مصر تستعين بضريبة المحمول أملا في إنقاذ المصانع المحلية

تراجع إنتاج أجهزة الهاتف يهدد جذب الاستثمارات إلى قطاع الاتصالات.
الخميس 2025/01/09
كم تنتجون في السنة؟

قررت مصر الاستعانة بالضريبة على استيراد أجهزة الهواتف المحمولة، أملا في إنقاذ شركات القطاع العاملة في السوق المحلية، والتي تراجع إنتاجها خلال الفترة الماضية، على الرغم من التسهيلات الكبيرة الممنوحة من قبل الحكومة لتحفيز أعمال المصانع.

القاهرة - تتطلع السلطات المصرية إلى تحقيق خطتها الرامية إلى زيادة مساهمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الناتج المحلي من 6 إلى 8 في المئة عبر حماية الصناعة الوطنية، باعتبار أن هذا القطاع كان محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي خلال السنوات الست الماضية.

وشهد الاقتصاد ضغوطا متزايدة مؤخرا بسبب ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض الاحتياطي النقدي قبل التعافي نسبيا في الفترة الماضية، وكان قطاع الإلكترونيات، خصوصا الهواتف المحمولة، من بين القطاعات التي تأثرت بشدة.

وتشير التقارير إلى أن واردات الهواتف المحمولة شكّلت نسبة كبيرة من العجز التجاري، مع دخول معظم الأجهزة بطرق غير قانونية، ما تسبب في خسائر ضخمة للدولة، ولذلك جاء القرار بفرض ضريبة جمركية بنسبة 38 في المئة، بهدف تنظيم السوق وزيادة الإيرادات.

وتضمنت الإجراءات فرض رسوم جمركية على الهواتف المحمولة المستوردة، مع استثناء أول جهاز للاستخدام الشخصي، كما أطلقت الحكومة تطبيق “تليفوني” لتسجيل الأجهزة المستوردة وضمان سداد الرسوم الجمركية إلكترونيا.

محمد هداية: خطوة تأخرت كثيرا ونجاحها مرهون بزيادة الإنتاج محليا
محمد هداية: خطوة تأخرت كثيرا ونجاحها مرهون بزيادة الإنتاج محليا

ولا يقتصر هدف القرار على زيادة إيرادات خزينة الدولة فحسب، بل أيضا لتحفيز استثمارات الشركات العالمية، حيث يعمل بالبلد نحو 7 شركات مثل سامسونغ وهواوي وفيفو، تراجعت استثماراتها الفترة الماضية مع انخفاض الإنتاج وعدم القدرة على بيع المنتجات داخليا.

وتمنح الحكومة تسهيلات تشمل تيسيرات جمركية على المواد الخام والمعدات، وكذلك توفر العملة الصعبة لشركات تصنيع الهواتف، ولذلك تريد ترجمة ذلك إلى إنتاج وفير في السوق مع تصدير الفائض.

ومن المتوقع أن يشجع القرار الشركات المصرية الناشئة على دخول السوق بإنتاج هواتف بأسعار تنافسية بشرط ثبوت نجاحه في الفترة المقبلة، ما يفرز منافسة بين المنتج المحلي والمستورد.

ومن أبعاد القرار أن يسهم في تدريب الكوادر البشرية، فمع زيادة الطلب على العمالة المحلية في مصانع الهواتف، ستضطر الشركات إلى تدريب العاملين على تقنيات التصنيع المتقدمة، ما يرفع مستوى المهارات في القطاع.

ومع تطوير المناطق الصناعية المخصصة لصناعة الإلكترونيات من المنتظر أن يعزز القرار الحالي الصناعة المصرية بشكل عام.

ويرجح خبراء أن تشهد تكاليف الإنتاج في مصر انخفاصا على المدى الطويل عبر توفر ميزة تنافسية تتمثل في قلة تكاليف العمالة مقارنة بالدول الأخرى، ما يجعل التصنيع المحلي أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.

ويرى هؤلاء أن سعي القاهرة إلى تصنيع أجزاء من الهواتف محليا مثل البطاريات أو اللوحات الإلكترونية بدلا من استيرادها بالكامل، قد يساهم في تقليل الكلفة وزيادة القيمة المضافة.

وقال نائب رئيس شعبة الاتصالات والمحمول بالغرفة التجارية في القاهرة محمد هداية إن فرض الرسوم “خطوة انتظرها السوق طويلا لما لها من تأثير كبير على حماية الصناعة المحلية ودعم الشركات الوطنية.”

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن هذه “الرسوم تسهم في تعزيز إمكانيات الصناعة المحلية لتلبية الطلب المحلي والتوسع نحو التصدير، ما يدعم الاقتصاد من خلال زيادة الاحتياطي النقدي وتعزيز مكانة المنتجات المصرية في الأسواق الإقليمية.”

وأوضح أن رغم الفرص الكبيرة، تواجه الصناعة المحلية تحديات تتمثل في ضعف الإنتاج مقارنة بالطلب المتزايد، فإنتاج شركات المحمول لا يكفي لتغطية احتياجات السوق.

وأشار هداية إلى أن السوق المصرية شهدت اضطرابا نتيجة ارتفاع أسعار الهواتف المصنعة محليا قبل فرض الرسوم الجمركية، ما أثر على قرارات المستهلكين.

ومن التحديات أمام خطة تشجيع المنتج المحلي تقبل الأفراد لهذا المنتج، وهذا يعتمد على جودته، وستواجه الشركات تحديا في بناء ثقة المستهلكين، الذين يميلون إلى تفضيل العلامات التجارية العالمية بسبب سمعتها وجودتها.

كما أنه ينبغي تطوير الجودة، فالشركات بحاجة إلى تحسين جودة التصنيع والالتزام بالمعايير العالمية لضمان منافسة المنتجات المستوردة.

ويؤكد عضو جمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات محمد سعيد أن خطة السلطات تهدف إلى حماية المنتج المحلي وزيادة الإيرادات، لكن منع التهريب هو المهمة الصعبة خاصة مع ارتفاع أسعار الهواتف بالمقارنة مع الأجهزة المستوردة.

وذكر لـ"العرب" أنه ينبغي وجود ميزة السعر التنافسي، وإذا تمكنت الشركات من تقديم هواتف بجودة مقبولة وأسعار أقل من المستورد، قد يقبل المستهلكون عليها، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

وأشار إلى أن خطورة مشكلة التفاوت السعري من المعضلات، وإذا لم يكن الفرق كبيرا سيظل المستهلك يفضل المستورد، ما لم يتم توفير حوافز إضافية.

وتحتاج الحكومة والشركات إلى تنفيذ حملات توعية لتشجيع المواطنين على دعم المنتجات المحلية وشرح الفوائد الاقتصادية طويلة المدى لذلك.

محمد سعيد: منع التهريب مهمة صعبة مع ارتفاع الأسعار في السوق
محمد سعيد: منع التهريب مهمة صعبة مع ارتفاع الأسعار في السوق

ومن المهم تنوع الإصدارات لضمان جذب المستهلكين، ولذا يجب على الشركات توفير خيارات متنوعة تلبي احتياجات مختلف الفئات من الهواتف منخفضة التكلفة إلى الأجهزة الذكية المتقدمة.

ولا تعد الخطوة المصرية بدعة، فهناك تجارب لدول فرضت ضرائب على الإلكترونيات المستوردة، مثل الهند، مما دفع شركات كبرى مثل أبل وسامسونغ إلى إنشاء مصانع محلية، وفي غضون سنوات، أصبحت واحدة من أكبر الدول المصنعة للهواتف الذكية.

وتشجعت تركيا على تصنيع الهواتف محليا عبر تقديم حوافز ضريبية ودعم الابتكار، وأدى ذلك إلى ظهور علامات تجارية محلية تنافس في السوق العالمي.

وتؤدي الرسوم الجديدة إلى ارتفاع أسعار الهواتف المحمولة المستوردة بنسبة تتراوح بين 15 و30 في المئة، وهذا قد يدفع شريحة كبيرة من المستهلكين إلى التوجه نحو البدائل المحلية أو الأجهزة المستعملة.

ويمكن أن تواجه الشركات المصنعة محليا تحديا في توفير الأجهزة بجودة تضاهي المستورد، ما يستدعي استثمارات كبيرة في البحث والتطوير. وعلى المدى البعيد تسهم هذه السياسات في تقليل الاعتماد على الاستيراد، ما يؤدي إلى تحسين الميزان التجاري للدولة، وزيادة الصادرات.

وسيكون ذلك مرتبطا بنجاح مصر في إنتاج هواتف بجودة عالية يمكن تصديرها إلى الأسواق الإقليمية، وبالتالي تنشيط الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة وزيادة الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا.

10