مصر تنهي قطيعة الآباء بالأبناء بعد الطلاق باستبدال الرؤية بالاستضافة

أحمد حافظ
القاهرة - أدركت مصر مخاطر غياب التربية المشتركة للأبناء بين المطلقين وقررت إيجاد حل ينهي قطيعة الآباء بالأبناء بعد الطلاق من خلال استبدال الرؤية بالاستضافة، لتحصين الأطفال من تبعات هدم الأسرة وعدم تحميلهم فاتورة إنهاء العلاقة الزوجية.
ويؤكد قانون الأحوال الشخصية المصري المطبق منذ أكثر من عقد كامل أن أبناء المطلقين عندما يكونون في حضانة الأم بعد الانفصال يراهم الأب لساعات معدودة في الأسبوع، وبناء على حكم قضائي يُعرف بأحكام رؤية الآباء للأبناء.
ونجحت ضغوط مارستها منظمات حقوقية معنية بحقوق الطفل في إقناع دوائر صناعة القرار بمصر على وضع حد لإجراء الرؤية المعيب وغير الإنساني، بحيث يتم استبداله بالاستضافة، وهو ما تعمل لجنة إعداد قانون الأحوال الشخصية على تعديله.
القانون الجديد سيتضمن مواد تتعلق بالاستضافة ليُتاح للأب أن يصطحب أولاده للمبيت في منزله عدة أيام كل شهر
وأوضح القاضي عبدالرحمن محمد رئيس اللجنة القضائية المشكلة لإعداد قانون الأحوال الشخصية، بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن القانون الجديد سوف يتضمن مواد تتعلق بالاستضافة ليُتاح للأب أن يصطحب أولاده للمبيت في منزله عدة أيام كل شهر.
وبررت اللجنة موقفها بأن يُسمح للأب والأعمام والأجداد برؤية الأبناء والأحفاد والجلوس معهم فترات طويلة بدلا عن أحكام الرؤية التي كان يلتقي فيها الأب أولاده لساعات قليلة بعيدا عن منزله، ولا يُتاح له البقاء معهم لعدة أيام.
ورأت اللجنة أنه من الصعب على الأبناء التعايش بشكل طبيعي في ظل ظروف مغايرة لتلك التي اعتادوا عليها وقت أن كان الأبوان يعيشان معا، وحرمان الأب من أولاده، أو العكس، لا يجعل الصغار أسوياء نفسيا وسلوكيا مع غياب الأب.
ويواجه استبدال الرؤية بالاستضافة بتحفظ واسع من النساء بذريعة أن الأب قد يستضيف أولاده ولا يقوم بإرجاعهم للأم مرة أخرى، أو يتعمد العبث في عقولهم وتحريضهم ضد الأم خلال فترة الاستضافة، لكن من غير المتوقع أن تتراجع اللجنة أمام غضب السيدات.
وتقرر تضمين القانون الجديد عقوبات مشددة ضد الأب الذي يتمنع عن إعادة أولاده بعد انتهاء فترة الاستضافة، سواء كانت الأم، أو الجدة، إذا ما انتقلت الحضانة إليها، وقد تصل العقوبة للحبس والغرامة وربما منعه من استضافة أبنائه مرة أخرى.
وطوال سنوات تطبيق أحكام الرؤية تتعامل النساء مع حضانة الصغار كحق مكتسب للأم، باعتبار أنها أكثر رحمة وإنسانية من الأب في التعامل مع الأطفال على مستوى التربية والاحتواء العاطفي دون إدراك مخاطر القطيعة الممتدة بين الطفل ووالده.
استبدال الرؤية بالاستضافة يواجه بتحفظ واسع من النساء بذريعة أن الأب قد يستضيف أولاده ولا يقوم بإرجاعهم للأم مرة أخرى
ويؤكد خبراء قانون يدعمون مسألة الاستضافة أن اتفاقيات حقوق الطفل الدولية تتعارض مع قوانين الرؤية القائمة في مصر، فوفق ميثاق الطفل يجب على الحكومة احترام حق أبناء المطلقين في عدم البعد عن الآباء واحتفاظهم بعلاقات شخصية معهم.
واعتادت بعض الحكومات العربية عدم الاقتراب من أحكام الرؤية أو استبدالها بالاستضافة كي لا ينتج عن ذلك اتساع دائرة الصراع بين الأزواج المنفصلين بسبب الأبناء، ويتحول الصغار إلى أداة للانتقام والابتزاز المعنوي بالضغط على أيّ منهما.
وكانت أحكام الاستضافة في مصر تتم بصورة انتقائية بناء على أحكام قضائية قليلة للغاية، وتخضع لرؤية قاضي محكمة الأسرة، وأصبح العرف أن يرى الأب أولاده كل فترة في ناد اجتماعي أو حديقة عامة، وبعد ذلك يودعهم إلى حين موعد جديد.
واستندت اللجنة المعنية بإعداد قانون الأحوال الشخصية الجديد إلى الأحكام القضائية النادرة الصادرة عن محكمة الأسرة، بأنه ليس من الإنسانية تفريق الأب عن أولاده، أو قصر علاقته بهم على رؤيتهم لوقت محدد أسبوعيا، لتأثيره على صلة الرحم.
وتطبق بعض الدول العربية فكرة الاستضافة كبديل عن أحكام الرؤية، لكن ذلك يكون بناء على اتفاق مسبق بين الزوجين المنفصلين، طالما ارتضيا هذه الحالة، وهذا معمول به في السعودية والأردن والإمارات وعمان والكويت.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن الاستضافة بين الأب غير الحاضن وأبنائه تعيد التوازن لعلاقة الزوجين بعد الطلاق، وتساعد في ترميم العلاقة بينهما وإمكانية عودتهما مرة أخرى، وتجعل تربية الأبناء مشتركة بينهما ولو عن بُعد.
ويمكن أن ينهي تكريس مفهوم الاستضافة كبديل عن أحكام الرؤية احتكار أحد الأبوين لرعاية وتربية الأبناء، بما ينعكس إيجابا على سلوكيات الأطفال الصغار، لأن الرؤية لا تكفي لإشباع نفسية الطفل وتنشئته بشكل سليم عاطفيا ومعنويا.
ضغوط منظمات حقوقية معنية بحقوق الطفل نجحت في إقناع دوائر صناعة القرار بمصر على وضع حد لإجراء الرؤية المعيب وغير الإنساني
وقال عادل بركات الباحث المتخصص في العلاقات العائلية والتنمية البشرية بالقاهرة إن تطبيق الاستضافة حل سحري لإنهاء نزاع المطلقين على الولاية التعليمية والنفقة وأزمات عدة تقع بعد الانفصال، وتقضي إلى حد كبير على الصراعات الكيدية.
وأضاف لـ”العرب” أن الاستضافة في حد ذاتها تجعل الأب والأم يتشاركان للحفاظ على مصلحة الأبناء عندما يكونان شريكين في التربية والتعليم والرعاية والاهتمام وتلبية الاحتياجات، وترفع منسوب التنافس بينهما لترضية الأبناء وكسب ودهم.
وتتيح الاستضافة أن يكون الطفل متعايشا مع عائلة والده ولا ينفصل عنهما، عكس الرؤية التي كانت مقتصرة على الأب لساعات قليلة لا تشعره بوجود السند والقدوة، وتجعله يعاني الحرمان الأبوي، وتصدر أحكام الرؤية للأب دون الجد والعم.
وأشار بركات إلى أن التشارك بين الوالدين في كل ما يرتبط بحياة الأبناء حق إنساني لكل أفراد العائلة، ولا يصعب أن يشعر الطفل بأنه بلا أب، مع أنه على قيد الحياة، ولا يجب أن يظل الأبناء أداة للصراع، والاستضافة لن تصبح وسيلة للانتقام.
وأقرب مثال على ذلك أن الابن إذا كان في ضيافة والده لأيام سوف يسعى إلى ترضيته لضمان ولائه إليه عبر توفير متطلباته من ملابس وهدايا ومتنزهات، وهذه نزعة أبوية، ولو كان في احتياج مادي قد يزيد النفقة الزوجية لتلبية احتياجات الابن.
صحيح أن الآباء ليسوا جميعا بصفات ملائكية، وقد يكون بينهم من يدمن المخدرات أو صاحب سلوكيات سيئة، هكذا تتحجج بعض الأمهات الرافضات لاستبدال الرؤية بالاستضافة، لكن الإيجابي أن اللجنة المعنية بإعداد القانون سوف تضع شروطا صارمة لمنع التلاعب بمفهوم ومحتوى الاستضافة.
وعلى رأس تلك الشروط ألا يكون الأب صاحب سمعة سيئة ولا يقدم على سلوكيات مشينة، بمعنى أنها تراعي المصلحة العليا للطفل وإقرار الأب بالموافقة على الاستضافة يعني أن الابن في حمايته تماما، ولذلك سوف يتم غلق جميع الثغرات التي يمكن أن تتسلل منها العيوب قبل أن تتحول الاستضافة إلى رؤية.