مصر تعلن توقف الجلسات المشتركة مع تركيا

القاهرة - أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري، مساء الجمعة عن توقف الجلسات الاستكشافية المشتركة بين بلاده وتركيا بعد انعقاد جولتين منها، لأنه "لم يطرأ تغيير على ممارسات الجانب التركي في ليبيا".
وقال شكري في تصريحات لقناة "العربية" السعودية، مساء الجمعة إن القاهرة أجرت جلستين استكشافيتين مع تركيا في الشهور القليلة الماضية، وذلك في إطار محاولة البلدين تقريب وجهات النظر في ملفات مختلفة.
وأضاف "لم يتم استئناف مسار المباحثات مع تركيا، لأنه لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل تركيا"، مشيرا إلى أن "الأمر يرجع مرة أخرى إلى ضرورة الالتزام بالمعايير والقواعد الدولية".
وتابع أن "من الأمور التي تثير القلق عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق هذا الهدف، مشيراً إلى أن ذلك يبرهن على أن المجتمع الدولي يعمل لتحقيق المصالح وليس لاعتماد مبادئ يجب أن تكون راسخة في إدارة العلاقات الدولية.
وفي سبتمبر من العام الماضي، أجرى مسؤولون من مصر وتركيا، في أنقرة جولة ثانية من المباحثات بشأن تطبيع العلاقات التي طغى عليها التوتر في السنوات الماضية.
وفي ختام المباحثات اتفق الطرفان على مواصلة تلك المشاورات وأكدا رغبتهما في تحقيق تقدم في عدد من الملفات، فضلا عن الحاجة إلى اتخاذ خطوات إضافية لتيسير تطبيع العلاقات بينهما.
ورغم مرور عام على آخر جولة استكشافية، تبدو المحادثات المبدئية بشأن المصالحة بين مصر وتركيا تواجه تهديد حقيقي بالفشل، ناجم عن عدم الاتفاق بين الطرفين على قضايا أساسية في مقدمتها الموقف من جماعة الإخوان والوجود التركي العسكري في داخل ليبيا.
ويرى مراقبون أن هناك عدة مؤشرات توحي بأن العلاقات بين البلدين قد تشهد تراجعا لا سيما بعد إقدام أنقرة، في الثالث من أكتوبر الحالي، على توقيع مذكرة تفاهم جديدة في طرابلس مع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة بشأن التنقيب عن الغاز والنفط في مياه البحر المتوسط.
وكانت المذكرة قد أثارت غضب مصر واليونان اللتان أعلنتا طعنهما فيها، واتفقتا على التنسيق للرد عليها، حيث يعارض البلدان أيّ نشاط تركي في مناطق متنازع عليها في شرق البحر المتوسط.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أكد في وقت سابق من الشهر الحالي، على موقف مصر الثابت من الصراع في شرق المتوسط، وضرورة التزام جميع الدول وباحترام القانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة، خاصة مبادئ عدم التدخل واحترام السيادة والمياه الإقليمية للدول الأخرى.
ورغم أن السيسي لم يذكر تركيا بشكل صريح، لكن الأمر واضح تماماً لكل من يتابع هذا الملف، ويحمل رسالة قوية لتركيا تختلف إلى حد ما عن الموقف الأكثر ليونة الذي اتخذته مصر تجاه قضية البحر المتوسط في الأشهر الثلاثة الماضية.
وكانت مصر قد دعت المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي يرأسها الدبيبة، لانتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الذي تشكلت بموجبه، في يونيو الماضي. وهي الحكومة التي وقعت اتفاقية جديدة مع تركيا تسمح للأخيرة بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الليبية.
وحصلت القاهرة على تطمينات من قبل قوى دولية بأن حكومة الدبيبة لن تستمر وستغادر طرابلس وأن الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي برئاسة فتحي باشاغا وتتخذ من بنغازي مقرا لها أمامها فرصة لتولي القيادة بدلا منها.
وتبخرت الوعود أو التطمينات وبدا الدبيبة متمترسا في موقعه، والمجتمع الدولي غير عابئ بإشكالية رحيله أو بقائه في السلطة، والمطلوب من القاهرة هو إعادة التموضع للتعامل مع المستجدات التي قد تدفعها إلى تشجيع خيار الفيدرالية في ليبيا الذي بدأ يتصاعد النقاش حوله داخل البرلمان وفي دوائر سياسية مختلفة.
وعلى العكس، حافظت تركيا على علاقتها بالدبيبة ولم تخسر باشاغا الذي كان يعد أحد رجالاتها في طرابلس خلال حكومة السراج، وظلت تعزز وجودها السياسي والعسكري في الغرب وتواصل تسللها إلى الشرق الليبي.
وبدأت التحركات المصرية على المسار الاقتصادي، في المقابل، تواجه متاعب كبيرة في ليبيا، وتواجه حزمة الاتفاقيات التي عقدتها القاهرة مع حكومة الدبيبة العديد من العثرات الآن.
وتعيد مذكرة التفاهم الجديدة السخونة الإقليمية في التعامل مع الأزمة الليبية وتدفع مصر إلى التخلي عما يوصف بـ"الاسترخاء" في التعامل معها، والذي قام في جزء منه على أن الصدام مع تركيا مستبعد، حيث بدت الأخيرة محافظة على الخط الأحمر العسكري الذي رسمه الرئيس المصري بشأن سرت – الجفرة، مستعيضة عنه بتسلل ناعم لا يغضب القاهرة كثيرا.
وتوترت العلاقات بين تركيا ومصر عام 2013، وتبادلا سحب السفراء، إلا أن سفارتي البلدين لم تغلقا أبوابهما، واستمرتا في العمل على مستوى القائم بالأعمال، وبمستوى تمثيل منخفض طوال الأعوام الماضية، بسبب الموقف التركي من سقوط حكم الإخوان في مصر، ودعمه الجماعة التي أعلنتها السلطات المصرية تنظيماً إرهابياً، وعلى المستوى التجاري والاقتصادي ظل التبادل والتعاطي قائماً بين البلدين.
ولم يرفع أي من البلدين مستوى التمثيل الدبلوماسي عن مرتبة القائم بالأعمال، وهو المستوى المعمول به منذ تبادلت الدولتان سحب السفراء في ديسمبر 2013، وجاءت الاتفاقيات التركية الأخيرة مع حكومة الدبيبة لتضيف مزيداً من التعقيدات لذلك الملف.