مصر تستعين بشركات عالمية لتوطين صناعة البتروكيماويات

تواصل السلطات المصرية العمل على تنفيذ خطة عملاقة تهدف إلى تطوير صناعة البتروكيماويات المحلية، وذلك بالتعاون مع عدد من الشركات العالمية، بهدف زيادة القيمة المضافة لمنتجات النفط والغاز بالبلاد وتقليل فاتورة استيراد المنتجات الوسيطة.
القاهرة - قررت مصر الاستعانة بشركات عالمية كبرى بغية توطين صناعة البتروكيماويات، وسط شكوك بسبب القوة الاقتصادية التي ستواجهها في هذا المجال، وتتمتع بها كل من السعودية والإمارات، فضلا عن مخاطر زيادة الانبعاثات المنتقدة من قبل دول أوروبية.
وتكمن أهمية الخطة في كون هذه المشاريع تسهم في تصدير جزء من الإنتاج، خاصة أنها تشمل 10 مشاريع جديدة ستزيد الطاقة الإنتاجية للقطاع بمقدار 7 ملايين طن سنويا، ورفع إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة بحلول عام 2030.
ومن بين أبرز المشاريع التي جرى تدشينها، مشروع الأمونيا الخضراء في دمياط شمال البلاد، وهو تعاون مع شركات عالمية لإنتاج 150 ألف طن سنويا لاستخدامها كوقود أخضر للسفن.
ويتعزز نجاحه بانضمام مجموعة جون كوكريل البلجيكية إلى شركات سكاتك النرويجية ويارا إنترناشيونال النرويجية والشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات وشركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو).
وهناك مشروع وقود الطائرات الحيوي، حيث تستهدف شركة هانيويل الأميركية إنتاج 120 ألف طن سنويا في مرحلته الأولى، مع مضاعفة الإنتاج في المرحلة الثانية.
وكذلك يبرز مشروع مجمع السويس لمشتقات الميثانول والذي سيسهم في إنتاج مواد تستخدم في صناعة الأثاث والألواح الخشبية، علاوة على مشروع الصودا آش، والذي يهدف إلى إنتاج 600 ألف طن لتلبية احتياجات الصناعات الزجاجية والمنظفات، ومشروع محطة التسهيلات البحرية والإنتاج الغازي باستثمار 660 مليون دولار لتخزين الغاز المسال وتغويزه.
وتستهدف هذه المشاريع دعم تحول مصر إلى مركز إقليمي حيوي لصناعة البتروكيماويات، مع تعزيز الصادرات وتوفير فرص عمل جديدة.
وتشير التحديات المتعلقة بتكاليف الإنتاج وتقلبات أسعار النفط والغاز إلى ضرورة تحسين البنية التحتية والتكيف مع التغيرات البيئية، بما في ذلك الامتثال للضغوط الأوروبية الخاصة بالحد من الانبعاثات الكربونية.
وتستهدف الحكومة من خلال هذه المشاريع تعزيز دور قطاع البتروكيماويات في الاقتصاد المحلي، ومن المتوقع أن ترفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.5 في المئة بحلول عام 2030 مقارنة بنحو 3 في المئة بنهاية العام الماضي.
ولا تقتصر الخطوة الحالية على زيادة الإنتاج المحلي فحسب، بل تسهم أيضا في تحويل مدخلات إنتاج بقيمة 1.2 مليار دولار إلى منتجات عالية القيمة تصل قيمتها إلى 3 مليارات دولار، مما يمثل زيادة تصل إلى 250 في المئة من قيمتها كمدخلات، بحسب مصادر تحدثت إلى “العرب”.
وأكد عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين محمد سعدالدين أهمية صناعة البتروكيماويات في توفير مدخلات الإنتاج للعديد من الصناعات الحيوية، مثل الطلاء والمطاط والبلاستيك والمنظفات والأصباغ والأسمدة ومستحضرات التجميل.
وقال سعدالدين في تصريح لـ”العرب” إن “الخطة تعزز من توجه مصر لتصبح مركزا إقليميا رائدا في صناعة البتروكيماويات، ما يسهم في زيادة قاعدة التصدير لتشمل أكثر من 50 دولة”.
وأضاف “هذا التوجه يساعد على توفير فرص عمل جديدة في القطاع الصناعي، وزيادة القيمة المضافة من الموارد الطبيعية، خاصة الغاز الطبيعي”.
وشهدت صادرات قطاع البتروكيماويات المصرية نموا بنسبة 103 في المئة على أساس سنوي في عام 2024، لتصل إلى 1.6 مليار دولار، مما يبرز أهمية القطاع في تعزيز الاقتصاد، وفق المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة.
وقال رئيس المجلس خالد أبوالمكارم إن “جهود تحفيز الاستثمار الصناعي سوف تؤتي ثمارها في غضون عامين، من خلال إعادة هيكلة القطاع الصناعي وتطوير مناطق صناعية متخصصة، بما يدعم قدرة مصر على أن تصبح مركزا إقليميا لصناعة البتروكيماويات.”
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مصر تواجه تحديات بيئية دقيقة نتيجة للضغوط التنظيمية الدولية، مثل تلك التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي، بهدف الحد من الانبعاثات الكربونية والتلوث البيئي.
ولفت إلى وجود حاجة إلى الاستثمار في التقنيات الصديقة للبيئة، وهو ما يتطلب إستراتيجية طويلة الأمد لضمان استدامة الصناعة ومواكبتها للمعايير البيئية الدولية.
ويشير محللون إلى أنه على الرغم من هذه الجهود، يواجه قطاع البتروكيماويات العديد من التحديات، مثل المنافسة الإقليمية من دول مثل السعودية والإمارات التي تمتلك موارد طبيعية وخبرات صناعية أكبر.
7
ملايين طن سنويا طاقة الإنتاج التي تستهدفها القاهرة من إقامة 10 مشاريع جديدة في القطاع
ويشدد هؤلاء على ضرورة تحديث وتوسيع البنية التحتية لقطاع البتروكيماويات لمواكبة النمو المتزايد في هذا القطاع الحيوي والقدرة على الدخول في منافسة إقليمية.
ويتمثل أحد الجوانب الأساسية لهذا التطوير في تحسين وتوسيع المصانع والمرافق الخاصة بالبتروكيماويات، بما يشمل تحديث خطوط الإنتاج وتوفير تقنيات جديدة تحسن كفاءة الإنتاج وتقليل الفاقد.
ويشدد خبراء على أهمية زيادة قدرة الموانئ على التعامل مع الشحنات البتروكيماوية عبر إنشاء محطات جديدة وتحديث المعدات الحالية، كما ينبغي وجود شبكة متكاملة من خطوط الأنابيب الموصلة بين مصانع البتروكيماويات والموانئ، وهو يعد من الأمور الأساسية لتقليل التكاليف اللوجستية وتحسين الكفاءة.
وأكد الخبراء أن زيادة تكاليف إنتاج البتروكيماويات بسبب الخفض المرتقب في دعم الطاقة يمكن أن تكون عقبة أمام تحقيق الطموحات الخاصة بالقطاع.
ومن المتوقع أن تقوم الحكومة برفع أسعار الوقود في أبريل المقبل، في إطار إستراتيجيتها الرامية إلى إنهاء دعم الوقود بشكل تدريجي.
وكانت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية قد قررت في أكتوبر الماضي رفع أسعار الوقود بنسب تراوحت بين 8 و17 في المئة.
وتمثل هذه المشاريع خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية المستدامة في قطاع البتروكيماويات، مع العمل على تعزيز قدرات مصر التصديرية في هذا المجال الحيوي، مما يسهم في توفير فرص عمل جديدة، وزيادة القيمة المضافة من الثروات الطبيعية، خصوصا الغاز الطبيعي.
ولأهمية هذا القطاع، تحرص الحكومة على تطوير البنية التحتية واستخدام التقنيات اللازمة في هذا المجال للحفاظ على البيئة.
وتسعى السلطات من خلال رفع الدعم عن الوقود الأحفوري إلى تحسين كفاءة قطاع الطاقة المحلي وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ومواجهة التحديات الاقتصادية المتعددة.