مصر تقترب من التعاون الإقليمي مع إسرائيل وأوروبا

توفر الاحتياطات النفطية في شرق المتوسط التي لا يمكن استغلالها دون توافقات إقليمية ودولية فرصة حقيقية لبناء تعاون إقليمي أوسع يمتد إلى مجالات أخرى بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي. ويرى مراقبون أن المتغيرات الدولية دفعت مصر وتل أبيب إلى مقاربة براغماتية بعيدا عن اللاءات السياسية.
القاهرة – تخلت مصر عن ترددها السابق في التعاون مع إسرائيل في بعض المجالات الإقليمية وتبنت تحركا جديدا نحو تحويل السلام البارد إلى ساخن، متجاوبة مع تطورات تسهم في إعادة هندسة المنطقة على أسس مغايرة لما عرفت به على مدار عقود، ومستفيدة من الأهمية الصاعدة لغاز شرق البحر المتوسط كسلعة استراتيجية.
ووقعت مصر مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي الأربعاء مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعي تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط.
ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بالخطوة قائلا “في سابقة تاريخية، ستتعاون إسرائيل مع مصر والاتحاد الأوروبي على توفير الغاز الطبيعي لأوروبا”.
ويدعم هذا التحرك علاقات التعاون في أحد أكثر المجالات حيوية الآن، ويمكن أن يخلق روابط قوية على أساس المصالح بين مصر وإسرائيل، وبين القاهرة وواشنطن التي تعمل على إيجاد حوافز متعددة يمكن أن تبعد مصر عن روسيا.
ويصلح الغاز ليكون مدخلا مناسبا لترتيبات مشتركة في ظل تصاعد أهميته، والتي انتبهت لها مصر وإسرائيل مبكرا عندما وقعا اتفاقا منذ حوالي ثلاثة أعوام أسهم في كسر بعض “التابوهات”، وبدا وسيلة لعدم حصر التعاون بينهما في أطر أمنية على الحدود.
وربط متابعون بين الإعلان عن مذكرة التفاهم وبين الجولة المتوقعة التي سوف يقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن في كل من إسرائيل والسعودية خلال منتصف يوليو المقبل، وحضوره قمة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن.
وأشار المتابعون إلى أن جولة بايدن المنتظرة تعزز العلاقات بين هذه الدول وإسرائيل، ويمكن أن تخلق إطارا متينا للتعاون الإقليمي وتذيب الكثير من الجليد بما يسهم في إيجاد قواعد جديدة للشراكة ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
ووقع المذكرة في القاهرة وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق المُلا ووزيرة الطاقة الإسرائيلية كاترين الحرار ومفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي كادرى سيمسون، بحضور أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية.
أحمد فؤاد أنور: أهمية اكتشافات الغاز شرق المتوسط تسرّع وتيرة التعاون
وأكدت وزارة البترول المصرية أن التوقيع خطوة هامة جداً في مسيرة المنتدى، يمكن البناء عليها في تحقيق المزيد من التعاون بين الدول الأعضاء والمشاركة في منتدى غاز شرق المتوسط، ومنها الاتحاد الأوروبي.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أحمد فؤاد أنور إن “الحديث عن تغيير استراتيجي في شكل التعاون بين مصر وإسرائيل سابق لأوانه، والبعد الاقتصادي حاضر منذ فترة، غير أن اكتشافات الغاز في المنطقة وتزايد أهميتها هما اللذان يسرّعان وتيرة التعاون الذي يمكن أن يتضاعف في الفترة المقبلة، لأن الحقول في شرق المتوسط متداخلة ومن الصعب الوصول إلى طريقة مثلى للاستثمار دون تفاهمات”.
وأضاف لـ”العرب” أن “منتدى المتوسط ركيزة للكثير من المشروعات، وتحرص كل من مصر وإسرائيل على توسيع نطاق التعاون الثاني والجماعي، وبسبب حاجة الغرب إلى الغاز وسط الأزمة التي نشبت بينه وبين روسيا سيزداد الطلب على هذه السلعة التي يمكن أن يثمر التعاون فيها استفادةً جيدة لجميع الأطراف”.
وذكر أن استخدام مفردات من قبيل السلام البارد والدافئ والساخن يعبّر عن حالة سياسية تتجاوز حدود الحسابات بين مصر وإسرائيل، لأنها باتت الآن تخضع لتقديرات إقليمية ودولية، ومع ما يحدث من تطورات متسارعة يمكن أن ينتقل المفهوم البارد إلى محطة أعلى تتوقف على طبيعة التحولات ونوع الشراكات الجديدة.
وأوضحت الوزيرة الإسرائيلية أن التوقيع على المذكرة الثلاثية يمثل مؤشرا هاما على نجاح التعاون تحت مظلة منتدى شرق المتوسط الذي يتأكد دوره المحوري في تأمين جانب من إمدادات الطاقة إلى أوروبا، ويساعد التعاون المثمر على تحقيق الاستغلال الأمثل لإمكانيات المنطقة ويدعم دور مصر وإسرائيل كلاعبين مهمين في سوق الغاز.
وتسعى الأطراف الموقعة على المذكرة لإمداد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي إمدادا منتظما من قبل مصر وإسرائيل وجهات أخرى، وذلك من خلال البنية التحتية الحالية لتسييل الغاز الطبيعي في مصر.
وجاء التوقيع في وقت صعب بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يبحث عن تأمين مصادر موثوقة لإمدادات الطاقة وسط متغيرات دولية تدفعه دفعا حثيثا نحو مصادر بديلة.
ولفتت مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي إلى أهمية التعاون بين دول شرق المتوسط في البنية التحتية والاستثمار الكفء في مشروعات الطاقة وتوفير موارد جديدة ومتوازنة للمستهلكين، وقالت “إنها فرصة لأمن الطاقة وللتعاون الإقليمي، والتعاون يخلق الأصدقاء والأصدقاء يحافظون على السلام”.
وتريد مصر وإسرائيل أن تزيدا صادراتهما من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، والاستفادة من المساعي الغربية لتعويض واردات الطاقة التي تأثرت بالحرب الروسية – الأوكرانية، وما تمخض عنها من تداعيات أثرت على تدفق الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية.
وتسمح مذكرة التفاهم بزيادة التعاون بين القاهرة وتل أبيب في مجال الغاز وتوسيع نطاق صادرات الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا بعد تسييله في مصر.
الأطراف الموقعة على المذكرة تسعى لإمداد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي إمدادا منتظما من قبل مصر وإسرائيل وجهات أخرى
ويتدفق الغاز الإسرائيلي عبر خطوط أنابيب إلى منشآت تسييل في كل من محطتي دمياط وإدكو على ساحل البحر المتوسط في مصر وتجرى إعادة تصديره كغاز مسال.
ومن المتوقع أن تزداد الشحنات من مصر إلى أوروبا بصورة أكبر بعد توقيع مذكرة التفاهم في غضون العامين المقبلين، والمساهمة في حل جزء من أزمة الطاقة المحورية التي تجتاح بعض الدول الأوروبية.
وأشارت الحرار إلى أن مذكرة التفاهم التي وقعت في القاهرة جاءت “بسبب غزو روسيا لأوكرانيا الذي تسبب في أزمة طاقة كبيرة لأصدقائنا في أوروبا. مذكرة التفاهم تظهر أننا نسير في مسار جديد من الشراكة والتضامن والاستقرار”.
وتثير اتفاقيات الغاز الموقعة بين دول شرق المتوسط حساسيات إقليمية تتجاوز مشاغبات تركيا المعروفة مع كل من اليونان وقبرص، واحتكاكات لبنان مع إسرائيل، حيث طالبت فلسطين بحصولها على الحرية الكاملة في استغلال موارد الطاقة الطبيعية التي تملكها بدءاً بتطوير حقل غاز “غزة مارين” قبالة سواحل البحر المتوسط.