مصر تنهي الاستحواذ الأمني على الإعلام وتحكم تامر مرسي بالإنتاج الدرامي

القاهرة- أنهت الحكومة المصرية جانبا مهما من سطوة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية برئاسة تامر مرسي الذي استحوذ على غالبية الإنتاج الدرامي والإعلامي خلال السنوات الأربع الماضية، وعمل تحت إشراف جهات أمنية رأت ضرورة ضبط مسار الإعلام من خلاله بعد فترة من انفلاته.
وأجرت السلطات المصرية عملية إعادة هيكلة داخل الشركة في محاولة تهدف إلى خلق نوع من المنافسة، إذ لم يحقق الاحتكار الكبير الهدف المطلوب منه في تطوير المحتوى، لأن القائمين على الشركة رضخوا لرؤى ضيقة أثّرت على المضمون الذي جرى تقديمه للجمهور.
وأعرب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكثر من مرة عن غضبه من أداء الإعلام، وطالب بأن يكون الإنتاج الدرامي معبّرا عن القضايا الوطنية، حيث أنه باستثناء بعض الأعمال التي تناولت تجاوزات الإخوان والمتطرفين وتضحيات الجيش والشرطة لم تكن هناك تأثيرات حقيقية للإعلام.
وأشارت مصادر إعلامية لـ”العرب” إلى أن دوائر سياسية انزعجت من التراجع المخيف للقوة الناعمة لمصر إقليميا على المستوى الدرامي، حيث رفضت بعض الدول العربية شراء مسلسلات تحض على العنف والجريمة على شاشاتها، أسندها تامر مرسي بالأمر المباشر لبعض المخرجين والفنانين.
واعتقدت الأجهزة الأمنية التي لعبت دورا محوريا من خلف الستار في توجيه الإعلام أن السيطرة الكاملة عليه كفيلة بنجاحه إلى أن استيقظت على انصراف قطاع كبير من الجمهور عنه إلى قنوات ومنصات إلكترونية رأى فيها مضمونا معارضا.
ويبدو أن هناك توجها مغايرا عند دوائر السلطة في مصر يقوم على ضرورة تحجيم النفوذ الأمني في الملفات التي لها علاقة بالحريات، مثل الإعلام والجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان، وهو ما بدا واضحا في الفترة الأخيرة بإصدار قانون يفتح المجال أمام العمل الأهلي مع تخفيف القيود الأمنية.
ومدت الأجهزة الأمنية مظلتها الواسعة على الكثير من المؤسسات الإعلامية، بما جعلها محل انتقادات من منظمات حقوقية مصرية ودولية، باعتبار أن فتح مجال الحريات يُفترض أن ينطلق من تفكيك منظومة الاحتكار في الإعلام والكف عن فرض سياسة الصوت الواحد والسماح باحتواء التيارات المعارضة على أساس وطني.
ويقول متابعون إن الشخصيات التي كان لها دور مهم في إدارة مشهد الإعلام لم تنتبه إلى الأهمية التي تنطوي عليها المنافسة، أو انتبهت لها لكن كانت تتحكم فيها مخاوف من مخاطر تعدد الأصوات في وقت يحاول فيه النظام المصري ترتيب أوضاعه العامة في الداخل والخارج، ومواجهة التحديات على أكثر من مستوى.
ويشير المتابعون إلى أن استعادة الدولة المصرية لجزء كبير من عافيتها وعزم قيادتها على ممارسة دور إقليمي مؤثر وانفتاحها على جهات كثيرة، كلها عوامل فرضت إحداث تغيير يوحي بأنها جادة في هذه التوجهات، واختارت حلقة الإعلام وإعادة هيكلة الشركة المتحدة لتدشين المرحلة الجديدة لتعزيز مصداقيتها.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرات كبيرة تنهي السنوات التي سادت فيها الرؤية الواحدة في مجال الإعلام حيث خلت الدراما من التنافس، بما يمهد الطريق إلى القيام بإصلاحات سياسية جرى تأجيلها أكثر من مرة.

وقال رئيس تحرير صحيفة “فيتو” المصرية الخاصة عصام كامل إن الحكومة المصرية استوعبت دروس الاحتكار التي أدت إلى حالة من التململ في صفوف قطاعات كبيرة من القوى الناعمة بمصر، وأدى تضاعف الشكاوى من غياب المنافسة إلى التحرك العاجل لفتح السوق بحثاً عن استيعاب أكبر قدر من الطاقات المتاحة.
وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب” أن الشركة المتحدة استطاعت خلال العامين الماضيين تقديم إنتاج درامي وإعلامي ضخم، غير أن ذلك لم يستوعب الجميع وبدت هناك انتقائية وتشوّهات في الاستعانة بشخصيات بعينها.
وتذرعت الشركة بأن الهدف من ذلك هو إنهاء المغالاة في أجور العديد من الفنانين والإعلاميين وضبط السوق، غير أن التجربة بمرور الوقت أثبتت عدم صحة هذه الرؤية، وتحملت الشركة المتحدة خسائر باهظة وكان إنتاجها أقل من المستوى المطلوب رسميا.
ويبدو أن الحكومة المصرية أدركت أنه لا تمكن الاستفادة من القوة الناعمة في غياب التنافس كجزء من العملية الإبداعية، وأن تحقيق التأثير في العقل المصري لن يكون ممكنا دون تنافس حقيقي، مع إسناد مهمة التطوير إلى أصحاب التخصص ومحاولة استعادة النجاحات التي حققها الإعلام والدراما المصرية في فترات سابقة.