مصر تكافح لتعديل بوصلة الاكتفاء الذاتي من الغاز

كثفت السلطات المصرية جهودها لإعطاء صناعة الغاز دفعة تساعدها على تلبية الطلب المحلي عبر صفقات جديدة مع عمالقة الطاقة وزيادة الاستيراد، بعدما أثار النقص في الإنتاج الكثير من الجدل لكونه يؤثر على الأعمال وعلى تشغيل محطات الكهرباء.
القاهرة - تتجه مصر إلى الاستعانة بشركتي إيني الإيطالية وأباتشي الأميركية لزيادة مستويات إنتاج الغاز محليا، في محاولة لتعديل بوصلة الاكتفاء الذاتي مرة أخرى، بعدما عانت البلاد من شح في هذا المورد، ما اضطرها إلى الاستيراد لتغطية الطلب.
ولتحفيز الشركتين على استكمال برامج تنمية الحقول والاستكشافات، اتفقت الحكومة معهما على سداد المستحقات المتأخرة.
وكشف مسؤول حكومي لبلومبيرغ الشرق الجمعة أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير البترول كريم بدوي التقيا بمسؤولي إيني وأباتشي الأسبوع الماضي، حيث تم التوصل إلى اتفاق على جدولة المتأخرات.
كما تم الاتفاق على الالتزام بسداد قيمة حصة الشريك الأجنبي في الغاز الطبيعي المستخرج بشكل مباشر دون تأخير مرة أخرى، أو السماح لهما بتصديرها إلى الخارج مقابل التزام الشركات بزيادة الاستثمارات في مناطق الامتياز الخاص بها. وأشار المسؤول، الذي لم تذكر بلومبيرغ الشرق هويته، إلى أن الاتفاق مع إيني شمل إمكانية تصدير جزء من حصتها من الغاز في الشتاء المقبل.
وسددت القاهرة 1.3 مليار دولار كدفعة من مستحقات شركات الطاقة الأجنبية العاملة في البلاد بنهاية يونيو الماضي، ووصلت مستحقات هذه الشركات لدى الهيئة المصرية العامة للبترول إلى نحو 4.5 مليار دولار، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي في مارس الماضي.
وبحسب المعلومات المتوفرة تستحوذ الشركتان على حوالي 50 في المئة من مستحقات شركات النفط الأجنبية لدى الحكومة. وكان مسؤول حكومي قد قال الشهر الماضي إن بلاده “ستسدد مستحقات شركات النفط الأجنبية المتأخرة البالغة 3.2 مليار دولار على 3 أقساط خلال السنة المالية الحالية، على أن يُدفع أول قسط في أكتوبر المقبل، وقيمته 1.2 مليار دولار”.
ولم تعد مصر، التي كانت موردا لأوروبا، قادرة على إنتاج ما يكفي استهلاكها من الغاز، ما أثر على إمدادات المصانع ومعدلات إنتاج الكهرباء خصوصا خلال فترة الصيف، وأجبرها على اللجوء إلى تخفيف الأحمال. ولحل هذه الأزمة، ومع تعهد الحكومة بوقف تخفيف الأحمال، اتجهت مصر إلى الأسواق الدولية لشراء كميات كبيرة من الوقود.
وتأزم الوضع بعد التناقص الطبيعي في كل حقول الغاز، وفي مقدمتها ظُهر في شرق المتوسط، لكن البيانات الرسمية تؤكد أن الإنتاج مستمر، ويتم طرح مزايدات وتنمية الحقول لمواجهة النقص الذي يعد دورة عادية في الاستخراج.
وتعمل مصر على زيادة كميات الغاز الطبيعي المتاحة خلال النصف الثاني من العام الجاري، وذلك لسد احتياجات البلاد وخصوصا قطاع الكهرباء خلال أشهر الصيف.
وتناقص إنتاج الغاز محليا دفع البلاد في يونيو الماضي إلى الاتفاق على شراء 21 شحنة من الغاز المسال خلال أشهر الصيف الجاري، بالإضافة إلى طرح مناقصة لتوريد 5 شحنات فورية في يوليو الماضي.
والأربعاء الماضي فازت شركات ترافيغورا وفيتول وغلينكور بالمناقصة التي طرحتها القاهرة لاستيراد 5 شحنات من الغاز المسال في أغسطس الحالي وسبتمبر المقبل.
وعادت القاهرة منذ أبريل الماضي إلى استيراد الغاز المسال لتلبية الطلب المحلي المتزايد، خصوصا من قطاع الكهرباء، وتعويض الفجوة التي تعانيها نتيجة تراجع الإنتاج محليا.
وانخفض الإنتاج بنحو 100 مليون قدم مكعبة شهريا بسبب تقادم الحقول. وبحسب المعلومات المتوفرة، يبلغ الإنتاج حاليا 4.6 مليار قدم مكعبة يوميا، وهو أدنى مستوى له منذ سنوات.
وفي العام الماضي بلغ الإنتاج 59.29 مليار متر مكعب، وهو أقل مستوى منذ 2017، بانخفاض نسبته 11.5 في المئة على أساس سنوي، حسب ما تظهره أرقام مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي).
وتهدف القاهرة إلى الحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية من خلال الاتفاق مع الشركات الأجنبية، وصولا إلى زيادتها والعودة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، بعد رفع الشركات طاقتها الإنتاجية وإتمامها عمليات الحفر واستكشاف آبار جديدة.
ويبلغ إنتاج إيني وأباتشي معا من الغاز 2.5 مليار قدم مكعبة يوميا، من إجمالي إنتاج مصر السنوي، وهو ما لا يلبي احتياجات السوق المحلية البالغة 6.2 مليار قدم مكعبة، أي أن لدى البلد عجزا يُقدر بنحو 1.6 مليار قدم مكعبة يوميا.
1.6
مليار قدم مكعبة يوميا مقدار العجز، بينما ينتج البلد 4.6 مليار متر مكعب يوميا
وتعتزم مصر استيراد ما يصل إلى 17 شحنة غاز مسال جديدة خلال الربع الأخير من هذا العام لتغطية احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، بحسب ما أكده مصدر حكومي ثان الجمعة.
وعادت أزمة انقطاع الكهرباء إلى الظهور مؤخرا، إذ قررت السلطات بعد عطلة عيد الفطر تطبيق نظام تخفيف الأحمال الكهربائية لساعتين يوميا، حيث تقوم من خلاله بتخفيف الأحمال بالتناوب بين المناطق، وهو ما يُقابل بتذمر شعبي واسع.
وتجاوز الاستهلاك اليومي للطاقة في البلاد هذا العام 37 غيغاواط، بزيادة 12 في المئة عن العام الماضي، ما يعني عجزا قدره 4 غيغاواط. وتعمل الحكومة على تسريع مشاريع الطاقة المتجددة للمساعدة في سد الفجوة وتقليل واردات الطاقة، بحسب ما أكده مدبولي في مرات كثيرة مؤخرا.
وبالتوازي مع ذلك تخطط مصر بالشراكة مع نظيرتها الأردنية للتعاقد على تصنيع وحدة تغويز عائمة مع إحدى الشركات العالمية، في سياق التعاون بين البلدين لتأمين احتياجاتهما من هذا المورد.
وكشف مصدران مطلعان لبلومبيرغ الشرق، لم تذكر هويتهما، الأحد الماضي أن الوحدة الجديدة ستعمل على استقبال شحنات الغاز الطبيعي المسال وإعادة تغويزه وإدخاله على الشبكة في البلدين.
وعملية التغويز هي إعادة تحويل الغاز المسال إلى صورته الصالحة للاستهلاك المباشر من قبل الناس في منازلهم، أو في المحلات التجارية والمصانع. وكان البلدان قد أبرما في شهر يونيو 2023 اتفاقية للتعاون في مجال استغلال بنية الغاز الطبيعي التحتية لدى كل منهما، بالإضافة إلى إسالة الغاز.
ويهدف الاتفاق إلى الاستفادة من موارد مصر والأردن بكفاءة أعلى وكلفة أقل، إذ تسعى وزارتا الطاقة في البلدين إلى تعميق التعاون بينهما في مجال الطاقة بصورة أكبر خلال المرحلة المقبلة.