنجح الدبلوماسية المصرية في ردع التعنت الإثيوبي

القاهرة – حضرت أزمة سد النهضة في زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى ألمانيا خلال مشاركته في مؤتمر “بيترسبرغ للمناخ”، يومي الاثنين والثلاثاء، وبدت هناك مقاربة دبلوماسية تتبناها القاهرة لتوظيف الاهتمام الدولي بقضايا التغيرات المناخية ومحاولة ربطها بالتأثيرات السلبية للسد الإثيوبي على مسائل التصحر والجفاف وزيادة معدلات هذه التغيرات المناخية في أفريقيا وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والأمنية.

وقالت الرئاسة المصرية الاثنين إن السيسي والمستشار الألماني أولاف شولتز ناقشا تطورات ملف سد النهضة، واتفقا على أهمية كسر الجمود الحالي في مسار المفاوضات للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومتوازن بشأن ملء السد وتشغيله.

ومن الملاحظ أن القاهرة تصر على تكرار العبارات الدبلوماسية ذاتها في اللقاءات الدولية على المستوى الرئاسي والوزاري، وتتعامل مع فشل الاتحاد الأفريقي في إرغام إثيوبيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بالمزيد من الطرح الدولي للقضية.

عباس شراقي: حل أزمة سد النهضة الإثيوبي بحاجة إلى إرادة سياسية دولية

وتستفيد القاهرة من حضورها في بعض الفعاليات الدولية ذات الارتباط بترتيب أوضاع الإقليم، أو عبر استعدادها لاستضافة مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي “كوب 27″ في شرم الشيخ خلال نوفمبر القادم من أجل ترويج رؤيتها للحل السلمي لأزمة سد النهضة.

وتواجه مصر صعوبات بالتزامن مع بدء الملء الثالث للسد المتوقع الانتهاء منه خلال الشهر المقبل، بعد انتهاء أديس أبابا من العملية الإنشائية لما يقرب من 90 في المئة، وتحاول شرح النتائج السلبية على مستوى شح الموارد المائية حال لم يكن هناك اتفاق ملزم بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) على الاستخدام العادل لمياه النيل.

وأكد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي أن القاهرة تقدم طرحها للتعامل مع الموقف الإثيوبي بما يتوافق مع الاهتمام العالمي بقضايا التغير المناخي وآثاره القاتمة على أفريقيا والدول الفقيرة، بشكل يمكن أن يمهد لتكاتف دولي من أجل الحفاظ على الموارد المائية في إطار التعاون المشترك، ولفت النظر إلى سوء استغلال دول المنبع لثرواتها المائية وإمكانية تأثير ذلك على احتياجات دول المصب.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “القاهرة تريد إثبات أن التعنت الإثيوبي لن يحقق فائدة في أي مرحلة والعالم كله قد يواجه مخاطر عديدة في الغذاء والطاقة والتغير المناخي، وفي حال لم يكن هناك تعاون مشترك قد تزداد الأوضاع سوءاً، وستظل الدبلوماسية المصرية تطرح تلك الإشكاليات كي يدرك العالم أن أديس أبابا تسير بشكل مختلف عما يرسمه العالم للدول الأفريقية”.

وأشار إلى أن قضية سد النهضة ستكون حاضرة ضمن الملفات المثارة في مؤتمر “كوب 27″، وأن مصر تجهّز لطرح القضية في إطار حديثها باسم القارة الأفريقية، وحث الأعضاء على اتخاذ إجراءات ضد الدول التي تنفرد بالموارد الطبيعة، وهو ما كان حاضراً أثناء مشاركة الرئيس السيسي في حوار “بيترسبرغ للمناخ”.

ومهدت القاهرة لتلك المقاربة عبر تقرير التنمية البشرية الذي أصدرته الحكومة المصرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مطلع العام الجاري، وسلط الضوء على أزمات المياه وأبعادها المختلفة وتأثرها بالتغيرات المناخية وبناء السدود.

وأكد التقرير على أن القطاع الزراعي يستهلك نحو 80 في المئة من إجمالي كميات المياه العذبة المتاحة، ونتيجة للارتفاعات المتوقعة في درجات الحرارة والانخفاضات المحتملة في معدلات هطول الأمطار من المرجح أن يزداد الطلب على المياه للأغراض الزراعية، ما يزيد من مشكلة ندرة المياه، إلى جانب التأثيرات السلبية المتوقعة نتيجة حجز إثيوبيا المياه الواردة إلى دول المصب.

ويتفاوت التدفق السنوي لنهر النيل بنسبة زيادة 30 في المئة ونسبة نقص يمكن أن تصل إلى 70 في المئة، وقد تكون لهذين التغيرين تداعيات خطيرة في ما يتعلق بتزايد مخاطر الفيضان وموجات الجفاف، ما يؤدي إلى انخفاض إنتاج الأغذية وزيادة معدل فقدان الوظائف.

محمد العرابي: طرح القاهرة يتوافق مع الاهتمام العالمي بقضايا تغير المناخ

وانتاب القاهرة نوع من الإحباط بسبب مواقف المجتمع الدولي من الضغط على إثيوبيا، وتحاول بشتى الطرق أن تجد سبلا تمكنها من تبني رؤية تدفع أديس أبابا إلى القبول بالتوقيع على اتفاق ملزم، وتدرك أن مطلبها يتماشى مع الأعراف الدولية، وأنها تتعامل مع ملف السد كأمر واقع وتحاول فقط التخفيف من خسائره.

وظهر ذلك في حديث الرئيس السيسي خلال لقائه مع المستشار الألماني والربط بين قدرة القاهرة على الوفاء بالتزامات الغاز المسال التي قطعتها مع الدول الأوروبية وبين حديثه عن أزمة سد النهضة، كما أثار القضية ذاتها في لقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة جدة، والذي كان قد تجاهل أزمة السد منذ توليه منصبه.

وتتوقف قدرة القاهرة على دفع المجتمع الدولي نحو الضغط على إثيوبيا على مدى نجاحها في أن تصبح رقمًا صعبًا في معادلة أزمة الغذاء والطاقة وثقة الدول الأفريقية في الدفاع عن مصالحها خلال قمة “كوب 27″ في مصر.

وتفسر هذه المسألة عملية التوسع في مسارات إثارة قضية السد على مستويات متعددة قد تأتي بنتائج إيجابية بعد تعثر جهود محاصرة أديس أبابا دبلوماسيًا بالطرق التقليدية.

وذكر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي أن التزام الدبلوماسية المصرية بالأعراف الدولية في مساعيها لإيجاد حل لأزمة السد جعل هناك فرصة مواتية لعرض القضية أمام قمة المناخ المقبلة، غير أن المشكلة تكمن في الاقتناع بالتأثيرات السلبية للسد على قضايا التصحر والجفاف.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “حل أزمة السد بحاجة إلى إرادة سياسية دولية، وأن القاهرة تسعى لتكون القضية حاضرة ضمن أولويات التحركات العالمية لحصار الأزمات الاقتصادية ومسبباتها، وتطلب الحد الأدنى من التفاهم للوصول إلى اتفاق عادل يخدم مصالح الدول الثلاث”.

ويأتي نشاط القاهرة في وقت قامت فيه إثيوبيا بتخزين ما يقرب من مليار ونصف مليار متر مكعب من المياه، ومن المتوقع أن يصل الملء الثالث إلى خمسة مليارات متر مكعب.

وكان من المنتظر أن تصل كمية المياه التي قامت إثيوبيا بتخزينها منذ الحادي عشر من يوليو الجاري إلى مصر الأسبوع المقبل، وهي أول خسارة ملموسة تحدث لكل من القاهرة والخرطوم عقب الشروع في بناء سد النهضة.

2