مصر تقتفي أثر دول عربية في إبعاد تجارتها عن الدولار

تسعى مصر إلى اقتفاء مسار دول عربية تدرس تخفيف الاعتماد على الدولار في تعاملاتها التجارية الدولية، لاسيما استيراد السلع الغذائية والمواد الأولية من الصين والهند وروسيا، رغم أن الرحلة تتطلب جهدا ووقتا لامتصاص مخلفات الحرب في أوكرانيا.
القاهرة - تولي مصر، التي تعتبر من المشترين الرئيسيين للسلع الأولية، اهتماما كبيرا باعتماد خيار التعامل باليوان الصيني والروبية الهندية والروبل الروسي، في محاولاتها المضنية لامتصاص آثار شح الدولار من السوق المحلية.
ويعمل المسؤولون في أكبر بلد بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث تعداد السكان، إلى مجاراة دول عربية، تشمل السعودية والإمارات والعراق، في إبعاد جزء من تجارتها عن فلك العملة الأميركية.
وتعد مصر أحد الأسواق الناشئة الأكثر تأثرا بتداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، باعتبارها مستوردا صافيا للمواد الغذائية من كِلا البلدين.
وقال وزير التموين علي المصيلحي السبت الماضي “نفكر جديا بالاستيراد من دول باعتماد عملاتها المحلية والجنيه”. وأضاف “قطعنا جزءا كبيرا من الطريق الطويلة مع الصين والهند وروسيا”.
ومع أن الوزير أوضح في تصريحات صحفية أنه لم يتم تنفيذ أي صفقات بغير العملة الأميركية حتى الآن، لكن محللين يتوقعون أن تحقق القاهرة مبتغاها خاصة وأنها تتمتع بعلاقة جيدة مع تلك الدول سياسيا واقتصاديا.
وصارت الهيمنة المستمرة للدولار منذ عقود موضع تساؤل خلال الأشهر القليلة الماضية مع سعي تجار النفط العالميين إلى الحصول على مدفوعات بعملات أخرى غير الدولار.
ويقول محللون إن ذلك التحول كان مدفوعا بالعقوبات الغربية على روسيا، ولكن الحرب في أوكرانيا تسببت في نشوء وضع ضاغط على الدول محدودة الدخل من بينها مصر، التي وجدت نفسها تعاني من تبخر الدولارات.
وأدرجت روسيا هذا العام الجنيه على قائمة العملات الأجنبية، التي يحدد بنكها المركزي سعر الصرف الرسمي لها مقابل الروبل، لكن عددا من التجار المصريين أبلغوا رويترز بأنهم لم يبدأوا بعد في إجراء معاملات بغير العملة الأميركية.
واستنادا على حسابات منظمة التجارة العالمية، فإن 86 في المئة من المبادلات تتم بالدولار، فيما يؤكد صندوق النقد الدولي أن العملة الأميركية تمثل 58.3 في المئة من احتياطات الدول لدى الصندوق.
وتعاني مصر من شح في العملة الصعبة أدى إلى انخفاض قيمة عملتها إلى النصف مقابل الدولار، وكبح الواردات، ودفع التضخم إلى 32.7 في المئة في مارس الماضي، وهو ما يقترب من أعلى معدل على الإطلاق.
واشتدت الأزمة هذا العام مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لسعر الفائدة، ونشوب الحرب في شرق أوروبا، ما أدى إلى تخارج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة.
ولم يفلح توصل القاهرة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي، يتيح الحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، ضمن تسهيلات ائتمانية تفوق 9 مليارات دولار، في إعادة الاستثمارات الأجنبية إلى أسواق الأوراق المالية في البلاد حتى الآن.
ولدى البلد احتياطي إستراتيجي من القمح يكفي لمدة شهرين ونصف الشهر تقريبا من الاستهلاك، واحتياطاتها من الزيوت النباتية تكفي لأكثر من أربعة أشهر ومن السكر أربعة أشهر ومن الأرز تقرب من 3.7 شهر ومن اللحوم 1.7 شهر.
ومن المتوقع أن تواصل مصر استيراد اللحوم من السودان رغم التحديات اللوجستية في ظل الصراع الدائر هناك، لكن وزارة التموين ستحاول تنويع مناشئ الاستيراد لتشمل تشاد والصومال.
والتوجه المصري المزمع بالنأي عن استخدام الدولار سبقته خطوات عملية اتخذتها دول عربية في مقدمتها الإمارات، التي أجرت أبريل الماضي أول تسوية لصادرات الغاز الطبيعي إلى الصين مقومة باليوان.
كما تدرس الإمارات سبل زيادة التجارة البينية غير النفطية بالعملات المحلية مع الهند، التي تمثل أحد شركائها الرئيسيين.
وكان وزير الدولة للتجارة الخارجية ثاني الزيودي قد أوضح في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ في ديسمبر الماضي أن بلاده في مرحلة مبكرة من المناقشات مع الهند بشأن استخدام الدرهم والروبية في تبادلهما التجاري، الذي “سيقتصر فقط على التجارة غير النفطية”.
وأبلغت السعودية الصينيين مطلع 2023 بأنها منفتحة على المناقشات حول التبادل التجاري باعتماد عملات غير الدولار، وجاء ذلك بعد وقت وجيز من إعلان وزير المالية محمد الجدعان صراحة عن ذلك.
ومطلع الشهر الماضي، أعلن وزير التجارة الهندي سونيل بارثوال أن بلاده تعرض عملتها الروبية بديلا في التعاملات التجارية على الدول التي تواجه نقصا في الدولار.
ونقلت بلومبرغ عن مسؤول حكومي هندي، طلب عدم الكشف عن هويته، تأكيده أن مصر وسريلانكا وبنغلادش، التي تعاني شحا في الدولارات، أبدت اهتماما بالتداول بالروبية.
والابتعاد عن فلك الدولار لم يقتصر على هذه الدول، إذ يعتزم العراق، ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك، سداد قيمة واردات القطاع الخاص من الصين بعملة اليوان، وضخ العملة الأجنبية في النظام المالي للمساعدة في تخفيف الضغط على الدينار.
وأكد البنك المركزي العراقي في فبراير الماضي أنه سيوفر اليوان لجهات الإقراض المحلية للتعامل مع نظرائها في الصين، مع تأمين جزء من السيولة للمستفيدين النهائيين أيضا عبر بعض حسابات البنك المركزي الخاصة.
السعودية والإمارات والعراق، وأيضا سيريلانكا وبنغلادش تتجه إلى اليوان الصيني والروبية الهندية والروبل الروسي
وقال مظهر صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني حينها إن “الإجراء لن يمتد تطبيقه إلى تجارة العراق النفطية، إذ يغطي فقط واردات القطاع الخاص”.
ويحتاج التخلي عن استخدام الدولار للكثير من الجهد والتعاون بين الدول، التي ضاقت ذرعا بالهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي عبر سياسة البترودولار.
وتتوقع “لومن كابيتال إنفسترز” أن تستفيد عملات الأسواق الناشئة من التشظي التدريجي لهيمنة الدولار، إذ أنشأت عشرات الاقتصادات نماذج معاملات مالية وتجارية تتجنب العملة الخضراء.
لكن لورنت لوكو، رئيس إدارة المحافظ في “لومن كابيتال” في سنغافورة، يرى أن التخلي عن الدولرة لعبة طويلة الأمد ولكن على المدى القصير. وقال لراديو بلومبرغ “أعتقد أن الدولار سيستمر في الهيمنة على التجارة العالمية”.
وتعتقد “ستاندرد آند بورز” للتصنيفات الائتمانية أن مصادر التمويل المصرية قد لا تغطي المتطلبات الخارجية المرتفعة للسنتين الماليتين الحالية والمقبلة، والتي تُقدر بنحو 37 مليار دولار.
ورغم توقعها في تقرير أصدرته مؤخرا تدفقات كافية لتغطية عجز الحساب الجاري حتى السنة المالية 2026 - 2027 تُقدِر الوكالة بلوغ متوسط إجمالي احتياطات البنك المركزي 32 مليار دولار خلال تلك الفترة، بما يناهز نصف المستوى، الذي يراه صندوق النقد.