مصر تضاعف تنفيذ المشاريع لتعزيز تواجدها في أفريقيا

ضاعفت القاهرة تنفيذ المشاريع في أفريقيا لتعزيز تواجدها الاقتصادي بهدف تنمية أرباحها وشراكاتها واقتناص الفرص في القارة التي تثير شهية الاستثمار خصوصا في مجالات الربط الكهربائي وبناء السدود مع اقتراب تفعيل منطقة التبادل التجاري الحر.
القاهرة - تسعى مصر جاهدة إلى تعزيز تواجدها في أفريقيا، من خلال تنفيذ مشروعات ضخمة في دول القارة، حيث تقتنص فرص استثمار بهدف ترسيخ مكانة استثمارية مهمة تضمن لها تنمية الشراكة الاقتصادية وتعزيز الأرباح.
وأشاد المحللون بالتوجه المصري، عبر امتداد الاستثمارات في كامل أفريقيا، حيث اعتبروا أن ذلك يحافظ على الأمن القومي للبلاد ومصالحها الاقتصادية، وتوقعوا تواجدا أكبر لمصر وبمعدلات سريعة داخل القارة خلال السنوات القليلة القادمة.
وتنفذ مصر حاليا مشروعات ضخمة في أفريقيا للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين الجانبين، في مقدمتها سد ومحطة “جوليوس نيريري” الكهرومائية في تنزانيا.
ويحظى هذا المشروع، الذي تفقده قبل أيام وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري عاصم الجزار، باهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيا، وتنفذه شركتان مصريتان بتكلفة 2.9 مليار دولار.
ويهدف هذا المشروع للسيطرة على فيضان نهر روفيجي من خلال إنشاء سد على النهر بسعة تخزينية تقدر نحو 34 مليار متر مكعب، ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 2115 ميغاوات، وستكون الأكبر في تنزانيا.
وفي غانا، وقعت شركة مصر للطيران وحكومة غانا في أواخر أكتوبر الماضي على مذكرة تفاهم لتأسيس شركة طيران وطنية غانية باستثمار مصري غاني مشترك.
وفي السودان، بدأت الحكومة المصرية بالفعل تشغيل خط الربط الكهربائي مع الخرطوم، لإمدادها بـ70 ميغاوات، على أن تزداد مستقبلا إلى 300 ميغاوات، كما يوجد بالفعل ربط كهربائي بين مصر وليبيا.
كما وقعت مصر أخيرا على وثيقة للتعاون المشترك مع السودان في مجال الربط السككي، والذي سيمتد في مرحلته الأولى من مدينة أسوان المصرية حتى جنوب وادي حلفا السودانية.
وتدرس مصر، تنفيذ طريق بري يربطها بتشاد مرورا بالسودان، ليكون بوابة للتجارة بين الدول الثلاث ودول غرب أفريقيا، إلى جانب تنفيذ طريق القاهرة – السودان – كيب تاون، الذي يمر بتسع دول أفريقية.
وفي هذا الصدد، نسبت شينخوا لمختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية قوله “إن مصر تعزز وجودها في الساحة الأفريقية من خلال تنفيذ مثل هذه المشروعات”.
وأضاف غباشي، أن “مصر كانت قد أهملت هذا الأمر على مدار عقود، شهدت تنافس الكثير من القوى الإقليمية والدولية داخل السوق الأفريقية مثل تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، ووسط كل هذا كان لابد على مصر أن تعود للساحة الأفريقية”.
وتابع أنه “دون شك، إقامة هذه المشروعات تعكس التوجه القوي لدي مصر لزيادة التواجد داخل القارة، لأن الساحة الأفريقية بها ميزة وهي أنها ساحة خصبة تستقطب الكثير من الاستثمارات، خصوصا في الاقتصاد والبنية التحتية، إلى جانب أن أفريقيا كتلة تسويقية لمصر على المستوى الدولي والإقليمي”.
وأردف أن “التوجه المصري لزيادة التواجد في أفريقيا توجه محمود وجيد جدا، واتصور وجودا أكبر لمصر داخل القارة خلال السنوات القليلة المقبلة.. ومصر تحتاج إلى ضخ استثمارات وتوجيه رأس مال الاقتصاد المصري والشركات للعمل داخل أفريقيا خاصّة وأن الدول الأفريقية ترحب بهذا”.
وأوضح أن “زيادة التواجد المصري في أفريقيا يحافظ على الأمن القومي المصري”، مشيرا إلى أن “مصر تضررت من غيابها عن أفريقيا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك”.
وشاطره الرأي الخبير في الشأن الأفريقي الدكتور هاني رسلان بقوله إن “هذا المشروعات تأتى في إطار عودة التوجه العام لمصر نحو أفريقيا”.
وأوضح رسلان، وهو مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن “مصر قررت منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم تنشيط دورها في أفريقيا، باعتبارها دولة رائدة في القارة الأفريقية ولها دور تاريخي مشهود في العمل الجماعي الأفريقي”.
وأضاف أن “ما يتم الآن من مشروعات هو استكمال للمسيرة المصرية في أفريقيا، التي توقفت لبعض الوقت خلال فترة النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي وحتى 2014”.
وتابع أن “مصر تسير حاليا في عدة خطوط متوازية، أولا: دعم علاقاتها الثنائية مع معظم الدول الأفريقية، ومشروعاتها في تنزانيا وغانا والكونغو وليبيا والسودان يأتي في هذا الإطار، ثانيا: مصر تنشط بشكل كبير ومؤثر في العمل الجماعي الأفريقي سواء في إطار الاتحاد الأفريقي الذي كانت تترأسه في الدورة السابقة أو في مجلس السلم والأمن الأفريقي”.
وزاد “كما أنها استضافت الكثير من الفعاليات وساهمت بكثير من الجهد خاصة في المجال الاقتصادي لتحقيق التكامل الاقتصادي الأفريقي.. فضلا عن أنها تنشط أيضا في دعم قوات حفظ السلام في أفريقيا”.
2.9
مليار دولار كلفة سد ومحطة "جوليوس نيريري" الكهرومائية اللذين تنفذهما مصر في تنزانيا
وتابع أنه “بالتأكيد، هذه المشروعات تعكس مدى اهتمام وزيادة توجه مصر للتواجد بشكل كبير في أفريقيا خلال السنوات المقبلة”.
واستطرد أنه “بالمعدل الذي نشهده، اتوقع تواجدا مصريا بشكل أكبر في أفريقيا، وواضح أن هذا التواجد يزداد بمعدلات سريعة وبمشروعات ضخمة”.
وقال إن “مصر دولة أفريقية كبيرة ومهمة، ولها مصالح في القارة، لأنها جزء من أفريقيا وحوض النيل، ومن المهم زيادة التواجد المصري فيها، كما أن هناك فوائد اقتصادية لمصر جراء هذه المشروعات”.
ولفت إلى أن “مصر تضررت من غيابها عن أفريقيا في عهد مبارك، لأن ذلك شكّل فرصة لبعض الدول أن تظهر وتلعب دورا إقليميا في القارة، لكن الآن هناك حضور مصري بشكل قوي في أفريقيا”.
لكن الخبير الاقتصادي وليد جاب الله كان له رأي مخالف، مشيرا إلى أن “مصر لم تغب عن أفريقيا في أي وقت، لكن الطموحات الاقتصادية لمصر في عهد مبارك كانت أقل مما هي عليها الآن”.
وقال جاب الله، وهو عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إن “هناك الكثير من الإجراءات التي تقوم بها مصر للتقارب مع الدول الأفريقية، وتحاول تعزيز التعاون من خلال الكثير من المشروعات، مثل مشروعات الربط الكهربائي والسكك الحديدية، كما لديها خطة لنشر المناطق اللوجستية في أفريقيا لتسهيل عملية التبادل التجاري”.
وأكد أن “زيادة التعاون مع الدول الأفريقية خيار استراتيجي لمصر، التي تسير بخطوات ومشروعات محددة في هذا الإطار، بعضها تم تنفيذه والبعض الآخر ننتظر تنفيذه”.
وتتطلع مصر من توجيه أنظارها نحو السوق الأفريقية، لاقتناص الفرص الاستثمارية باعتبار القارة من أكثر النقاط الاستثمارية نموا في العالم، لتسير بذلك على نهج المغرب الذي وسّع من نفوذه الاقتصادي في القارة بشكل لافت. وتحاول تعزيز تنافسية صادراتها إلى دول العالم والمناطق المشتركة معها في اتفاقيات تجارة حرة.