مصر تواجه تحدي الطاقة النظيفة بالهيدروجين الأخضر

تسعى القاهرة لدخول مجال الطاقة النظيفة وتستهدف الهيدروجين الأخضر لأنه طاقة المستقبل التي تتسم بالرخص، فضلا عن كونها صديقة للبيئة وتحدّ من انبعاثات الكربون الكارثية على الأرض، وذلك تزامنا مع صراع محموم تشهده المنطقة العربية في هذا المجال بقيادة السعودية والإمارات.
القاهرة – بدأت مصر تتحرك بفاعلية للدخول في سباق توليد وإنتاج الهيدروجين الأخضر كوقود نظيف يحد من انبعاثات الكربون الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري، بالتزامن مع توجّه عالمي في هذا المجال وخطورة التلوث البيئي الذي باتت آثاره واضحة على المناخ.
وتراهن مصر على استنساخ التجربة السعودية المتعلقة بإنتاج الهيدروجين البيئي لحجز مكان يمكنها من إعادة تصدير الوقود إلى الأسواق المتاخمة لها من خلال موانئها البحرية التي تقع في قلب حركة التجارة العالمية.
وبات الهيدروجين الأخضر توجها عالميا بدأته بعض الدول الأوروبية في الأعوام الخمسة الأخيرة، وهو دورة مركبة يتم من خلالها توليد الوقود بعيدا عن الكربون، والحصول على طاقة نظيفة عبر الشمس والكهرباء والماء، ويستخدم في المنازل والمركبات والمصانع.
طلب عالمي

جمال القليوبي: تعاون مصر مع ألمانيا يحل أزمة عدم توافر التكنولوجيا
وأشارت تقديرات لوحدة شؤون تمويل مصادر الطاقة الجديدة بوكالة بلومبيرغ إلى أنه حتى يتم إنتاج كمية من الهيدروجين الأخضر تغطي 25 في المئة من الطلب العالمي من الطاقة، لا بد من إنتاج كهرباء أولا تفوق حجم الإنتاج العالمي الآن.
وأوضحت أن استثمارات الإنتاج والتخزين تتطلب مبلغا ضخما يصل إلى 11 تريليون دولار، لذلك فإن التوجه الآن سيكون نحو إنتاج كمية من هذا الوقود لتوفير 15 في المئة من احتياجات الاقتصاد العالمي.
وتسعى السعودية لتكون أكبر مصدر للهيدروجين في العالم مستقبلا بعد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة والوزارة الاتحادية الألمانية للشؤون الاقتصادية والطاقة تتضمن توسيع آفاق هذه الصناعة الواعدة، وتعتزم بناء مصنع ضخم بقيمة خمسة مليارات دولار مدعوم بالكامل بالشمس والرياح، وسوف يكون من أكبر صانعي الهيدروجين الأخضر في العالم عندما يُفتتح في مدينة نيوم عام 2025.
وتنافس الإمارات بقوة أيضا في هذا الوافد الجديد عبر تأسيس تحالف أبوظبي للهيدروجين للتصدير إلى الأسواق الناشئة، كما تخوض بلدان تونس وعمان والمغرب والجزائر معركة منافسة عربيا نحو توليد الهيدروجين الأخضر.
وبعد أن شهدت مصر ميلاد أول منظمة دولية للغاز على أرضها (منتدى غاز شرق المتوسط) دشّنت استراتيجية وطنية جديدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر لتعضيد قوتها كمركز إقليمي للطاقة، وهرعت كبرى الشركات العالمية للدخول في اتفاقيات مع القاهرة من أجل الاستثمار المشترك بحثا عن فرص التصدير الواعدة استغلالا للموقع الاستراتيجي للبلاد.
وتعتمد التنمية الاقتصادية في مصر بشكل كبير على قطاع الطاقة، حيث يمثل 13.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ووضعت استراتيجية متكاملة سُميت “استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة 2035″، تتضمن زيادة مشاركة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى أكثر من 42 في المئة.
وشكلت الحكومة المصرية مجموعة عمل لدراسة أهمية استخدام تكنولوجيا الهيدروجين لكل قطاع وتحديد فرص توليد الهيدروجين الأخضر واستغلاله، كما أعلنت عن تحديث استراتيجية الطاقة 2035 لتشمل الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة لما يحظى به من اهتمام كبير على المستوى العالمي.
ووقعت الحكومة اتفاقا مع شركة سيمنس الألمانية للطاقة للبدء في إجراء مفاوضات تنفيذ مشروع توليد هيدروجين أخضر بالتركيز على الطاقة المتجددة وتوليد هيدروجين أخضر من الطاقة الكهربائية بسعة 100 ميغاواط أو أكثر.
كما وقعت الشركات التابعة لوزارتي الكهرباء والطاقة المتجددة والبترول والثروة المعدنية اتفاقا مع تحالف شركة (DEME) البلجيكية للبدء في الدراسات الخاصة لمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره من مصر.
وتعتزم شركة إيني الإيطالية الدخول في مشروعات مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية والشركة القابضة لكهرباء مصر في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق وتقييم الجدوى الفنية والتجارية لمشروعات إنتاجه المستهدفة في مصر.
وتسعى القاهرة لأن يكون لديها مزيج من الطاقة بإنتاج الكهرباء من الشمس والرياح أو الفحم أو المواد البترولية أو الطاقة النووية أو من السدود الصناعية، وتستهدف الهيدروجين الأخضر لأنه طاقة المستقبل التي تتسم بالرخص، فضلا عن كونها صديقة للبيئة.
ويقف غياب التكنولوجيا عائقا أمام مصر لتحقيق خطتها الطموحة في سباق إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو ما تسعى للتغلب عليه بتوقيع الاتفاقيات مع الشركات العالمية ذات الخبرة والتكنولوجيا.
وقال جمال القليوبي أستاذ الطاقة والتعدين بالجامعة الأميركية في القاهرة، إن الدول الأكثر تقدما في توليد الهيدروجين الأخضر هي ألمانيا وبلجيكا وفرنسا، ومصر تسعى لإيجاد التكنولوجيا من منبعها، ومتوقع أن يستحوذ النمط الجديد على 10 في المئة من استخدامات الطاقة في مصر بحلول 2030.
وأضاف لـ”العرب” أن شركة “سيمنس الألمانية” أحد المراكز العالمية لإنتاج الهيدروجين الأخضر وستضع النواة الأولى لإنتاجه في مصر، ما يعزز من نقل الخبرات وثقل القدرات ليتم الإنتاج بالاعتماد على العمالة والفنيين المصريين قريبا.
وتكمن الجدوى الاقتصادية للهيدروجين الأخضر بمصر في أنها تطل على البحر الأحمر من جهة الشرق والبحر المتوسط من جهة الشمال، ومن ثم تتوافر لديها سهولة تحليل المياه ونزع الأوكسجين والهيدروجين ثم استخلاص الهيدروجين فقط دون انبعاثات كربونية.
وأشار القليوبي إلى أن هناك أنواعا متعددة من الهيدروجين، إذ لا تقتصر على الأخضر فقط، حيث يوجد الهيدروجين الأزرق الذي تنتجه شركات البترول المصرية حاليا من الغاز الطبيعي ويعد مهمّا على المديين القصير والمتوسط حتى يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر بفعالية وجدوى اقتصادية عالية.

مصطفى إبراهيم: النمط الجديد يُنعش صادرات الأغذية والملابس
ويتم إنتاج الهيدروجين الأزرق بعد الحصول على غاز الهيدروجين كمصاحب من إنتاج الغاز الطبيعي عبر تعريض غاز الميثان والإيثان إلى بخار الماء ثم ينتج الهيدروجين من هذا التفاعل الكيميائي لوجود بخار الماء كمؤثر في الكبريت، لكن هذا النوع من الهيدروجين يأتي مصحوبا بنسبة قليلة من الكربون.
وتكتمل أنواع الهيدروجين المستخدم في الطاقة بوجود الهيدروجين الأصفر الذي يتم إنتاجه من استخدام الطاقة المتولدة من الطاقة النووية، والهيدروجين الأسود الذي يتم إنتاجه من الفحم، ولم يتم إنتاج أي منهم في مصر حاليا.
ومتوقع أن يتوج الاستثمار في الهيدروجين الأخضر بالنجاح في مصر، لأنها أهلت مناخها الاستثماري وبنيتها التحتية حيث جذبت شركات محلية وعالمية وشجعتها على ضخ استثمارات في مجال إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مؤخرا.
ويوفر إقبال مصر على استخدام الهيدروجين بديلا للطاقة التقليدية في عمليات التصنيع مزايا تنافسية عديدة للاقتصاد، على رأسها خفض تكلفة الإنتاج وتقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة، ما يفتح آفاقا تصديرية للمنتجات المصرية، إذ يتم تقييم الأثر البيئي لعمليات التصنيع عالميا ضمن المزايا التنافسية للمنتج.
وأكد مصطفى إبراهيم عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين، أن المصانع التي تعتمد على الهيدروجين الأخضر كوقود ستدخل في إطار الصناعة الخضراء، لأنها تواجه السلبيات والعوادم الناشئة من مخرجات الإنتاج باستخدام آلات ومعدات تتوافق مع البيئة.
وأوضح لـ”العرب” أنه في مقدمة الصناعات المصرية التي ستشهد انتعاشا مع استخدام النمط الجديد، الملابس والمنسوجات والأغذية، ومن ثم تفتح أسواقا تصديرية جديدة، لاسيما إلى البلدان الأوروبية التي تفضل المنتجات القائمة على الطاقة النظيفة.
وتستهدف وزارة التجارة والصناعة المصرية زيادة صادرات البلاد إلى 100 مليار دولار سنويا، من نحو 30 مليار دولار حاليا، وتراهن على ذلك بفتح أسواق أوروبية جديدة إلى جانب الأسواق المجاورة.
وطالب مصطفى إبراهيم بتوجيه المنح والتمويلات التي تحصل عليها مصر من الخارج بغرض إنشاء المشروعات الخضراء إلى المصانع لشراء معدات إنتاج جديدة تتوافق مع استخدام الهيدروجين الأخضر، لأن ارتفاع أسعار تلك المنتجات يحول دون شرائها، خاصة في ظل نقص السيولة مع انتشار أزمة كورونا.
تقنيات ضرورية

وبحسب نشرية “ساينتفك أميركان”، فإن أساليب التكنولوجيا الحالية، كتلك المستخدمة في إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تساهم في الحدّ من الاعتماد على الكربون في قطاع الطاقة بنسبة تصل إلى نحو 85 في المئة، عبر إحلال الكهرباء النظيفة محل كلٍّ من الغاز والفحم.
أما بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل قطاعَي الشحن والتصنيع، فتواجه صعوبة أكبر في التحوّل إلى الاعتماد على الكهرباء؛ إذ عادة ما تتطلَّب وقودا يتسم بارتفاع كثافة طاقته أو الحرارة الناتجة عنه عند درجات الحرارة العالية. ومع ذلك، لا يزال هناك مستقبل للهيدروجين الأخضر في تلك القطاعات.
وتشير مجموعة “إنيرجي ترانزيشنس كوميشن” وهي ائتلاف يضمُّ عددا من شركات الطاقة، إلى أن الهيدروجين الأخضر يُعَد واحدا من أربع تقنيات ضرورية لتحقيق هدف “اتفاق باريس للمناخ”، المتمثل في تقليل ما يزيد على 10 مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويّا في القطاعات الصناعية التي تشكل التحدي الأكبر في هذا المضمار، مثل قطاعات التعدين والتشييد والبناء والصناعات الكيميائية.
مجموعة كبيرة من الصناعات مرشحة للاستفادة من الهيدروجين الأخضر، تشمل الطائرات والسفن والسيارات التي تقطع مسافات طويلة
وهناك مجموعة من الصناعات المرشحة للاستفادة من الهيدروجين الأخضر، تشمل الطائرات والسفن والشاحنات، التي تقطع مسافات طويلة والصناعات الثقيلة.
وقالت ريتشيل فخري محللة شؤون الطاقة في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية في نيويورك، إن “الهيدروجين الأخضر واعد للغاية، ويعد مكملا لمصادر الطاقة المتجددة”.
وأضافت أنه في الوقت الذي يمكن فيه الاعتماد على الطاقة الشمسي والرياح في توفير كهرباء المنازل والسيارات الكهربائية، يمكن استخدام هذا الوقود الجديد في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وفي المقابل هناك جملة من الصعوبات تواجه الهيدروجين الأخضر، أبرزها أن طريقة الإنتاج الأكثر انتشارا حاليا تعتمد على استخدام أنواع من الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي لإنتاج ما يعرف بغاز الاصطناع، وهو عبارة عن مزيج من الهيدروجين وأحادي أكسيد الكربون.
ويعني ذلك أن عملية الإنتاج تنطوي على وجود انبعاثات لثاني أكسيد الكربون، كما أن هناك صعوبات تتعلق بطبيعة تخزين ونقل الوقود الهيدروجيني، لاسيما في ما يتعلق بارتفاع التكلفة.