مصر تفرج عن ناشط إيطالي تفاديا لسيناريو ريجيني

قضية ريجيني كادت تتحول إلى منغص سياسي حاد بين مصر وإيطاليا، حيث يتبنى كل طرف رؤية مغايرة.
الأربعاء 2021/12/08
محاكمة عادلة يمكن أن تزيل قدرا من الالتباسات

القاهرة – حاولت القاهرة تفادي تصاعد أزمة الناشط باتريك زكي مع روما بعد تزايد اهتمامها باعتقاله، وقررت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ بمصر الثلاثاء، إخلاء سبيله حيث أصبح حاملا للجنسية الإيطالية، وتأجيل محاكمته إلى الأول من فبراير المقبل للمرافعة، بعد اتهامه منذ نحو عامين بنشر معلومات كاذبة.

وأوحى الإفراج أن الحكومة المصرية لا تريد تكرار سيناريو الشاب الإيطالي جوليو ريجيني الذي لقي مصرعه في القاهرة منذ ستة أعوام وعلى جثته علامات تعذيب، وقالت دوائر رسمية وشعبية في روما إنه “قتل على يد الأمن المصري”.

وتفاعلت قضية ريجيني وكادت تتحول إلى منغص سياسي حاد بين مصر وإيطاليا، حيث يتبنى كل طرف رؤية مغايرة، خاصة مع استمرار الاتهامات التي توجهها منظمات حقوقية دولية للقاهرة وتشكيكها الدائم في سجل حقوق الإنسان بها.

داليا زيادة: القاهرة تسعى إلى تحسين أوضاع الملف الحقوقي

وربط مراقبون بين ريجيني وزكي، ورجحوا أن القاهرة لا تريد تأزيم العلاقة مع روما، ووجدت في الإفراج حاليا بادرة حسن نية وتأكيدا على أنها توفر محاكمة عادلة له يمكن أن تزيل قدرا من الالتباسات التي لا تزال تصاحب قضية ريجيني.

وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي عقب صدور قرار المحكمة إنه يشعر بالرضا بعد الإفراج عن الباحث باتريك جورج زكي، وأن “القضية كانت وستظل تحت مراقبة عن كثب من قبل الحكومة الإيطالية”.

وكتب وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو على تويتر، “الهدف الأول تحقق، باتريك زكي لم يعد في السجن. نواصل العمل الآن في هدوء وبإصرار والتزام. جزيل الشكر لبعثتنا الدبلوماسية”.

وكان الباحث الشاب طالب دراسات عليا في جامعة بولونيا في إيطاليا ويعد أطروحة ماجستير حول دراسات “المرأة والجندر”، واعتقل في فبراير 2020 أثناء زيارة لمصر واتُهم بنشر معلومات كاذبة بعد نشر مقال على موقع “درج” المصري أشار فيه إلى أن مسيحيي مصر “يتعرضون للاضطهاد”.

وعمل زكي قبل سفره إلى إيطاليا باحثا في قضايا النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان في منظمة “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، وبعد القبض عليه وجّهت له تهم عدة بينها “الإضرار بالأمن القومي” و”التحريض على قلب نظام الحكم”، وجاء توقيفه بموجب مذكرة صدرت بحقه بعدما غادر إلى إيطاليا لنيل شهادة الماجستير.

ووافق مجلس النواب الإيطالي على منحه الجنسية في يوليو الماضي، وألزم الحكومة البدء على وجه السرعة من خلال الجهات المختصة بإجراء ما يلزم لمنح الجنسية الإيطالية لباتريك جورج زكي ومواصلة مراقبة جلسات محاكمته، وهو ما منح القضية زخما كبيرا في روما، والربط بينها وبين قضية ريجيني التي لم تغلق بعد.

ووصف رئيس الوزراء الإيطالي السابق والرئيس السياسي لحركة خمس نجوم، جوزيبي كونتي الإفراج عن الناشط بأنه “أخبار جيدة جزئيا، ونأمل أن تتبعها أخرى”، وأنه تابع القضية عندما كان على رأس الحكومة السابقة.

وبعد تعليق المحاكمة الغيابية مؤخرا لأربعة من الضباط المصريين المتهمين في قضية ريجيني، ذهبت استنتاجات لجنة برلمانية إيطالية نشرت في الأول من ديسمبر الحالي إلى أن “أجهزة الأمن مسؤولة عن تعذيب وقتل ريجيني”.

وظهرت جدارية رسمها فنان الشارع لايكا على مقربة من السفارة المصرية في روما لزكي وريجيني معا، بما يوحي بالإصرار على الربط بين الطالبين وحث الحكومة الإيطالية على عدم التقاعس كي لا يواجه زكي مصير ريجيني.

وأصبحت الجنسية المزدوجة تمثل صداعا سياسيا في رأس الحكومة المصرية، حيث تتدخل بعض الدول الغربية للإفراج عن رعايا ومن يحملون جنسيتها، وقد تدخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للإفراج عن آية حجازي منذ أربع سنوات.

القاهرة تحاول تفادي تصاعد أزمة الناشط باتريك زكي مع روما
القاهرة تحاول تفادي تصاعد أزمة الناشط باتريك زكي مع روما 

وقالت مديرة المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة داليا زيادة، إن القاهرة ترفض التعامل بمعايير مختلفة بين مزدوجي الجنسيات والناشطين الحقوقيين المصريين، وتتعامل بالمزيد من الحذر مع قرارات الإفراج حتى لا يكون هناك اعتقاد بأنها تخضع لضغوط أو إملاءات خارجية.

وأضافت لـ”العرب” أن القاهرة ترفض أن تعود سياسات التعامل مع النشطاء الحقوقيين إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وارتبطت في حينه بتراكم الضغوط الدولية التي تمارس على الدولة المصرية.

وأشارت إلى أن الإفراج عن باتريك زكي جاء في سياق محاولات القاهرة إثبات حسن نواياها لتحسين أوضاع الملف الحقوقي، وهو ما ظهر في الإفراج عن العشرات من النشطاء من المصريين الفترة الماضية، والأمر قد يتعلق أيضا بمخرجات الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة الشهر الماضي.

وهناك رؤى مصرية ترى خطورة كبيرة في الإفراج عن شخصيات حقوقية ثبت تعاونها مع تنظيم الإخوان المسلمين في وقت تعرضت فيه الدولة لموجة إرهابية متصاعدة، وتتعامل مع القرارات الأخيرة باعتبارها مخاطرة قد تكون غير محسوبة العواقب.

وسألت خمس منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان الثلاثاء، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مصير الناشط السياسي المصري الفلسطيني رامي شعث المتزوج من فرنسية والموقوف بمصر منذ نحو عامين، والذي تؤكد باريس أنها تعمل على تحريره.

وشعث أحد وجوه ثورة يناير 2011 ومنسّق “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، وتم توقيفه منذ يوليو 2019 واتّهم بإثارة اضطرابات ضد الدولة، ورُحّلت زوجته الفرنسية إلى باريس، وأدرج اسمه على القائمة المصرية لـ”الكيانات والأفراد الإرهابيين”.

وأكد ماكرون من قبل أنه تحدث مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أثناء زيارة له إلى باريس عن عدة “حالات فردية” بينها رامي شعث، وهو أيضا ابن السياسي الفلسطيني نبيل شعث.

وترفض باريس كما روما، ربط التعاون الاقتصادي والعسكري مع القاهرة بالخلافات الحقوقية، ويرى مسؤولون في البلدين أنه من الأفضل انتهاج سياسة حوار صارمة بدلا من المقاطعة.

2