مصر تستقطب الدولار من بوابة الصكوك الإسلامية

تعكف مصر على زيادة استقطاب الدولار، من خلال العودة إلى سوق الصكوك السيادية العالمية، لتصبح نافذة جديدة لتدفق العملات الصعبة، باعتبارها أداة سهلة، ومنخفضة الكُلفة، مقارنة بسندات تقليدية ذات الفائدة المرتفعة والأكثر عرضة للتأثر بالتوترات العالمية.
القاهرة - تواصل السلطات المالية المصرية عملية تنشيط التدفقات الدولارية بكل السبل بهدف تكوين احتياطي أجنبي آمن من العملات، في ظل أزمات عالمية مستمرة.
وبعد تسلمها الشريحة المستحقة للمراجعة الرابعة من برنامج التمويل مع صندوق النقد الدولي بقيمة 1.2 مليار دولار في أبريل الماضي، تستعد لطرح صكوك خلال شهرين بنحو 1.5 مليار دولار من إجمالي برنامج قدره ملياري دولار العام الجاري.
وتؤكد الخطوة مساعي السلطات نحو تعزيز التنوع المالي والاقتصادي، وحسب مصادر تحدثت لـ”العرب”، فقد عينت نحو خمسة بنوك، من بينها ثلاثة خليجية، للقيام بدور الوسيط والمستشار الرئيسي في عملية إصدار الصكوك المرتقبة، لتسريع تغطيتها وتحقيق المستهدف.
والصكوك، هي أوراق مالية تُصدر وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وتمثل حصصًا في ملكية الأصول أو المشاريع التي يجني منها المستثمرون الأرباح.
وتختلف عن السندات التقليدية، في أنها لا تحقق فائدة ثابتة، بل تحقق عوائد استثمارية بناءً على الأداء الفعلي للأصول المرتبطة بالصكوك.
كما أنها أداة تمويل تُستخدم للحصول على تمويل دون مخالفة القيم الإسلامية التي تحظر (الفائدة) وتعد خيارًا جذابًا للمستثمرين الذين يفضلون الاستثمار المتوافق مع الشريعة.
وتعكس خطوة العودة إلى سوق الصكوك توجها مصريا لاستكشاف مصادر تمويل بديلة لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها.
وتعاني مصر من ضغوط شديدة على مستوى الديون الحكومية والعجز المالي، ويمثل إصدار الصكوك فرصة لجذب تمويلات خارجية تزيد من قدرة الحكومة على تدبير احتياجاتها المالية.
ويرتبط هذا التوجه بتقليص الاعتماد على السندات التقليدية التي قد تؤدي إلى زيادة الضغط على الموازنة العامة بسبب الفوائد المرتفعة التي تكون مستحقة عليها.
وتأتي الخطوة في وقت دقيق، حيث تشهد مصر استحقاقات مالية ضخمة، أبرزها سداد سندات مستحقة تبلغ قيمتها 750 مليون يورو في أبريل الماضي، بالإضافة إلى 1.5 مليار دولار في 11 يونيو المقبل.
وفي ضوء ذلك فإن العودة إلى سوق الصكوك ستسهم في تقليل الضغط على الاحتياطات الأجنبية وتقديم حلول غير تقليدية لإدارة الديون.
ويقول محللون إنه من أبرز الفوائد التي يمكن أن تحققها مصر من خلال إصدار الصكوك هي توفير مصادر تمويل متنوعة لا تعتمد على الأسواق التقليدية وبتنويع هذه المصادر، يمكن تخفيض عبء الديون الحالية بشكل أكثر مرونة.
كما أن الاعتماد على الصكوك يزيد من انفتاح البلد على الأسواق المالية العالمية، في منطقة الخليج التي تتمتع بتوافر رأس المال الإسلامي، ما يسهم في تدفق مزيد من الاستثمارات.
وتمثل الصكوك التي تطرح بالدولار أداة تمويل بالعملة الأجنبية، وتسهم في تخفيف الضغط على الجنيه، وتقلل من التأثيرات السلبية للعملة الأجنبية على قيمة العملة المحلية.
وبالحصول على تمويلات من خلال الصكوك، يمكن لمصر تقليل احتياجها للسحب من احتياطياتها النقدية أو اللجوء للقروض التقليدية التي عادة ما تأتي بفوائد مرتفعة.
وقال المحلل الاقتصادي نادي عزام إنه “بالعودة إلى سوق الصكوك، يمكن لمصر جذب استثمارات جديدة من دول الخليج وغيرها من الدول التي تفضل التعاملات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.”
وأوضح لـ”العرب” أن الصكوك تعتبر خيارًا جذابًا لعديد من المستثمرين في الخليج الذين يسعون إلى تنويع محفظاتهم الاستثمارية في أسواق جديدة، والخطوة تعزز الشراكات بين الطرفين، بما يعود بالنفع على الاقتصاد.
وتعد العودة إلى سوق الصكوك بمثابة دعم لتحسين صورة الاقتصاد المصري دوليًا، فقد ينظر إلى هذه الخطوة على أنها إشارة قوية على التزام مصر بتنويع خياراتها التمويلية وزيادة مشاركتها في السوق المالية العالمية.
ويمكن أن يساعد ذلك في تقوية علاقة مصر بمؤسسات تمويل عالمية وتعزيز الثقة في الاقتصاد.
ويفتح التعاون مع المؤسسات التي اختارتها مصر في هذا الطرح من الصكوك أبوابًا نحو مزيد من التمويلات والتعاون المشترك في مشاريع ضخمة داخل مصر، ما قد يؤدي إلى زيادة تدفق الاستثمارات الخليجية إلى مصر في المستقبل.
وأكد خبير الاستثمار إيهاب سعيد لـ”العرب” أن إصدار صكوك بدلاً من السندات يمكن من خلاله تقليل العبء المالي الناجم عن دفع الفوائد المرتفعة.
وفسر ذلك قائلا “يتم تمويل الصكوك بناءً على ربحية الأصول المتاحة، وليس الفائدة، ما يجعلها وسيلة تمويلية أكثر مرونة وأقل تكلفة على المدى الطويل.”
ويعاني الاقتصاد المصري من مستوى مرتفع من الدين العام، وقد تؤدي العودة إلى سوق الصكوك إلى تحسين هيكل الدين بتنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على السندات، وهذا يسهم في تقليل خطر تعرض الاقتصاد لمشاكل السيولة والضغوط المالية مستقبلا.
وحسب بيانات البنك المركزي، ارتفع الدين الخارجي للبلاد بنحو 2.3 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر، ليسجل 155.2 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام المالي الجاري، مقابل نحو 152.9 مليار دولار بنهاية العام المالي السابق.
وأوضح سعيد أن الصكوك الإسلامية تتيح إصدار أوراق مالية تستحق في فترات زمنية أطول مقارنة بالسندات، ما يعني أن مصر قد تتمكن من إطالة فترة سداد ديونها بما يعزز قدرتها على إدارة عبء الدين العام بشكل أفضل.
وأشار إلى أنه إذا تم إصدار الصكوك بالعملة المحلية أو عملات أجنبية من الأسواق التي تشهد استقرارًا نسبيًا مثل الخليج، يمكن لمصر الحد من مخاطر التقلبات الكبيرة في سعر صرف الجنيه، ما يقلل من المخاطر المرتبطة بسداد الديون الخارجية.
ورغم الفوائد المحتملة لهذه الخطوة، هناك بعض التحديات التي قد تواجه مصر في إصدار الصكوك، أبرزها التقلبات الاقتصادية العالمية.
ومع ما تتيحه من توفير بعض المزايا مقارنة بالسندات التقليدية، فإن الأوضاع الاقتصادية العالمية، مثل تقلبات أسعار النفط والتأثيرات السلبية للأزمات المالية الطارئة تؤثر على القدرة على إصدار الصكوك وعلى العوائد المتوقعة لها.
ولدى القاهرة تشريعات مرنة للصكوك، لكن ينبغي على السلطات التحديث أو التعديل المستمر لتناسب أسواق الصكوك بصورة دائمة، لأنه إذا لم تكن التشريعات المحلية كافية ومرنة قد تعوق عملية الإصدار وتؤدي إلى تأخير تنفيذ الخطط.