مصر تلجأ إلى المغتربين لحل أزمة شح العملة الأجنبية

مبادرات حكومية لتدشين صناديق استثمار ووثائق تأمين وتسوية التجنيد بالدولار.
السبت 2023/08/19
موسم جمع الدولار مستمر!

تسعى مصر إلى تبني سياسات جديدة للاستفادة من المغتربين لتسريع الاستثمار ومحاولة تخفيف ضغوط شح الدولار بوجود مقترح لإنشاء كيان خاص بهذه الشريحة يقوم على مبدأ المساهمات مقابل تقديم الخدمات والعوائد.

القاهرة- تعتزم الحكومة المصرية إرساء قواعد جديدة تجذب العاملين في الخارج للاستثمار في البلاد عبر الترويج للخدمات التي تقدمها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي للمصريين بالخارج.

ويتطلع المسؤولون إلى وضع آليات ميسّرة للاشتراك في خدمات التأمين الاجتماعي مع دفع قيمة التأمينات بالدولار للعمل على زيادة الحصيلة من العملة الصعبة في موازنة الدولة، وكذلك استفادة المغتربين من هذه الآليات.

وتحاول القاهرة الاستفادة من الثروة الاقتصادية التي تمثلها شريحة كبيرة من المهاجرين المصريين، والسعي لتقديم حلول متنوعة لعديد من المشكلات من خلال تقديم حوافز تحقق منافع متبادلة، وتقضي على الكثير من المعوقات والبيروقراطية.

وأعلنت سها جندي وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج مؤخرا عن توقيع مذكرة تفاهم بين الوزارة والاتحاد المصري للتأمين والهيئة العامة للرقابة المالية بالتنسيق مع الجهات المعنية لإطلاق وثيقة التأمين للمغتربين.

أحمد سمير: تسهيلات السلطات سوف تؤتي ثمارها الإيجابية تدريجيا
أحمد سمير: تسهيلات السلطات سوف تؤتي ثمارها الإيجابية تدريجيا

وتهدف هذه الاتفاقية إلى التعاون في مجال توفير الحماية التأمينية للمصريين العاملين والمقيمين بالخارج عبر قيام مُجمّعة تأمينية بإصدار وثيقة اختيارية متاح الاشتراك بها إلكترونيا والدفع بالعملة الصعبة.

واقتربت الحكومة من إنهاء عملية تأسيس الشركة الاستثمارية للمصريين في الخارج، للمشاركة بحصص في المشاريع القومية ذات العائد المرتفع، مع طرح أسهمها لهم بالتنسيق بين وزارة الهجرة و10 جهات معنية في الدولة، ونخبة من المستثمرين من أبناء مصر في الخارج.

وأكدت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي أن مقترح تدشين صندوق استثمار من شأنه طرح وعاء ادّخاري بالدولار للمغتربين.

ووفق القباج فإن ذلك يتم من خلال شراء وثائق صادرة عن هذا الكيان الذي سيتم إنشاؤه بالتعاون بين “بنك ناصر” وبعض شركات إدارة الأصول، مع تقديم عائد استثماري على ودائع هذه الشريحة من المصريين.

وتحدثت الحكومة عن منح المهاجرين والمغتربين فرصة تسوية موقف التجنيد مقابل تحويل مبلغ 5 آلاف دولار ضمن مبادرات تطرحها لزيادة تحويلاتهم المالية إلى السوق المحلية للتغلب على أزمة نقص النقد الأجنبي.

ويصل عدد المغتربين إلى نحو 12 مليون شخص، وتوجد أكبر جالية في السعودية ويصل عددها إلى 2.5 مليون، ويوجد نحو 600 ألف مصري في كل من الإمارات والكويت، وفقا لبيانات وزارة الهجرة.

وبدأ فتح باب التسجيل على مواقع وزارة الخارجية للمشاركة في المبادرة اعتبارا من الاثنين الماضي للمصريين المقيمين في الخارج ممن حل عليهم الدور في سن التجنيد، اعتبارا من عمر 19 وحتى 30 سنة، وكذلك لمن تجاوزوا 30 سنة لتسوية موقفهم أمام الخدمة العسكرية.

وعلى الرغم من الروافد الاجتماعية السلبية لهذه المسألة للمقيمين في الداخل، إلا أنها يمكن أن تسهم في جذب حصيلة دولارية جيدة.

كما تؤكد أن الحكومة باتت على استعداد للقيام بأيّ إجراءات في سبيل الحصول على العملات الأجنبية، والتي أخفقت سياساتها في سد الكثير من الفجوات التمويلية بسببها، ولم تعد عملية اللجوء إلى القروض من صندوق النقد الدولي أو المؤسسات الأخرى مجدية.

وتكمن المشكلة في هذه النوعية من التوجهات في مدى قدرة السلطات على تطبيقها جيدا وتوظيفها بالطريقة التي تحقق الغرض منها، ولا تدخلها دوامات يمكن أن تعرقل الأهداف المرجوة منها، وبالتالي تقودها إلى الفشل بعد حماسها.

17.5

مليار دولار التحويلات في أول 9 أشهر من العام المالي الماضي مقابل 23.6 مليار دولار قبل عام

وقال الخبير الاقتصادي المصري أحمد سمير إن “هذه المبادرات يمكن تحقق ثمارها الإيجابية تدريجيا، خاصة مع التسهيلات والمزايا التي تقدمها السلطات المصرية، وتزايد الرهان على عودة المصريين بالخارج لتحويل أموالهم بالطرق المشروعة”.

وتمثل تحويلات المصريين بالخارج العامل الأهم في عناصر تدفق العملة الأجنبية من الخارج، وهي كفيلة بحل جزء كبير في أزمة العملة الأجنبية، وتخفيف الاعتماد على صندوق النقد الدولي وعدم الرضوخ لمطالبه وشروطه القاسية.

وأوضح سمير في تصريح لـ”العرب” أن السلطات النقدية تسعى إلى إنهاء تسرب تحويلات العاملين في الخارج بعيدا عن القنوات والبنوك الرسمية، لأنها عامل أساسي في مواجهة السوق السوداء للعملة والقضاء عليها.

وفي مسعى منها لتعظيم الإيرادات من العملة الصعبة أطلقت الحكومة في أكتوبر الماضي مبادرة استيراد سيارة للاستخدام الشخصي معفاة من الضرائب.

واشترطت إيداع قيمة الجمارك والرسوم في حساب وزارة المالية بالدولار على أن يسترد المودعون القيمة بعد خمس سنوات بالجنيه، بسعر صرف الدولار في تاريخ الاسترداد مع نهاية السنوات الخمس.

وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن تحويلات المغتربين انخفضت إلى حوالي 17.5 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الماضي، مقابل نحو 23.6 مليار دولار في الفترة ذاتها قبل عام.

إيهاب سعيد: استمرار السوق السوداء قد يقوض هذه الخطوة المهمة
إيهاب سعيد: استمرار السوق السوداء قد يقوض هذه الخطوة المهمة

وتوقع تقرير صدر عن البنك الدولي في يونيو الماضي تحسنا في مؤشرات تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال العام الجاري بنسبة نمو 3.1 في المئة لتسجل 29.2 مليار دولار على أن تتباطأ في العام التالي بنسبة 1.4 في المئة.

وأكد المحلل الاقتصادي إيهاب سعيد أن مبادرات الحكومة جاءت في توقيت مهم، ويمثل إصدار أوعية ادّخارية بالدولار أو تأسيس صناديق استثمار أداة قوية لزيادة الحصيلة الدولارية، لأنها تجذب تحويلات المغتربين وتمنع تداول الدولار خارج دوائره الرسمية.

ولكنه حذر في تصريح لـ”العرب” من عدم انجذاب المغتربين نحو الأدوات الاستثمارية والآليات المختلفة التي تطرحها الحكومة في ظل استمرار السوق السوداء للدولار.

وقال سعيد “لذلك أصبح القضاء على السوق الموازية عملية مهمة للغاية لأجل تعزيز مساهمات المصريين في الخارج في تنمية الاقتصاد الوطني، بالتالي من الضروري حل كافة العقبات التي تواجههم في الاستثمار”.

وسعى البرلمان للضغط على الحكومة لتحاشي استمرار تراجع تحويلات المغتربين بما أثار مخاوف كبيرة، إذ تعتبر هذه الأموال من أهم مصادر النقد الأجنبي في البلاد، وتزيد من الحصيلة الدولارية في البنوك، ويضاعف تراجعها من حدة الأزمة التي تعيشها البلاد.

وكان عضو مجلس النواب أيمن محسب قد توجه بسؤال إلى كل من وزيري المالية محمد معيط والهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها جندي حول أسباب تراجع التحويلات خلال النصف الأول من العام المالي 2022 – 2023.

وتشير الأرقام إلى أن قيمة التحويلات خلال الفترة الفاصلة بين يوليو وديسمبر الماضيين بلغت نحو 12 مليار دولار، فيما كانت في الفترة نفسها من العام المالي السابق حوالي 15.6 مليار دولار.

11