مصر تلتفت إلى اللاجئين والمقيمين لرفد خزينتها

فرض رسوم إقامة بالدولار يغري الحكومة.. لكن المعضلة في التنفيذ.
الجمعة 2023/06/02
من يلجأ إلى مصر عليه أن يدفع

ترى مصر أن التعامل مع ملف اللاجئين من منظور إنساني، بات عبثيا ويشكل عبئا ثقيلا عليها اقتصاديا، وأن هناك حاجة إلى إعادة النظر في الأمر، بما يعود بالنفع على الخزينة، كفرض رسوم إقامة بالدولار، لكن الإشكال يكمن في التنفيذ. 

القاهرة – التزمت الحكومة الصمت حيال مقترح برلماني يقضي بتحصيل رسوم إقامة للأجانب، خاصة اللاجئين والمقيمين في مصر، بالدولار لتعظيم مواردها، بالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية سامح شكري أخيرا أن “على الاتحاد الأوروبي دعم مصر في ظل أعباء تتحملها جراء ملف اللاجئين في ظل ظروفها الاقتصادية”.

وترى دوائر سياسية أن عدم تعقيب الحكومة المصرية بالموافقة أو الممانعة على مقترح فرض رسوم إقامة بالدولار يحمل موافقة ضمنية على الفكرة، لكن الإشكال في كيفية تمريره، لأن مصر اعتادت تقديم نفسها إلى المجتمع الدولي على أنها تتعامل مع ملف اللاجئين والمقيمين على أراضيها من منظور إنساني.

وتزامن المقترح البرلماني بفرض 500 دولار على كل لاجئ في مصر، مع تذمر جهات رسمية من ضغط اللاجئين على السلع، ما تسبب في ارتفاع أسعارها والخدمات بما يضعف كفاءتها بعد تزايد وتيرة القادمين من السودان، ما يضع الحكومة في مواجهة مع شارع غاضب من الظروف المعيشية الصعبة.

وقالت نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، أمام مجلس النواب قبل أيام إن مصر تستضيف ثمانية ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة، أصبحوا يشكلون ضغطا كبيرا على السلع المطروحة بالأسواق، خاصة التي تقدمها الحكومة بأسعار مخفضة للفئات محدودة الدخل، وبالتالي لا يستفيد الفقراء منها بالقدر الذي تأمله الدولة.

كريم العمدة: المقترح بالون اختبار للجهات الدولية المانحة
كريم العمدة: المقترح بالون اختبار للجهات الدولية المانحة

وتنطوي إشارات متفرقة مرتبطة بإمكانية تحقيق عوائد مالية من اللاجئين على وجود رغبة باستثمار العدد الضخم من المقيمين في مصر ليكونوا مصدرا للعملة الصعبة التي تعاني البلاد من صعوبات بالغة في توفيرها، وبالتالي لا مانع من إعادة النظر في رسوم يمكن تحصيلها من اللاجئين كجزء من المساهمة في دعم الاقتصاد المتعثر.

وأصبح مقترح تحصيل رسوم على إقامة اللاجئين مطروحا للنقاش بحجة أن هؤلاء يستفيدون من الخدمات والمرافق والمشروعات التي توفرها الدولة، وسط ندرة مصادر الدخل بالعملات الأجنبية.

تتراوح قيمة الرسوم التي يتم تحصيلها من المقيمين في مصر حاليا بين خمسمئة وخمسة آلاف جنيه (15 – 150 دولارا) عن كل سنة، بقرار من وزير الداخلية وموافقة وزارة الخارجية، وتختلف الرسوم حسب طبيعة الإقامة، فهناك الخاصة والسياحية والاستثمارية والعمل والاستقرار والاعتيادية والعلاجية، وإقامة الطلاب.

وحسب المقترح المطروح على البرلمان، فإن رسوم الدخول والإقامة بالنسبة للاجئين والأجانب في مصر، أصبحت هزيلة للغاية وتحتاج إلى تعديل، ويجب أن تكون متناسبة مع الوضع الحالي، ومتوسط أسعار الإقامة والدخول في الدول الأخرى، وأن تحصّل رسوم الإقامة للأجانب بالعملة الصعبة لأي مقيم من جنسية مختلفة في مصر.

ويستثني قانون الإقامة للأجانب في مصر حالات بعينها من فرض رسوم، مثل أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي الأجنبي، ورعايا الدول المجاورة في ما يتعلق بدخول مناطق الحدود المتاخمة لتلك الدول بشرط الحصول على إجازة خاصة تُدعى “إجازة الحدود”، إضافة إلى المعفين بموجب اتفاقيات دولية، ومن يرى وزير الداخلية إعفاءهم بإذن خاص لاعتبارات خاصة بما يعرف بـ”المجاملات الدولية”.

ويرتبط عدم تجاوب الحكومة المصرية مع المقترح رسميا بخطورة التحرك في هذا المسار حاليا لأن الكثير من اللاجئين المقيمين في مصر من محدودي الدخل، وإلزامهم بدفع رسوم إقامة بالعملة الأجنبية يشكل عبئا ماديا.

ويعتقد مراقبون أن الصمت الرسمي على الأصوات البرلمانية المطالبة بتحصيل رسوم إقامة الأجانب بالدولار قد يكون رسالة غير مباشرة لمفوضية اللاجئين في مصر لتقوم بدور أكثر فاعلية، وجلب مساعدات دولية تساعد في حل جزء من الأزمة الاقتصادية، مقابل استمرار الدولة في تعاملها مع الفارين إليها من جحيم الصراعات بلا تذمر أو تقوم المفوضية بتسديد الرسوم نيابة عنهم.

وفي الحالتين ستكون مصر مستفيدة، لأنها عندما تلوح بإمكانية دراسة تعديل رسوم الإقامة للاجئين على أراضيها قد تجبر الاتحاد الأوروبي على التسريع بتقديم مساعدات مالية لها، وإذا لم تقدم على فرض رسوم جديدة يمكنها تصدير البرلمان للقيام بمناوشات سياسية في هذا الشأن، ترسل من خلالها رسائل تهديد غير مباشرة، بأن لديها أدوات كسب المفاوضات لصالحها ودفعها للتعاطي بطريقة مغايرة في ملف اللاجئين.

السودان

وربما لا تخرج مناوشات البرلمان بشأن فرض رسوم إقامة على اللاجئين عن جس نبض لقياس رد الفعل الدولي تجاه مسألة المساعدات الجديدة لمصر، وما يمكن أن تفعله مفوضية اللاجئين لتجنب نفاد صبرها من قلة المساعدات المالية التي تتحصل عليها لإغاثة الفارين إليها، لأن الكثير من نواب البرلمان معروف عنهم عدم فتح ملفات شائكة من دون تنسيق مسبق مع دوائر حكومية.

وأوضح الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن المقترح بالون اختبار لجهات دولية مانحة بأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تحملها تبعات الصراعات في الدول المجاورة دون تلقي دعم يساعدها في تخفيف أزمتها الاقتصادية.

وأضاف العمدة في تصريحات لـ”العرب” أن رسوم إقامة اللاجئين هزيلة بالفعل حاليا، لكن يجب الوضع في الاعتبار أن فرض إقامة بالدولار قد يتسبب في أزمة مضاعفة كون بعض اللاجئين سيكونون مضطرين إلى توفير العملة من السوق السوداء أو الموازية، وأمام عددهم الضخم قد تحدث ارتفاعات في سعر الدولار، ما يعمق من جراح التضخم.

500

دولار على كل لاجئ في مصر كمقترح من البرلمان وسط مع تذمر جهات رسمية من ضغط اللاجئين على السلع

وذكر أن القاهرة محقة في البحث عن حلول دولارية من ملف اللاجئين، وتركيا فعلت ذلك بالحصول على 6 مليارات يورو من جهات مانحة لاستضافتها لاجئين سوريين، مع أن نظراءهم في مصر يستخدمون قطاعات خدمية وسلعا ومرافق دفعت تكلفتها من الضرائب، وهذا وضع يواجه بتذمر من جهات رسمية ومواطنين عاديين.

ولذلك يعد الحصول على عوائد دولارية من اللاجئين مقترحا مقبولا، لكن تنفيذه بعشوائية خطر على الاقتصاد والسياسة، وعلى الجهات المانحة أن تتحمل الرسوم عن اللاجئين، وتريد مصر تقديم رسالة تهديد ضمنية بأنها لم تعد تقبل الوضع الراهن.

وأبلغ وزير الخارجية المصري نظيره المجري بيترو سيارتو خلال زيارته لبودابست أخيرا بأن القاهرة “تتحمل أعباء كبيرة جراء استضافة الملايين من اللاجئين والمهاجرين، وتتعامل مع الوضع من منظور إنساني يحول دون دفع هؤلاء إلى عبور المتوسط للنفاذ إلى أوروبا”.

وهي رسالة حملت تهديدا بأن القاهرة لا تريد الوصول إلى مرحلة قد تكون فيها مضطرة إلى فتح باب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا على مصراعيه.

وكشف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي خلال زيارته للقاهرة قبل أيام أن الحكومة المصرية أبلغت مفوضية الأمم المتحدة بضرورة الأخذ في الاعتبار أهمية توفير دعم لمواجهة تدفق نحو 350 ألف سوداني إلى مصر، ودعاها إلى مواصلة “كرمها التقليدي” بفتح معابرها أمام اللاجئين الفارين من الصراعات.

وتوحي الكثير من التلميحات السياسية من جانب الحكومة المصرية والدوائر البرلمانية المقربة منها بأن القاهرة ضاقت ذرعا من اختزال التعامل الدولي معها في مسألة اللاجئين بأنها “مسألة أخلاقية مرتبطة بالكرم”، في حين لم تعد قادرة على استيعاب المزيد منهم، ما يضطرها إلى تغيير إستراتيجية التعامل مع الملف من المنظور الإنساني، مهما انعكس ذلك سلبا على الانطباعات السياسية المختزلة عنها دوليا.

 

• اقرأ أيضا:

             مصالحات ومطبات خارجية لمصر

             القاهرة تحاول تخفيف أزماتها المالية بزيادة حصيلة الضرائب

2