مصر تلمّع سياساتها بنقل الحكم إلى العاصمة الجديدة

طموحات المصريين أبعد من مجرد إتمام مشروع تنموي واعد.
الأربعاء 2023/02/22
الانتقال لا يعكس بالضرورة وجود أهمية للمشروع

تسرع الحكومة المصرية عملية الانتقال إلى العاصمة الجديدة، وهي خطوة تهدف إلى تبديد الشكوك بشأن جدوى بناء هذا المشروع الضخم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، لكن مراقبين يقللون من أهمية الخطوة في استرضاء الشارع.

القاهرة - حسمت الحكومة المصرية قرارها بانتقال مقار الحكم إلى العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة خلال مطلع مارس المقبل، فيما أعلن الثلاثاء وزير النقل والمواصلات كامل الوزير عن خطوط السير ووسائل النقل الجديدة التي ستقل المواطنين وموظفي الوزارات من وإلى العاصمة الجديدة ومدن مناطق القاهرة الكبرى.

وعكس الإصرار الحكومي على نقل مقار الوزارات والمصالح الرسمية الحيوية إلى العاصمة الجديدة درجة عالية من الحرص على تأكيد نجاح التوجهات الاقتصادية من خلال إثبات جدوى مشروع العاصمة الإدارية، والذي لا يزال يتعرض لانتقادات وتحفظات جراء إنفاق مبالغ ضخمة عليه، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

وكلف مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مرؤوسيه بالإسراع في التجهيز للانتقال إلى العاصمة الجديدة على أن يشمل ذلك الهيئات المستقلة والقطاعات الخدمية، مع تكثيف حضور الموظفين الذين تم اختيارهم للعمل من المقار الجديدة للوزارات، وتوفير كل وسائل المساعدة لتحركاتهم.

نقاشات دارت بين دوائر قريبة من السلطة انتهت إلى ضرورة بدء الانتقال إلى العاصمة الإدارية كرسالة سياسية للشارع

وتزامن التحرك الحكومي مع ترويج أصوات معارضة في الداخل وأخرى تابعة لجماعة الإخوان ومنابرها الإعلامية في الخارج، أن مشروع العاصمة الإدارية “فشل”، ولا تستطيع الدولة إكمال منشآته، وهناك ترويج لمعلومات ذهبت إلى الحديث عن انسحابات لمستثمرين أجانب تعاقدوا على بناء مبان عملاقة، ما فرض على الحكومة اتخاذ تحرك مناهض لمزاعم جلبت ضدها سخطا شعبيا.

وتخشى دوائر سياسية أن تتعامل الحكومة مع خطوة نقل مقار الحكم إلى العاصمة الجديدة على أنها كافية لإثبات نجاح سياساتها الاقتصادية، وأن الدولة عندما قررت التوسع في المشروعات القومية العملاقة كانت رؤيتها صائبة.

وقالت مصادر حكومية لـ”العرب” إن “نقاشات دارت بين دوائر قريبة من السلطة انتهت إلى ضرورة بدء الانتقال إلى العاصمة الإدارية كرسالة سياسية إلى الشارع والرد على المشككين في جدوى ما تنطوي عليه العاصمة من مشروعات، وأن الدولة لا تعاني أزمة تجعلها عاجزة عن استكمال استحقاقات الجمهورية الجديدة أو قوامها التنموي، فتكريس هذه الحالة يزيد الإحساس باليأس والإحباط في الشارع”.

وترغب الحكومة في تثبيت قناعة لدى المصريين مفادها أن مشروع الجمهورية الجديدة، والذي ترمز إليه العاصمة الإدارية، يسير دون معوقات ولم يتعرض لعثرات بسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة، لكن تلك الرؤية تبدو غير مقنعة لمواطنين يأملون من الجمهورية الجديدة حل مشكلاتهم التي وصلت إلى مستوى فاق صبر شريحة كبيرة منهم.

ويبدو المواطن العادي غير مهتم بطبيعة المكان الذي تدير منه الحكومة مؤسسات الدولة، هل العاصمة القاهرة أم عاصمة الجمهورية الجديدة؟ فالمهم أن تكون هناك رؤية وحلول جذرية للمشكلات التي تراكمت على مستوى الأوضاع السياسية والاجتماعية بجانب تردي الأحوال المعيشية بشكل كبير.

ii

وترغب الحكومة في تأكيد أنها لا تنوي التراجع عن المشروعات القومية الحيوية، وإذا حدث ذلك فلا علاقة له بالعاصمة الإدارية، باعتبار أن ذلك يترك انطباعات سلبية على المستويين السياسي والاقتصادي، داخليا وخارجيا، ويؤثر على الصورة العامة للنظام المصري ويمنح الخصوم فرصة تأجيج الشارع بنغمة فقه الأولويات.

وما يعزز هذا الاستنتاج أن بعض المشروعات الاستثمارية الضخمة المقامة في العاصمة الجديدة تأثرت بتداعيات الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى زيادة أسعار السلع الغذائية ومواد البناء ووجدت بعض الشركات نفسها في مأزق لعدم قدرتها على تحقيق عوائد من استثماراتها متأثرة بالركود العام، وهو ما يعني أن العاصمة مازالت غير مكتملة.

ويرى مراقبون أن الحكومة مخطئة إذا اقتنعت بأن نقل مقر الحكم إلى العاصمة الإدارية سوف يرسل إلى الناس إشارات إيجابية ويطمئنهم بأن الدولة تمضي في طريق تجاوز الارتباك الذي أصابها جراء الأزمة الاقتصادية، لأن طموحات المواطنين بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية أبعد من مجرد إتمام مشروع تنموي واعد.

وتأمل قوى مدنية معارضة أن يكون انتقال مقار الحكم إلى العاصمة الجديدة بداية لتغيير نظرة النظام تجاه الأوضاع السياسية التي تعاني من أزمة تضاهي نظيرتها الاقتصادية، على مستوى الحريات العامة وحقوق الإنسان وحركة الأحزاب، وإذا كانت الحكومة جادة في تبييض صورتها بمقار حكم جديدة فعليها تدشين حقبة سياسية جديدة.

وتعتقد هذه الأصوات أن الإشارات الكامنة وراء بث التفاؤل في الشارع من بدء إطلاق الجمهورية الجديدة سوف تظل منقوصة ما لم يقدم النظام على تدشين تعديلات جوهرية تتوافق مع الجمهورية المعاصرة التي يروج لها الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويطال ذلك تغييرات واسعة في الحكومة والمشهد العام.

وكثيرا ما دافع الرئيس السيسي عن مشروع العاصمة الإدارية وأن الدولة ستكون مختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لكنه يواجه تحديات بالجملة جراء الإخفاقات الاقتصادية المتكررة وعدم الالتزام بمواعيد سابقة لنقل مقار الحكم.

pp

ويشير متابعون إلى أن تسريع الحكومة وتيرة تمام الانتقال الكامل لمقار الحكم إلى العاصمة الجديدة قد يعود بالنفع على خطة جذب القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، فطالما بقيت العاصمة بلا حيوية سكانية ووظيفية سوف تبقى الأزمة قائمة، وتشغيلها رسميا يزيد الثقة في السوق المحلية وجذب رؤوس الأموال.

وقال كريم العمدة، الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، إن الحكومة مضطرة إلى إقناع الشارع بأن مشروع العاصمة الإدارية الذي تكلف مبالغ ضخمة له أهمية وقيمة ورمزية فائقة وليس مجرد إنشاءات بلا جدوى، وهناك طرق وجسور عديدة ومحاور عملاقة وشبكة مواصلات كهربائية عصرية جرى تشييدها بغرض الربط بين العاصمة الجديدة وأنحاء الجمهورية،وهي مهمة بحاجة إلى تأكيد أهميتها وجدواها.

وأضاف لـ”العرب” أن “الشارع يريد أن يرى العاصمة الإدارية بشكل طبيعي، وهذا مثّل ضغطا على حكومة كانت مدفوعة إلى الانتهاء منها في أقرب وقت لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية والمواطنين وتأكيد أن رؤيتها صائبة، عكس ما تروج له أصوات معارضة، ولذلك فتأخير الانتقال قد يجلب منغصات سياسية أكبر”.

ويخشى المتابعون أن تكون تداعيات الأزمة الاقتصادية على المشروعات القومية أكبر من قدرة الحكومة على تمرير رؤيتها لتعود بالنفع على المواطنين، وفي تلك الحالة لن تحقق الإشارات السياسية المتعلقة بالانتقال إلى العاصمة الإدارية الغرض منها.

وأصبحت الحكومة مدفوعة أكثر بضرورة وضع رؤية واقعية تستند إلى تشريح دقيق وشامل للأزمة الراهنة من أجل إخراج الاقتصاد من عثراته، بدلا من الاهتمام فقط باستعراض القوة وإثبات صدق تصوراتها، فتجاهل الحلول مقابل إظهار الانتصار ربما يكرس المزيد من تدهور الوضع بما تترتب عليه نتائج سلبية على الأوضاع السياسية في ظل الجمهورية الجديدة.

2