مصر تسرع الخطى لتطوير قطاع الصناعة

تكثف مصر تحركاتها نحو تسريع خططها المتعلقة بالنهوض بقطاع الصناعة، الذي تضرر بسبب البيروقراطية العتيدة في معظم الدوائر الحكومية، ونقص مستلزمات الإنتاج بسبب اعتماده على الاستيراد والتجميع، وعدم وفرة الأراضي الصناعية بأسعار مناسبة للكثير من المستثمرين.
القاهرة – تعكف القاهرة على القيام بأكبر عملية في الوقت الراهن لإعادة تأهيل قطاع الصناعة بعد دمج وزارة الصناعة مع وزارة النقل في حقيبة واحدة وإسنادها إلى وزير جديد له خلفية عسكرية وهو الفريق كامل الوزير.
وترى القيادة السياسية أن الوزير أحدث طفرة في مشاريع الهيئة الهندسية التابعة للجيش، وحفر قناة السويس الجديدة، ثم قطاع النقل، وتسعى إلى تكرار التجربة ذاتها في الصناعة.
ويختلف المجال الصناعي عن قطاع النقل، حيث يتطلب تسهيلات، وسعيا لجذب الأجانب، ولن يتحقق ذلك برسوم مرتفعة مثلا لتحسين الخدمات المقدمة من هيئة التنمية الصناعية، أو تسريع الحصول على التراخيص، حيث تترسخ البيروقراطية العتيدة والتعامل بالمستندات.
وقال الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية إن “هناك خطة شاملة سيتم تنفيذها للنهوض بالصناعة تعتمد على عدد من المحاور”.
وتتضمن المحاور، وفق الوزير، ترشيد الواردات والتركيز على التصنيع المحلي بجودة عالية وتشجيع الصادرات والاستفادة بما تتمتع به مصر من مواد وخامات أولية، ما يسهم في زيادة العملة الصعبة ودعم الاقتصاد المصري.
وتتركز الخطة على إعادة التشغيل الفوري للكثير من المصانع المتعثرة كي يمتد نشاطها، وزيادة مدة العمل بالهيئة العامة للتنمية الصناعية لنحو ستة أيام مع تسخير تطوير البنية التحتية في البلاد وتدشين الطرق والجسور لخدمة الصناعة.
ومع محدودية الخامات، واعتماد الصناعة على 70 في المئة من مستلزمات الإنتاج المستوردة، فإن الحديث عن توطين الصناعة أو تقليل الاستيراد من الملفات التي قد يصعب تحقيقها حاليا.
وتحوي مصر معظم الخامات في صناعات مثل البتروكيماويات والفوسفات والحديد والخردة من النحاس، لكن معظم الصناعات في مجالات أخرى مثل الأدوية والأجهزة الكهربائية والسيارات والتغليف والبلاستيك وغيرها تعتمد على الاستيراد.
وتفتقد البلاد لصناعات ثقيلة أو تكنولوجية، وإن وجدت فهي محطة للتجميع، وغالبية المصانع تعمل في مجالات المواد الغذائية، والأدوية، والمنسوجات والملابس الجاهزة، والزيوت، والسكر، والإسمنت، والسيراميك، والأسمدة والبتروكيماويات.
ويصعب الحد من الاستيراد حاليا، خاصة أن أولويات تدبير العملة ستكون للسلع الإستراتيجية ومستلزمات الإنتاج، لأن ترشيد الاستيراد يعني تقليل التصدير بالتبعية، ولا توجد سلعة مصدرة محلية الصنع تماما.
ويمكن وصف تصريحات وزير الصناعة والنقل بالمبشرة، لكن تستوجب رقابة صارمة للأداء الوظيفي والتصدي لبيروقراطية ترسخت في تعاملات العاملين بدوائر حكومية عدة.
ويترقب المستثمرون الوسيلة التي سيعلن عنها كامل الوزير وبها تُحل أزمة المصانع المتعطلة عن العمل، ولم ينجح فيها أسلافه ممن تربوا ونشأوا في القطاع على خروجها من عثرتها.
وحسب الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، ويضم في عضويته 45 جمعية للمستثمرين بالمناطق الصناعية في البلاد، يوجد في مصر نحو 10 آلاف مصنع متعثر منذ عام 2011، ولم يتم حلها حتى الآن.
ويرى خبراء أن الخطاب الواعد الذي يتبناه الوزير الذي يمكن وصفه بـ”الجوكر”، ربما يؤسس لعهد جديد لقطاع الصناعة، إذ يؤكد اهتمام البلاد بهذا المجال الذي يعد الأهم للنهوض بالاقتصاد وتوفير العملات الأجنبية.
وإذا نجحت الحكومة في تشغيل المصانع تكون قطعت شوطا كبيرا في النهوض بالقطاع، مما يعني تعزيز الإنتاج المحلي وتوفير فرص عمل جديدة.
وأكد هشام كمال رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع الجديدة أن الحديث عن القطاع من الناحية النظرية هو من الأمور اليسيرة، لكن النهوض به في الواقع العملي يعد من الأمور الصعبة مع ظهور بعض العراقيل.
وقال في تصريحات لـ”العرب”، “وبذلك فوزير الصناعة الجديد كان ينبغي أن يكون حذرا في تصريحاته المتفائلة”.
وتسعى السلطات إلى تبسيط الإجراءات المقدمة من هيئة التنمية الصناعية لتحسين بيئة العمل أمام المستثمرين، لكن من الضروري أن يتواكب مع ذلك التصدي للبيروقراطية التي تعوق تحقيق الأهداف المنشودة.
وأضاف كمال أن “العمل في هيئة التنمية الصناعية لا ينبغى أن يكون ستة أيام فقط، بل طوال أيام الأسبوع وعبر فترتين صباحية ومسائية، لأن بطء العمل فيها سبب رئيس في تعطل غالبية الاستثمار الصناعي”.
وطالب السلطات بتدشين لجنة فض منازعات بهيئة التنمية الصناعية لحل أي مشكلة تواجه المستثمرين، وتكون متاحة للعمل في أي وقت خلال اليوم.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الصناعة تسهم بحوالي 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتأمل الحكومة في زيادة هذه النسبة لتبلغ 20 في المئة بحلول العام 2027.
ويراهن المصنعون خلال الفترة المقبلة مع تقلد الوزير منصب نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية على حل مشكلاتهم مع أجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية.
وتسببت أجهزة المدن في استنزاف أموالهم وتعطيل أعمالهم السنوات الماضية، نتيجة التشابك والتضارب في أعمال عديدة مع هيئة التنمية الصناعية، مثل تغيير نشاط المصنع أو المشاكل المرتبطة بالصرف الصناعي.
وأثنت داليا السواح عضو جمعية رجال الأعمال المصريين على مساعي الدولة للنهوض بالقطاع، لكنها طالبت بضرورة تطبيق نظام رقابة داخلي صارم لمتابعة أداء الموظفين بالدوائر المسؤولة عن الصناعة.
وأشارت إلى أهمية تفعيل نظام الشكاوى والتظلمات عبر إنشاء قنوات مباشرة للمستثمرين لتقديم شكاوى حول التعطيل أو التأخير في الإجراءات مع ضرورة أن تكون هذه القنوات شفافة وسريعة في التعامل مع الشكاوى.
20
في المئة نسبة مساهمة القطاع المستهدفة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027
وشددت السواح في حديثها لـ”العرب” على أن تكون البيروقراطية مسألة في طي النسيان وألا يضعها المستثمر في الحسبان، عبر التأهيل المستمر وتنظيم دورات تدريبية للموظفين لتعريفهم بأهمية تقليل البيروقراطية وتحسين كفاءة العمل.
ويمكن للسلطات أن تستعين في هذا الصدد بنماذج دولية ناجحة مثل سنغافورة التي استطاعت القضاء على البيروقراطية، وتعتمد حكومتها على استخدام الأنظمة الإلكترونية لتبسيط الإجراءات وتسهيل الحصول على الخدمات سريعا.
ولفتت السواح إلى أهيمة التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية الشاملة، وتوفير بيئة عمل ملائمة للمستثمرين للتمكن من المساهمة بفاعلية في نهضة الصناعة.
ويرى كثيرون أن على الحكومة وضع ترشيد الاستيراد نصب عينيها، بما لا يعرقل عمل المصانع، مع التركيز على المجالات المغذية للمصانع الكبيرة، وتكون للمجموعة الاقتصادية في الحكومة رؤية مشتركة للتعامل مع الملفات والتحديات التي تعرقل الصناعة والاستثمار.
ويقولون إن التعاون الدائم بين مجتمع الأعمال والحكومة يشكل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية في كافة المجالات، وتعزيز مكانة مصر محليا ودوليا.
وقد يواجه وزير النقل والصناعة الجديد تحديات كبيرة تعرقل النشاط الصناعي المرتبط بثبات التشريعات للقوانين الاقتصادية، مثل قوانين الضرائب وكل ما يتعلق بوزارة المالية التي يجب أن تستقر لمدة لا تقل عن 5 سنوات.
كما أن تعزيز الرؤية الشاملة أمام المستثمر حول استقرار الاقتصاد، أمر مهم لتجسيد الوزير إستراتيجية الحكومة، الأمر الذي يجعل من مناخ الأعمال أكثر جاذبية للاستثمار.