مصر تفتح الباب على مصراعيه للمستثمرين بالمناطق الحرة

سرّعت الأزمات المتلاحقة الناجمة عن شح الدولار ومن قبلها تداعيات الحرب في أوكرانيا من خطط مصر للبحث عن بدائل لتدفق العملات الصعبة تجلّت بموافقة الحكومة على تعديلات لتيسير إنشاء المناطق الحرة الخاصة، في إطار جهود لجذب استثمارات القطاع الخاص.
القاهرة – قررت السلطات المصرية تهيئة الأجواء أمام البيئة التشريعية الجاذبة للأعمال وتوفير مناخ موات للمستثمرين بما يسمح بإقامة مشاريع خدمية متنوعة بنظام المناطق الحرة الخاصة، مع التزام الهيئة العامة للاستثمار بمتابعة الأنشطة وتقديم التسهيلات اللازمة.
وطالبت منظمات الأعمال منذ العام 2017 الدوائر الحكومية بمنح تسهيلات أكبر في عملية تأسيس هذه المناطق، التي لم تؤت ثمارها الفترة الماضية نتيجة ما تتمتع به القوانين من تعقيدات تعطل الاستفادة منها.
كما خاطبت جمعية مستثمري المناطق الحرة الخاصة مجلس الوزراء مؤخرا للسماح بتعدد مجالات تلك المناطق وعدم قصرها على النشاط الصناعي.
وتضم البلاد نوعين من المناطق الحرة، الأولى عامة وتخضع لسيادة الدولة وتقع غالبا على أحد المنافذ البحرية أو البرية أو الجوية ويتم تحديدها بأسوار لفصلها عن باقي إقليم الدولة.
وتضم المنطقة العامة مشاريع تقام للاستفادة من حوافز ومزايا الاستثمار فيها وتقوم الدولة بتوفير البنية الأساسية اللازمة لممارسة النشاط بهذه المنطقة.
أما النوع الثاني، فيضم المناطق الحرة الخاصة، وهي تكون غير مرفقة وقبل التعديلات الحالية اقتصرت على مشروع واحد فقط، إذا كانت طبيعته تستلزم ذلك.
وعلى سبيل المثال أن يكون موقع المشروع مؤثرا بالنسبة إلى اقتصادياته، مثل القرب من مصادر المواد الخام أو يكون الموقع يتفق مع طبيعة النشاط كمشروعات النقل البحري أو صوامع الإسمنت، أو أن يسهم المشروع في تنمية منطقة عمرانية جديدة طبقا لخطة الدولة.
وتتمتع المشاريع المقامة في هذه المنطقة بالمزايا والحوافز والضمانات ذاتها التي تتمتع بها تلك المقامة في المناطق العامة، ويتم الإشراف الإداري عليها من أقرب منطقة حرة عامة.
وتظهر الإحصائيات الرسمية أن مصر تضم نحو 164 مشروعا يعمل بنظام المناطق الحرة الخاصة.
وتسعى القاهرة لتكرار تجارب البلدان التي أنشأت مناطق خاصة، وسمحت فيها للشركات بتدشين المشاريع بلا قيود معرقلة، على أمل تحقيق نجاحات واسعة كي تتدفق إليها الاستثمارات الأجنبية للأسواق.
وجاءت موافقة الحكومة على تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار بغرض تيسير إنشاء المناطق الحرة ضمن جهود الحكومة لجذب استثمارات القطاع الخاص.
ومن شأن التعديلات التي أدخلت على اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار لعام 2017 السماح لمجلس الوزراء بإعفاء الشركات من الالتزام ببعض القواعد المعمول بها حاليا لإنشاء المناطق الحرة.
وينتظر العديد من المستثمرين تعديلات تتطرق إلى عدم الالتزام بالتكلفة الاستثمارية للمشاريع، والتي تصل في القانون الحالي إلى نحو 20 مليون دولار كحد أدنى، فضلا عن ألا تقل العمالة الدائمة بالمشاريع الصناعية عن 500 عامل.
100
مليار دولار سنويا قيمة الصادرات التي تستهدفها القاهرة خلال الأعوام الخمسة المقبلة
ويُتوقع أن تكون ثمة استثناءات لتأسيس المناطق الحرة الخاصة، إذ يقوم مجلس الوزراء بدراسة كل حالة على حدة عبر بعض الشروط التي يتم وضعها بناء على مقترح الوزير المختص.
وقال رئيس جمعية مستثمري المناطق الحرة الخاصة معتصم راشد لـ”العرب” إن “التعديلات غير كافية، لأنها تستوجب توفير تسهيلات أكبر في ما يخص أدنى مساحة يمكن للمستثمر الحصول عليها، والتي لا تقل تكلفتها عن 650 ألف دولار”.
وأضاف أنه “إجراء غير مشجع لأن هذه القيمة يتم دفعها ثمنا للأرض فقط قبل ترفيقها وتهيئتها للاستخدام في تأسيس المشاريع”.
وتتميز المناطق الخاصة بأنها توفر الإنفاق الحكومي لأن المستثمر يحصل على الأرض فقط ويتحمل تكاليف تجهيز المرافق والبنية التحتية، ومن ثم يجب أن تعي السلطات أهميتها وتقتفي أثر البلدان التي حققت طفرات تصديرية من ورائها، خاصة ماليزيا وتركيا.
وأوضح راشد أن الدول لا تشترط تكلفة استثمارية أو مساحة محددة لتأسيس أي مشروع بالمناطق الحرة الخاصة، بالتالي الاستثمار فيها يتطلب تقديم تسهيلات أكبر.
وأكد أن الحكومة لا تنكر أهميتها وقدرتها على تحقيق أعلى قيمة من الصادرات، وقد أثبتت الإحصائيات أن صادرات المناطق الحرة تمثل ثلث صادرات البلاد.
وتستهدف القاهرة زيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويا خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وجذب استثمارات خاصة بقيمة 40 مليار دولار بحلول 2026 فيما تواصل خططها لزيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
وأشار راشد إلى أن التعديلات الأخيرة التي تحتاج إلى مراجعة أيضا هي تعديل المادة الثانية من قانون الاستثمار بمضاعفة الرسوم، وهي خطوة يترتب عليها فقدان الثقة في الاقتصاد، لأن ذلك يعد “عدم احترام للقانون”.
وجاءت الخطوة الحالية استكمالا لحزمة من الإجراءات الهادفة إلى جذب الاستثمار الأجنبي، وشملت نحو 22 قرارا اتخذها المجلس الأعلى للاستثمار الذي يرأسه الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا.
والهدف الأساس هو القضاء على البيروقراطية وتحسين الشفافية، وتمكين القطاع الخاص ليزيد استثماراته لتصبح متساوية مع الحكومة أو تفوقها.
وأكد نائب رئيس جمعية مستثمري المناطق الحرة الخاصة فاروق بركات لـ”العرب” أن التعديلات غير واضحة وتحتاج إلى تفسير أكبر.
وقال “نحن سننتظر لمدة أسبوع ربما نتلقى مخاطبات أو تفسيرات أخرى من مجلس الوزراء” لأن “المناطق الحرة الخاصة أصبحت لاعبًا مهمًا في جذب الاستثمارات الأجنبية”.
وذكر بركات أنه من التعديلات المنتظر صدورها رسميا عدم إلزام المستثمرين بنسبة مكون محلي لا تقل عن 30 في المئة من المواد الخام والمعدات، لكن ذلك لن يعرقل أو يتناقض مع خطط تعميق الصناعة المحلية.
وأوضح أنه بالنسبة إلى التصدير يمكن أن تتم زيادة النسبة المسموح بها أو البقاء عند الحالية وتمثل ما لا يقل عن 80 في المئة من المنتجات، وأن المستثمرين يترقبون نسبة الرسوم المفروضة والتي ستتضاعف لكنهم يأملون في وجود حوافز أكبر.
وينظم قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 عمل كل من المناطق الحرة العامة والخاصة بمصر، ومن أهم الامتيازات التي أتاحها القانون إعفاء المشروعات من الضرائب الجمركية.
ولا تخضع هذه المشاريع إلا لرسم سنوي في حدود واحد في المئة من قيمة السلع الداخلة إلى المنطقة أو الخارجة منها لحساب المشروع، لكن التعديلات الجديدة ستزيد تلك الرسوم بنحو 10 أضعاف.