مصر تسير على حبل مشدود لإدارة علاقتها بروسيا والولايات المتحدة

تسعى مصر إلى الحفاظ على علاقات قوية مع الإدارة الأميركية، إلا أنها لا تريد في نفس الوقت أن تتدهور علاقتها مع روسيا، وهو ما يجعلها تسير على حبل مشدود في تأمين خارطة تحالفاتها الدولية. ورغم العلاقات المتميزة مع موسكو فإن القاهرة اختارت الاصطفاف خلف واشنطن في الأزمة الأوكرانية، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية، وفق مراقبين، على العلاقات مع موسكو بعد انتهاء الحرب.
القاهرة - التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري الأربعاء في واشنطن مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، وأجريا محادثات تطرقت إلى أوجه العلاقات الثنائية والاستراتيجية بين البلدين، وتناولا القضايا الإقليمية والدولية، والتأكيد على أهمية استمرار التشاور السياسي والتنسيق إزاء القضايا محل الاهتمام المشترك.
وتشير الأجواء الإقليمية والدولية التي تحيط بزيارة شكري إلى أن القاهرة عازمة على التمسك بمعادلة تضمن لها الحفاظ على علاقات قوية مع الإدارة الأميركية.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن زيارة شكري في هذا التوقيت تحمل أهمية كبيرة، حيث تأتي في خضم تحركات أميركية لتشديد الخناق على روسيا، ومحاولة جذب الدول التي تقف على الحياد إليها، في مقدمتها مصر التي تواجه مشاكل اقتصادية زادت مع التحديات التي تواجه تعثر الحصول على القمح من روسيا وأوكرانيا.
وأوضحت المصادر ذاتها أن الطعم السياسي لزيارة شكري مختلف هذه المرة عن زياراته السابقة، وقد تكون هناك فرصة لتسوية الكثير من الملفات الخلافية الحادة بشأن قضايا حقوق الإنسان وصفقات أسلحة تحولت إلى ورقة للمساومات.
وذكر بيان للخارجية المصرية صدر مع توجه شكري إلى واشنطن أن الزيارة تأتي في إطار تكثيف التواصل والتشاور مع الإدارة الأميركية، وتعزيز العلاقات الاستراتيجية وتبادل الرؤى إزاء أبرز القضايا محل الاهتمام المشترك.
ولفت إلى أن شكري سيلتقي عددا من مسؤولي الإدارة الأميركية، ويعقد لقاءات مع أعضاء في غرفة التجارة الأميركية ومراكز البحث والفكر بالولايات المتحدة، في إشارة توحي بمتانة العلاقات، وأن كل بلد حريص على عدم التفريط في الآخر ولن يسمح بأن يؤدي التباين النسبي على وقع الأزمة الأوكرانية إلى فجوة بينهما.
وارتاح مسؤولون في مصر بشأن التعامل مع تداعيات التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وما تلاه من استقطاب بين معسكري واشنطن وموسكو، إلى صيغة وضع قدم هنا والأخرى هناك، وهو ما عكسته زيارة شكري لواشنطن بعد زيارته موسكو في الرابع من أبريل الجاري.
وتعتقد القاهرة أن هذه الطريقة يمكن أن تقلل من الخسائر التي قد يحدثها الانحياز الصريح لأي من الفريقين المتصارعين، وهي أداة تستخدم لتخفيف الضغوط الواقعة عليها، فكلما اتخذت خطوة تجاه الأولى أعقبتها بأخرى نحو الثانية، والعكس صحيح.
وتحوّل الإفراط في التوازن بين المواقف المتصادمة إلى خيط دقيق يعبّر عن مأزق تتشارك فيه دول عربية عديدة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وجنبتها قليلا هذه السياسة أن تُحسب على أحد المعسكرين.
وفي الوقت الذي كشفت فيه بعض التعليقات والتحركات أن مصر أكثر قربا من روسيا، يعقبها تعليق أو تحرك يؤكد عدم قدرتها على تخفيض مستوى علاقتها مع واشنطن.
وقال وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي لـ”العرب” إن الزيارة تتم في ظروف دولية مضطربة مع تصاعد الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، وحضور شكري ضمن وفد مجموعة الاتصال العربية الذي زار موسكو ووارسو قبل أيام، يشي بأنه يريد استكشاف الموقف الأميركي من تطورات الأزمة الراهنة.
واستبعد متابعون أن تكون الزيارة لها علاقة من أي نوع بما أعلن من وساطة عربية في الأزمة الأوكرانية، وأنها تنصب على المصالح بين واشنطن والقاهرة حاليا.
وأضاف العرابي أن القاهرة لديها رؤية مستقلة في مثل هذه الأحداث تتبادلها مع الأصدقاء الإقليميين والدوليين، من بينهم الولايات المتحدة، وثمة قناعة بأن صوت الحكمة لابد أن يسود في تلك اللحظة الفارقة بدلا من انفراط عقد الصراع.
وشدد على أن مصر في مثل هذه المواقف “لا تبحث عن إحداث توازن بين موسكو وواشنطن، ولديها مبادئ واضحة أعلنتها من الأزمة منذ بدايتها، وتتمسك بأسس دبلوماسيتها الراسخة وتحافظ على مصالحها مع كافة الأطراف”.
الأجواء الإقليمية والدولية التي تحيط بزيارة شكري تشير إلى أن القاهرة عازمة على التمسك بمعادلة تضمن لها الحفاظ على علاقات قوية مع الإدارة الأميركية
وجاء لقاء شكري مع بلينكن بعد نحو أسبوعين على لقائهما في قمة النقب بإسرائيل في الثامن والعشرين من مارس الماضي، ووقتها أعلن عن مشاركة وزير خارجية مصر فيها متأخرا، وحضرها أيضا وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، وتباحثوا جميعا حول بعض القضايا الإقليمية.
ويبدو أن النظام المصري لا يثق في الإدارة الأميركية بدرجة كافية، حيث تتعامل معه بريبة عندما تلجأ إلى بعض الأدوات للضغط عليه، فتارة تشهر ملف حقوق الإنسان وتنتقد هامش الحريات، وأخرى تلوح بتخفيض دفعات من المساعدات العسكرية.
ولم يحقق الضغط نتائج ملموسة مع القاهرة، وربما دفعها أحيانا إلى الميل نحو خصوم واشنطن، وهو ما بدأت تلتفت إليه إدارة الرئيس جو بايدن التي تعتقد أن مصر تمثل أهمية حيوية لها في المحكات الإقليمية المصيرية، وهو ما ظهر جليا في التعويل عليها في مهمة وقف إطلاق النار في حرب إسرائيل على قطاع غزة في مايو الماضي.
وتوقّع مراقبون أن تزداد العلاقات عمقا بين واشنطن والقاهرة بعد ذلك، غير أنها عادت إلى تذبذبها، ما ضاعف من هواجس القاهرة التي تدرك أن حاجة الولايات المتحدة هي التي تحدد مستوى الروابط معها أو الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها، الأمر الذي جعلها تتعامل بحذر مع الأزمة الأوكرانية وتوازن بين مصالحها مع أطرافها.
ووافقت الإدارة الأميركية في يناير الماضي على صفقتي معدات عسكرية بقيمة 2.56 مليار دولار، تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار، عبّرت عن تحسن ظاهر في العلاقات، وتعد خطوة مهمة لمساعدة مصر على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية، من خلال توفير دعم جوي لقواتها عبر نقل الإمدادات والمعدات والأفراد.
وحدثت الخطوة بعد أن علّقت الخارجية الأميركية في سبتمبر الماضي مساعدات عسكرية لمصر بقيمة 130 مليون دولار، بذريعة عدم التحسن في حقوق الإنسان.
وبات التمسك بالوقوف في منتصف الطريق من خلال وضع قدم في واشنطن والثانية في موسكو، ضمانة قوية لتجنب الخسائر عندما تنطفئ نيران الأزمة الأوكرانية، ووسيلة للحصول على مكاسب جديدة من الطرفين.