مصر تطمح لنتائج مثمرة لشعوب القارة السمراء من القمة الروسية-الأفريقية

القاهرة/موسكو - دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى ضرورة العمل على بلورة نتائج فعلية وعملية من القمة الروسية الأفريقية لصالح الشعوب الأفريقية في المقام الأول، خصوصا وأن القمة تستهدف إرساء التعاون المستدام بين روسيا ودول القارة، في وقت تسعى موسكو من خلال عقد هذه القمة إلى فك عزلتها وتوسيع نفوذها بسلاح الأمن الغذائي مع الإعلان عن نظام عالمي جديد.
وخلال لقاء الرئيس المصري بنظيره نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في قصر قسطنطين بمدينة سان بطرسبرغ التي تستضيف اليوم الخميس وغدا الجمعة القمة الروسية الأفريقية الثانية، أعرب السيسي عن حرصه على تعميق علاقات الشراكة مع روسيا الاتحادية في إطار التطور المستمر الذي تشهده تلك العلاقات، والذي تكلل بالتوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة عام 2018، وفق ما أكده المستشار أحمد فهمي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية.
ووفق بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية، فقد أشاد الرئيس السيسي خلال لقائه نظيره الروسي بالتعاون الثنائي القائم في العديد من المجالات والمشروعات المشتركة الجارية، خاصةً مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومشروع إنشاء محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية.
ومن جانبه، أفاد موقع "روسيا اليوم" بأن مشروع إنشاء محطة الضبعة كان على رأس الملفات المطروحة بين الزعيمين، وقال بوتين للسيسي إن مشروع محطة الضبعة النووي ينفذ حسب الخطة المعتمدة.
وقال بوتين إن هذا العام "بعد شهر واحد بالضبط"، تحل الذكرى الـ80 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا ومصر"
وأضاف "على مدى هذه السنوات، وعلى مدى هذه العقود، اكتسبت العلاقات بين روسيا ومصر طابعا خاصا ومكانة خاصة. لقد تم إنجاز الكثير تحت قيادتكم. لدينا مشاريع ضخمة وقوية في مجال الطاقة، وبشكل خاص مشروع بناء المحطة النووية. كل شيء يجري وفقا للخطة".
ومن جهته، أشار الرئيس السيسي إلى أن مصر تقدر الدعم الواضح لروسيا في إنشاء محطة الضبعة النووية ومشروع المنطقة الروسية الصناعية.
وفي 19 نوفمبر 2015، وقّعت مصر وروسيا اتفاقا مبدئيا لإنشاء وتشغيل محطة الطاقة النووية في الضبعة، وتمويلها عبر قرض بقيمة 25 مليار دولار، قبل أن يتم التوقيع على العقود النهائية في ديسمبر 2018.
وفي فبراير 2016، وقّع البلدان مذكرة تفاهم حول إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بمنطقة قناة السويس، على مساحة مليوني متر مربع، لتضم مشروعات لإنتاج جرارات زراعية ومنتجات بتروكيميائية.
وقال فهمي إن الرئيس بوتين أشار إلى الأهمية التي يوليها لاستمرار التنسيق والتشاور مع الرئيس السيسي بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتقديره لدور مصر "كركيزة أساسية للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا".
وذكر الرئيس الروسي أن ثلث حجم التجارة بين روسيا وأفريقيا يتم مع مصر مضيفا "ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين بنسبة 28.8 بالمئة العام الماضي، وفي 5 أشهر من هذا العام ارتفعت بنسبة 7 بالمئة أخرى عن العام الماضي".
وإلى جانب التطرق للعلاقات الاقتصادية المتميزة بين البلدين استعرض الرئيسان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر بشأن عدد من النزاعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها تطورات الأوضاع في السودان وسوريا وليبيا، والقضية الفلسطينية، حيث "توافقت الرؤى على دفع الجهود من أجل استعادة وترسيخ الأمن والاستقرار والسلام لدول المنطقة، وعلى نحو يحافظ على وحدة وسيادة أراضيها وحقوق شعوبها المشروعة".
كما تناولا الزعيمان ملف الحرب الأوكرانية، حيث أحاط الرئيس الروسي نظيره المصري بمستجدات الأزمة الروسية-الأوكرانية، فيما أكد السيسي "دعم مصر لكافة المساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً بشكل سلمي".
وأشار السيسي إلى أن "هذا الدعم من "أجل الحد من المعاناة الإنسانية القائمة، وإنهاء التداعيات الاقتصادية السلبية على دول العالم خاصة الدول النامية والأفريقية، والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين".
ومنذ 24 فبراير 2022، تشن روسيا هجوما عسكريا على جارتها أوكرانيا، ما دفع عواصم في مقدمتها واشنطن إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو، مما خلف أزمات اقتصادية عالمية أثرت على دول عربية عدة بينها مصر.
وبشأن القمة الروسية الأفريقية التي انطلقت اليوم الخميس، أكد الرئيس المصري "أهمية العمل على بلورة نتائج فعلية وعملية من القمة لصالح الشعوب الإفريقية بالمقام الأول".
وأعرب عن "استعداد مصر لتعزيز مختلف أوجه التعاون الثلاثي بين البلدين في القارة الأفريقية".
وأبلغ الرئيس الروسي قادة أفارقة اليوم الخميس أنه سيقدم لهم عشرات آلاف الأطنان من الحبوب في غضون شهور رغم العقوبات الغربية التي قال إنها جعلت من الصعب على موسكو تصدير الحبوب والأسمدة الروسية.
وفي أثناء القمة الأفريقية الروسية في سان بطرسبرغ، العاصمة الإمبراطورية الروسية السابقة، قال بوتين إن روسيا تتوقع حصادا قياسيا للحبوب هذا العام وإنها على أهبة الاستعداد لتحل صادراتها محل صادرات الحبوب الأوكرانية إلى أفريقيا على الصعيدين التجاري والخاص بالمساعدات وكذلك الوفاء بما وصفه بأنه دور موسكو المحوري في الأمن الغذائي العالمي.
وأضاف "سنكون جاهزين لتزويد بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا بما بين 25 و50 ألف طن من الحبوب المجانية لكل دولة في الشهور الثلاثة أو الأربعة المقبلة"، ورد المشاركون في القمة بالتصفيق.
وتابع بوتين قائلا "سنوصل كذلك هذه المنتجات مجانا للمستهلكين".
وردا على الانتقادات الغربية لقرار روسيا الانسحاب من اتفاق حبوب البحر الأسود الأسبوع الماضي، الذي يسمح لأوكرانيا بتصدير حبوبها بأمان، أكد بوتين أن موسكو انسحبت من الاتفاق لأنه لم يتم الوفاء بأي من الوعود بشأن تسهيل صادراتها من الحبوب والأسمدة.
وقال بعض السياسيين الغربيين إن خروج روسيا من الاتفاق غير مسؤول وسيتسبب في معاناة الملايين في الدول الفقيرة.
غير أن بوتين أبلغ القمة أن أكثر من 70 بالمئة من الحبوب الأوكرانية التي صُدرت بموجب الاتفاق الذي انقضى الآن ذهبت لدول ذات دخل مرتفع أو أعلى من المتوسط، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، وأن دولا فقيرة مثل السودان تلقت أقل من ثلاثة بالمئة من الشحنات.
وقبل ساعات من انطلاق القمة، قال بوتين في رسالة ترحيب بعثها إلى المشاركين ونشرت الأربعاء على موقع الكرملين "نعتزم مواصلة تطوير" التعاون مع الدول الأفريقية.
غير أنّ ممثلي الدول الأفريقية يستمرون بالوصول إلى سان بطرسبرغ، على غرار وفدي موزمبيق وليبيا اللذين أوردت نبأ وصولهما صباح الخميس وكالة الأنباء العامة تاس.
وقالت رئاسة جنوب أفريقيا في بيان الأربعاء، إن القادة سيناقشون مع بوتين إجراءات لإيجاد "ظروف مواتية لفتح طريق نحو السلام بين روسيا وأوكرانيا".
وخلال هذه النسخة الثانية من القمة، بعد نسخة أولى في العام 2019، يعقد بوتين محادثات ثنائية مع عدد من القادة، على أن يتولى الكلام في جلسة عامة.
وأوضح مستشاره للشؤون الدبلوماسية يوري أوشاكوف، أن الرئيس الروسي سيلقي "خطاباً مهماً" يعرض فيه رؤيته للعلاقات الروسية الأفريقية و"تشكيل نظام عالمي جديد".
وسيكون الموضوع الساخن في القمة تخلّي موسكو عن اتفاقية مهمة أتاحت لأوكرانيا منذ صيف العام 2022 بأن تُصدِّر، بما في ذلك إلى أفريقيا، حبوبها عبر البحر الأسود، رغم الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية.
وفي عام واحد، سمح هذا الاتّفاق بنقل زهاء 33 مليون طنّ من الحبوب من الموانئ الأوكرانيّة، ما ساعد على استقرار أسعار الغذاء العالميّة وتجنّب خطر حصول نقص.
وحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس القادة الأفارقة على المطالبة بإجابات بشأن أزمة الحبوب التي أدخلت أفقر الدول في أزمة. وقال بلينكن عن القادة الأفارقة "إنهم يعرفون بالضبط من المسؤول عن الوضع الحالي". وأضاف خلال زيارة إلى نيوزيلندا "أتوقّع أن تسمع روسيا هذه الرسالة بوضوح من شركائها الأفارقة".
وفي الأيّام الأخيرة، حاولت روسيا طمأنة شركائها الأفارقة، قائلة إنّها تتفهّم "قلقهم" بشأن هذا الموضوع، ومؤكّدة استعدادها لتصدير حبوبها "مجّانا" إلى البلدان التي هي في أمسّ الحاجة إليها.
وقال فسيفولود سفيريدوف الخبير في مركز الدراسات الأفريقية في كلية موسكو العليا للاقتصاد لوكالة الصحافة الفرنسية ، إنّه بالنسبة إلى موسكو وشركائها، "من الضروري إيجاد أرضيّة مشتركة، وشرح وجهات النظر (...) حول القضايا الحاليّة، مثل اتفاقيّة الحبوب على سبيل المثال".
وأضاف أنّه بشكل عام، فإنّ "الإطار الذي تتفاعل فيه روسيا مع أفريقيا تغيّر بشكل عميق"، في ظلّ جائحة كوفيد-19 والصراع في أوكرانيا. وتابع "لذا، من الواضح أنّه يجب وضع تعريف جديد (لهذه) العلاقات".
والتقى بوتين الأربعاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ثمّ الرئيس المصري، مشيداً بمشاريعهما المشتركة في مجال الطاقة.
وسعت روسيا في السنوات الأخيرة إلى تعزيز علاقاتها مع أفريقيا، خصوصاً عبر وجود مجموعة "فاغنر" المسلّحة في القارة.
وفي إشارة إلى هذا الاهتمام، قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولتين في القارة منذ مطلع السنة، في محاولة لجذبها إلى معسكر موسكو، مقدما ذلك على أنه حصن في وجه "الإمبريالية" و"الاستعمار الجديد" الغربي.
غير أنّ تمرّد فاغنر في يونيو يلقي بظلال من الشك على مستقبل عملياتها في القارة.
وقال الكرملين إنّه ستتم مناقشة المسألة الأوكرانية أيضا خلال القمة الجمعة، خلال "غداء عمل بين فلاديمير بوتين ومجموعة من رؤساء الدول الأفريقية".
ويأتي لقاء سانت بطرسبرغ قبل شهر من قمة البريكس في جنوب أفريقيا، والتي تخلّى الرئيس الروسي، الذي تستهدفه مذكّرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، عن حضورها، ما وضع حدّاً لأشهر من التكهّنات بهذا الشأن.