مصر تضخم ملف اللاجئين للتخفيف من الانتقادات الحقوقية

القاهرة - خضعت مصر، الثلاثاء، للمرة الرابعة لآلية الاستعراض الدوري الشامل خلال الدورة الثامنة والأربعين بمجلس حقوق الإنسان العالمي التابع للأمم المتحدة، بمشاركة وفد رأسه وزير الخارجية بدر عبدالعاطي، ما يشير إلى أهمية النقاش حول الملف الحقوقي هذه المرة بعد أن واجهت القاهرة انتقادات بسبب ملفات تتعلق بالحقوق السياسية والمدنية، وهو ما دفعها لحمل ملف اللاجئين وتعظيم أهميته.
التقى بدر عبدالعاطي مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب في جنيف، الاثنين، قبل بدء استعراض الموقف المصري رسميا، مؤكدا أن الأوضاع السياسية والإنسانية المُتردية تركت أثرها على تنامي موجات النزوح وزيادة تدفقات المهاجرين إلى بلاده. وأكدت الحكومة المصرية في تقرير أرسلته للمراجعة الدورية في أكتوبر الماضي، التزامها بضمان حقوق اللاجئين والمهاجرين في عدم الإعادة القسرية، ومكافحة جميع أشكال التمييز ضدهم، وحصولهم على الخدمات التعليمية والصحية وإعداد قانون اللجوء لتنظيم شؤونهم.
وجاءت الخطوة بعد أن تقدمت منظمتا، منصة الهجرة وحقوق الإنسان ومنصة اللاجئين في مصر بتقرير مشترك للاستعراض الدوري الشامل تحدثت فيه عن تحديات يواجهها اللاجئون والمهاجرون بمصر، والتركيز على القضايا الحقوقية المتعلقة باللجوء والرعاية الصحية والتعليم والحماية القانونية.
وقال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن الوفد المصري حمل ملفه الحقوقي خلال الأربع سنوات الماضية، وتفاعل مع الهيئات الحقوقية قبل العرض الرسمي لإبراز نقاط القوة والضعف دون أن يؤثر ذلك على مجمل ما تم التطرق إليه، وهو نوع من التسويق للجهود التي بذلت في أحد الملفات التي تحظى باهتمام دولي فاعل.
وأضاف نصري في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تركز على الإيجابيات بكافة الوسائل المتاحة من خلال الإعلام المحلي والدولي، وتتجنب الحديث عن الملفات الشائكة إلا في أضيق الحدود، وذلك أثناء الحوارات الرسمية التي تتم عند العرض الدوري الشامل، وهناك قناعة بأن ملف اللاجئين بما فيه من تعقيدات حقوقية وسياسية وأمنية حضر في خضم جهود الاستجابة لتوصيات مجلس حقوق الإنسان، لأن هؤلاء يمكنهم أن يتحولوا إلى مهاجرين غير شرعيين في وقت تسعى الدول الغربية لمكافحة ذلك.
وأشار إلى أن مصر تتعامل مع قضية اللاجئين من منظور أمني، فوجود أعداد هائلة يجعلها أمام إمكانية تحول عدد منهم لقنابل موقوتة أو عناصر متطرفة تجيد ارتكاب عمليات إرهابية، ما يصب في صالح إيجاد دوافع تجعلها تتخذ إجراءات تتناسب مع الوضع داخلها على مستويات أمنية وسياسية واجتماعية، وترفض فكرة حقوق الإنسان المطلقة، لأن ترحيلهم له تأثيرات سلبية على الدول التي تدافع عن الحريات العامة.
وتستضيف مصر نحو تسعة ملايين من اللاجئين بشكل طوعي، ما جعلها بحاجة لدعم كبير، وهو من الأسباب التي دفعت وزير الخارجية للحديث عن تكلفة استضافتهم وهي ليست مادية، وتطال مستويات عديدة، خاصة أن الحكومة المصرية تواجه حالة من السخط الداخلي جراء استقبال هذه الأعداد التي تسببت في زيادة أسعار السكن وساهمت في ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومزاحمة المواطنين عليها.
ووفق تقديرات رسمية تتحمل الحكومة المصرية نحو 10 مليارات دولار سنوياً، جراء تكلفة استيعاب نحو تسعة ملايين وافد على أراضيها، وحصلت القاهرة على مدار الأعوام الماضية على عدة منح وتمويلات لدعم ملف اللاجئين، بينها شريحة من الاتحاد الأوروبي مطلع يناير بقيمة مليار يورو ضمن حزمة حجمها 7.4 مليار يورو.
وقال وزير الخارجية المصري في لقاء تلفزيوني جرى بثه عشية المراجعة الدورية إن معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة سيبدأ تشغيله قريبا حينما تستكمل الاستعدادات من الجانب الفلسطيني بوجود مراقبين أوروبيين، ما يشي أن هذه الجهود تتعامل معها القاهرة باعتبارها تمثل ضغطا اقتصاديا وإنسانيا إضافيا عليها.
وأكد على استعداد بلاده للمراجعة الدورية لحقوق الإنسان في جنيف، وأنها تخوض هذه المراجعة بكل ثقة، ومعها إسهامات كبيرة في ملف حقوق الإنسان، مشددا على أنه لا ينبغي التركيز على جانب وإهمال جوانب أخرى في مسألة حقوق الإنسان.
وخلال المراجعة الأخيرة التي جرت في عام 2019، أصدر المجلس العالمي لحقوق الإنسان 372 توصية لمصر قُبلت منها تنفيذ 270 توصية، أبرزها تقصير فترات الحبس الاحتياطي، والتحقيق في البلاغات عن التعذيب والاختفاء القسري، ورفضت 15 توصية، في مقدمتها وقف تطبيق عقوبة الإعدام، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، والانضمام للاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري.
وفي الوقت الذي تقول فيه الحكومة المصرية إنها التزمت بـ99 في المئة من التوصيات المرفوعة إليها، تستمر منظمات حقوقية دولية في انتقاد أوضاع حقوق الإنسان، وتسلط الضوء على مشكلات الحبس الاحتياطي وأوضاع السجون والحريات العامة، واعتادت القاهرة على ذلك مع وجود قناعة بأن هذه النوعية من التقارير يتم توظيفها سياسيا، لكن تبقى المخاوف بشأن تسخيرها للضغط على مصر خارجيا.
وذكر أيمن نصري في حديثه لـ”العرب” أن المراجعة الدورية تشهد تركيزا على مدى التزام مصر بالتوصيات الصادرة إليها على مدار السنوات الماضية، وأن جزءا كبيرا من التوصيات السابقة قد تتكرر هذه المرة، وسيتم الإعلان عنها يوم الجمعة المقبل. وتركز هذه التوصيات على الحقوق السياسية، والمشاركة في القرار السياسي، والحفاظ على الحقوق المدنية وحرية الرأي والتعبير وأوضاع السجون والإفراج عن المحبوسين، بينما تلقى مصر إشادة في ملف الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وأوضح نصري أن الدولة المصرية لديها ملف جيد بشأن إجراءات تحسين السجون، وهو أحد التوصيات التي قبلتها بشكل جزئي، ما يعني أنها وافقت على عملية التطوير، لكن وفقا لآليات تنفيذية تحددها في التوقيت المناسب لها. وسلطت الضوء على إطلاق سراح الآلاف من المحبوسين وفقا لآلية العفو الرئاسي، وغيرها من القرارات القضائية والإجرائية الصادرة في هذا الملف، وتعديل قانون الحبس الاحتياطي، وكان ضمن المطالب الصادرة عن آلية المراجعة الدورية السابقة.