مصر تصحح مسار منظومتها التعليمية بعد ممانعة شعبية

محاولة لاستيعاب غضب المصريين بعد إخفاقات متتالية.
السبت 2023/08/26
انفتاح حكومي على إصلاح منظومة تعليمية متهمة بالفشل

تسعى الحكومة المصرية إلى الانفتاح على مختلف الفاعلين في المنظومة التربوية لاسيما أولياء الطلبة قصد تصويبها بعد أن لاقت المنظومة الحالية سيلا من الانتقادات بسبب فشلها.

القاهرة - عكس إطلاق الحكومة المصرية إستراتيجية محدّثة لتطوير المنظومة التعليمية إلى أيّ درجة أصبحت عاجزة عن إقناع الشارع بخطة إصلاحها السابقة عقب ارتفاع وتيرة الممانعة الشعبية بسبب التخبط في تنفيذ خطتها التي تم إطلاقها منذ ست سنوات، لكنها قادت إلى تكرار الصدام مع الأهالي والمعلمين والطلاب.

وأطلقت الحكومة المصرية قبل أيام حوارا مجتمعيا واسعا حول الإستراتيجية الجديدة لتطوير التعليم، بمشاركة فئات مختلفة لتضمن الحكومة أنها لن تتعرض لانتقادات أو تدخل في صدام مع مواطنين، واستعانت بنواب برلمان ومتخصصين وممثلين عن المعلمين والطلاب وأولياء الأمور والإعلام.

وراهنت الحكومة المصرية على إستراتيجية تطوير التعليم التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي لتثبت أنها تسير في الطريق الصحيح، غير أن الخطوات التي اتخذت لم تقنع قطاعا كبيرا من المتفاعلين بشكل مباشر مع العملية التعليمية بما وضع الحكومة أمام رفض شعبي للكثير من توجهاتها في هذا المجال.

وظلت أزمة الحكومة مع ملف التعليم في أن الدعم الذي قدمته لأكبر الوزارات الخدمية ذات الارتباط المباشر بالمواطنين لا يحظى برضاء شعبي كاف، في حين أنها كانت تنتظر أن يلقى قبولا بعد أن تعددت المطالبات بهدم المنظومة القديمة، حيث يربط الرأي العام خطوات الحكومة بشأن إصلاح التعليم بمجالات أخرى مهمة.

كمال مغيث: ملف التعليم قاد إلى حالة غضب نتيجة غياب الثقة
كمال مغيث: ملف التعليم قاد إلى حالة غضب نتيجة غياب الثقة

وأقرت وزارة التعليم بأن “مقاومة الأهالي لتطوير التعليم أكبر تحد يواجه الحكومة، لذلك تم إدخالهم طرفا أصيلا في الخطة المحدّثة، فلم يعد هناك مجال لاستبعاد وجهات نظرهم ومطالبهم، لأن استمرار المقاومة يعطل التطوير".

وترتبط ممانعة الشارع لخطة تطوير التعليم بأن الحكومة تعاملت مع التحديث بطريقة إدارة مشروع تريد إنجازه سريعا ليضاف إلى قائمتها دون اكتراث بأن إعادة بناء منظومة تعليمية جديدة يحتاج أولا إلى إرادة وقناعة مجتمعية أكثر منها سياسية.

وأمام عدم قدرة الحكومة على تذليل مخاوف الناس من الإخفاق والتحرك بعشوائية وجد البعض من أولياء الأمور أطفالهم في حقل تجارب لأفكار الوزراء، وهو ما التقطته دوائر معارضة واستثمرت الفجوة الواسعة بين سياسات التطوير والتطبيق لتوحي بأن المشروعات التنموية والإنشائية تعاني من الهوة ذاتها.

وهذه المرة الأولى التي لجأت فيها الحكومة إلى تعديل خطة تطوير التعليم قدمتها للرأي العام على أنها “إستراتيجية وزارة التربية والتعليم”، في محاولة لإيهام الناس أنها لم تتراجع أو تخفق في إقناعهم، لكن يبدو أن دوائر صناعة القرار السياسي كانت أكثر عقلانية وأدركت خطورة استمرار الصراع مع الناس.

وتعتقد دوائر سياسية أن التعديل محاولة أخيرة من الحكومة لتحجيم الغضب منها في ملف حساس بعدما أوجد الارتباك في التطبيق معارضة غير سياسية، تتعلق بأسر مدفوعة بخوفها على أهم استثمار لديها، وهم الأبناء الذين يمثلون خطا أحمر لها.

ويتصدر التعليم قائمة أولويات الأسرة المصرية، ولا يقل أهمية عن رغيف الخبز، في حين يصل عجز المعلمين إلى 400 ألف معلم في كل المراحل التعليمية، وهو رقم ضخم إذا قورن بالطلاب الذين يصل عددهم إلى 26 مليونا، أي حوالي 25 في المئة من تعداد السكان، ما يعني أن التقصير في خدمتهم له انعكاسات مجتمعية خطيرة.

ويوحي التراجع غير المباشر بأن الحكومة ليست لديها رفاهية الدخول في تحد مع الرأي العام، والأسهل أن تعترف بأنها لم تستطع بناء منظومة تعليمية تلقى قبولا عند الشارع، وتعاملت بقلة حنكة جلبت لها منغصات عديدة، بينما الظرف الراهن لا يسمح بذلك.

وقال الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية (حكومي) كمال مغيث إن ملف التعليم قاد إلى حالة غضب نتيجة غياب الثقة، فالناس لا تشعر بتغيير ملموس، ويوجد إصرار على المضيّ في مشروع يحظى بتحفظ واسع، وكان طبيعيا تصويب المسار، لأن الأوضاع الحالية تحتاج إلى المزيد من العقلانية السياسية في التعامل مع المواطنين.

وأضاف لـ”العرب” أن إدخال الأهالي طرفا في الحوار حول الإستراتيجية التعليمية قد يضمن عدم وجود مقاومة لن تستطيع الحكومة الوقوف في وجهها، والمهم أن يتم التطوير بحكمة، مع مخاطبة الشارع بواقعية وليس بخطط خيالية كي لا تظل الحكومة متهمة بالتقصير في إصلاح قطاع حيوي أو تتحداهم بإقرار وجهة نظرها فقط.

وأثبت الإخفاق في تطوير المنظومة التعليمية أن عدم الاستماع لوجهات نظر المواطن العادي في بعض المشروعات والقرارات المصيرية التي تلامس صميم حياته ومستقبله لا يقود إلى مكاسب، وقد يجلب خسائر سياسية وشعبية للحكومة.

◙ التراجع عن تطبيق منظومة ثبت عدم جدواها يصعب فصله عن وجود تدخل رئاسي أجبر الحكومة على التصويب

واعترف وزير التعليم رضا حجازي وقت الإعلان عن الإستراتيجية الجديدة أن المدارس تعاني من كثافات مرتفعة في الفصول، وهناك حاجة ملحة إلى بناء فصول جديدة، إضافة إلى وجود عجز كبير في أعداد المعلمين والمعلمات وغياب دور المدرسة مقابل هيمنة الدروس الخصوصية على عقول الأهالي والطلاب.

وما يلفت الانتباه أن تبريرات وزير التعليم تتناقض مع بعض تصرفاته، فهو من حاول قبل شهور إقناع الناس بمزايا تقنين مراكز الدروس الخصوصية ومنحها مشروعية قانونية لمجرد جلب عوائد ضريبية من وراء ذلك، ثم اضطر لتغيير رأيه وباتت المراكز الخصوصية بالنسبة إليه من مسببات ضعف المنظومة التعليمية وتحتاج إلى إرادة قوية للقضاء عليها والتخلص من أمراضها المجتمعية.

ويصعب فصل التراجع عن تطبيق منظومة ثبت عدم جدواها عن وجود تدخل رئاسي أجبر الحكومة على تصويب مسار المشروع القومي لتطوير التعلم، لأن الرئيس السيسي لا يرغب أن تستمر نغمة المقارنة بين الرعونة في ملف التعليم مقابل الاهتمام بالمشاريع العمرانية، ونالت الحكومة قدرا من اللوم والغضب بسبب هذه المقارنات.

وكشف هذا الاتجاه إدراك النظام المصري بأنه مهما كانت هناك إنجازات تنموية لن تجد صدى إيجابيا عند شريحة كبيرة من المواطنين إذا تجاهلت الحكومة أولوية التعليم والإصرار على تطبيق منهج مشكوك في جدواه، لأنها لن تحظى بقبول مجتمعي.

2