مصر تفاجئ الأسواق بتقليص برنامج الطروحات

فاجأت القاهرة أسواق المال بالتخلي عن التوسع في برنامج الطروحات الحكومية، وهو تراجع كبير أثار جدلا واسعا حول وجهة نظر الدولة بشأن إفساح المجال للقطاع الخاص. لكن السلطات ابتكرت قنوات استثمارية جديدة تسمح بمشاركات كبيرة للكيانات غير التابعة للدولة.
القاهرة - قلصت السلطات المصرية برنامج الطروحات من 5.6 مليار دولار إلى مليار دولار مع نهاية العام الجاري، وهي المرة الأولى التي تلجأ فيها إلى تخفيض المستهدف من هذا البرنامج وقت الإعلان عنه منذ 6 سنوات.
وشرعت الحكومة في الإعلان عن طرح 23 شركة تابعة لها منذ عام 2018، لكن استمر التأجيل مرة بعد أخرى حتى جرى طرح عدد محدود من الكيانات في سوق الأوراق المالية.
ولم يُلفت هذا البرنامج أنظار الأسواق، إلا مع احتدام أزمة شح العملة خلال 2023 وإعلان الحكومة بيع عدد كبير من الشركات يصل إلى نحو 70 كيانا لمستثمرين أجانب للخروج من الأزمة. وحسب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي فإن الحكومة استقطبت 5.6 مليار دولار من خلال التخارج الكلي والجزئي من 14 شركة.
وظلت الانتقادات موجهة إلى هذا التوجه بسبب السمعة السيئة للخصخصة في حقبة التسعينات وجاءت نتائجها سلبية على الشركات من حيث تحديد قيمت0ها وتسريح العمالة، لذلك لم تتسرع الحكومة في بيع الشركات خلال فترات نقص الدولار، رغم العروض التي تلقتها.
وتلقت القاهرة دعما من صفقة رأس الحكمة ثم التمويل من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، والتي ساهمت في استمرار التدفقات الأجنبية للبلاد، ما منحها مرونة في إرجاء خطتها المثيرة للجدل، كونها مؤسسات رابحة وبعضها يعزز الصادرات.
وفسّر محللون هذا الخفض المفاجئ بأنه جاء مع ابتكار نماذج جديدة لبيع حصص في الاستثمارات العامة عن طريق الشراكات، وهو ما لاح في الشراكة مع الإمارات في اتفاق رأس الحكمة بنحو 35 مليار دولار، بدلا من البيع المباشر لمشاريع قائمة ومنتجة في البورصة.
وتجدد الحديث عن شراكة مرتقبة بين مصر وبعض الشركات السعودية في منطقة رأس جميلة بشرم الشيخ، وهذا نموذج من الاستثمار يتواكب مع وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تم الإعلان عنها عام 2022 وترمي إلى إفساح المجال أمام مشاركة القطاع الخاص.
ومن نماذج الشراكة التي يتوقع أن تتم قريبا ضمن وثيقة سياسة ملكية الدولة وتدخل ضمن دائرة الطروحات، بيع حصة في محطتي جبل الزيت والزعفرانة، حيث تتطلع الحكومة إلى الانتهاء من طرح نسبة من المشروعين لمستثمر إستراتيجي قريبا.
وبدأت شركة الشحن الدنماركية العملاقة ميرسك في إجراءات الفحص النافي للجهالة للاستحواذ على مزرعة رياح الزعفرانة بقدرة 545 ميغاواط، تمهيدا لتقديم عرض استحواذ نهائي على نصف أصول المزرعة.
وانتهت شركة أكتيس البريطانية للاستثمار المباشر من إجراءات الفحص النافي للجهالة بشأن صفقة الاستحواذ على مزرعة رياح جبل الزيت بقدرة 580 ميغاواط.
◙ 1 مليار دولار مستهدف الإدراجات بنهاية هذا العام من نحو 5.6 مليار دولار مستهدفة سابقا
وقال المحلل الاقتصادي أحمد معطي لـ"العرب"، "لن تكون تلك الخطوة نذير خلاف بين مصر وصندوق النقد، إذ خفف الأخير لهجته في فبراير الماضي بشأن الحاجة الملحة إلى طرح أصول الدولة قبل إعلانه عن برنامج القرض الموسع بقيمة 8 مليارات دولار".
كما أن تصريحات وزيرة التخطيط هالة السعيد لم تكن لتصدر إلا بعد التنسيق مع الصندوق في هذا الصدد، لأنه كان شرطا أساسيا لاستيفاء البلاد شروط الحصول على تمويل من صندوق النقد.
وأضاف معطي أن "صندوق النقد تراجع عن إصراره على طرح أصول مصر للبيع مع تصاعد التوترات الإقليمية، ما مثل تغيرا في موقفه بعدما كان يشدد على الحاجة إلى الإسراع في الفترات السابقة".
وأوضح أن هذا التقليص الكبير في برنامج الطروحات لا يعني إلغاءه بل التريث بشكل كبير في بيع الشركات مع طرح الشركات الكبرى التي تستوعب أكبر قدر من الاستثمارات واحتفاظ الحكومة بحصة كبيرة.
وكشف البيان التمهيدي للموازنة العامة للعام المالي المقبل ترتيب الأولويات في البرنامج ليتضمن شركات الطاقة والنقل والاتصالات بهدف تنشيط البورصة وزيادة الحوكمة والشفافية والإفصاح.
وأكد خبير الاستثمار إبراهيم الحدودي أن مصر يصعب أن تتخلى بالكلية عن البرنامج، لأنها توجه نحو 50 في المئة من المتحصلات الناشئة عنه إلى سداد أعباء الديون.
وأشار لـ"العرب" إلى أن مصر تعي أهمية الشراكة مع القطاع الخاص حاليا، لكن الحاجة المستمرة إلى الدولار بالشكل الذي يجنب البلاد أيّ انتقادات هي المشاريع الجديدة المشتركة لأنها استثمار مباشر، إلى جانب القليل من طرح الشركات لأجل تنشيط سوق المال أيضا.
وقررت السلطات الاستعانة بأداة مكملة تُرجئ بيع عدد من شركاتها حاليا، وذلك بالاستثمار في مقراتها الحكومية، التي تخلت عنها بعد الانتقال وممارسة العمل من العاصمة الإدارية الجديدة.
ولفت الحدودي إلى أن تطوير المقرات ليس من الاستثمارات اليسيرة، لأنه في حاجة إلى الترويج واتفاقات مع كبار المستثمرين، متوقعا أن الشراكة في هذا الصدد، سينتج عنها احتفاظ الحكومة بملكية تلك المباني، مع منح الجهات الفائزة حق استغلال الممتلكات لمدة زمنية محددة.
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي في يناير الماضي قرارا يقضي بنقل ملكية عدد من المقرات الحكومية إلى الصندوق السيادي، من بينها مقر وزارة الخارجية على كورنيش النيل بالقاهرة ووزارات التجارة والسياحة والآثار والنقل.
وتضمن القرار مقرات وزارات العدل والتربية والتعليم والإسكان والصحة والتموين والتضامن الاجتماعي والإنتاج الحربي والهيئة القومية للإنتاج الحربي، ووحدات إدارية تتبع وزارة التنمية المحلية.
وتعتزم مصر إدراج الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية) التابعة للقوات المسلحة قبل نهاية العام الجاري في البورصة ضمن برنامج الطروحات، بهدف إفساح المجال للمنافسة من جانب القطاع الخاص.
ومن المتوقع طرح شركة الأمل الشريف للبلاستيك بسوق المال، حيث يجري ذلك بالتنسيق مع بنوك الاستثمار الكبرى مثل إي.إف.جي هيرميس والأهلي فاروس.
وجرى تجهيز الشركتين في صندوق ما قبل الطروحات الذي أسسه الصندوق السيادي لتكونا مؤهلتين، وستتم عملية الطرح على مستثمرين إستراتيجيين أو صناديق استثمار خليجية في البداية، قبل الإدراج بالبورصة، حتى تؤتي النتائج المرجوة، والمتمثلة في تدفق الدولار.