مصر تستعين بالقطاع الخاص لتوطين صناعة الحاويات

مصر دخلت رهانا جديدا لتعزيز قطاع اللوجستيات في البلاد بالاستعانة بخبرات القطاع الخاص في تصنيع حاويات السفن بهدف توطين الصناعة المحلية، وسط حرص الحكومة على مواجهة التداعيات السلبية على سفن الشحن في البحر الأحمر عقب تصاعد تهديد الملاحة من قبل جماعة الحوثي في اليمن.
القاهرة - دفعت الأزمات العالمية التي تهدد تدفق العملة الأجنبية وانتظام سلاسل الإمداد إلى مصر حكومتها إلى إدراك أهمية وجود بديل آمن لنقل البضائع المصرية وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية، وفي مقدمتها شُح الدولار.
وقال وزير الصناعة والنقل المصري الفريق كامل الوزير إن الحكومة تتجه لإنشاء أول مصنع في البلاد لحاويات الشحن بالتعاون مع إحدى شركات القطاع الخاص. وتأتي هذه الخطوة كوسيلة لتلبية احتياجات الصناعة المحلية، والحد من تكاليف العملة الصعبة عبر خفض واردات الحاويات من الخارج.
وتعمل الحكومة على ربط الموانئ المصرية بشبكة نقل وحاويات متوافقة مع البنية التحتية، بما يلعب دورًا مهما على طريق إصلاح القطاع، وبالتزامن مع ضخامة البنية التحتية في قطاع الموانئ، وتصنيع الحاويات، تتحول مصر إلى مركز لوجستي. ويتطلب تحقيق ذلك الهدف الذي تسعى إليه السلطات فترة من الزمن، كي تتمكن الكيانات المصرية من المنافسة مع التوكيلات الملاحية العالمية.
وأكدت شعبة النقل الدولي واللوجستيات بالغرفة التجارية للقاهرة أن حجم سوق الخدمات اللوجستية في مصر، شاملة الحاويات المستوردة والسفن ورسوم النقل التي تدفعها الشركات، يبلغ نحو 14.6 مليار دولار خلال العام الجاري، وهو رقم يكبد البلاد ضغطا كبيرا على العملة الصعبة. وتتوقع الشعبة أن ترتفع السوق إلى 18 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي قدره 4.3 في المئة، لذلك ثمة حاجة ملحة إلى توطين صناعة الحاويات في البلاد.
قال عمرو السمدوني سكرتير شعبة النقل الدولي واللوجستيات بالغرفة التجارية للقاهرة لـ”العرب” إن عدم وفرة السفن المصرية يدفع الشركات إلى تأجير الحاويات اللازمة أو شرائها بتعريفة دولارية تختلف وفق الحجم ونوعية البضاعة المنقولة، وأن وجود مصانع وطنية يوفر العملة الصعبة، حيث يتحول التعامل إلى الجنيه المصري بدلا من الدولار الأميركي.
وسجلت أسعار الحاويات ارتفاعا كبيرا على خلفية اضطرابات البحر الأحمر وهجمات الحوثيين، ما انعكس على قطاع الشحن الدولي سلبا، لذلك زادت أسعار الحاويات إلى متوسط 7500 دولار للحاوية، مقابل 1900 دولار قبل الصراع الإقليمي، حيث تجاوز الطلب العرض. وأشار السمدوني في حديثه لـ”العرب” إلى ارتفاع تكاليف الشحن المصرية بنسبة 25 في المئة، وقد ترتفع بنحو 10 في المئة أخرى، عقب زيادة أسعار المحروقات.
وكشف مصدر بغرفة الملاحة المصرية لـ”العرب” أن عدم توفير التسهيلات اللازمة للقطاع الخاص أعاق ازدهار هذا النشاط بمصر، ومع أنها تمثل خطوة لحل المشكلة، لا تزال خطة تصنيع الحاويات محليا تفتقر إلى الاستعدادات اللازمة.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن اليد العليا في هذا القطاع للحكومة وأجهزة الدولة المعنية، ورغم ذلك لا توجد سفن نقل مصرية نتيجة معوقات ملكية السفن ورفع العلم المصري على السفن المملوكة للقطاع الخاص، لكن توجد ترسانات بحرية لبناء وإصلاح السفن.
وأدى ذلك إلى تراجع حجم الأسطول التجاري البحري في مصر على مدار السنوات الماضية، ما أسهم بجانب نقص المواد الخام وارتفاع تكاليف المدخلات، في هيمنة الشركات الأجنبية على قطاع الشحن في السوق المصرية. ويمكن أن تستعين مصر بإنشاء المصنع المرتقب بالهيئة العربية للتصنيع في القاهرة، ما سيسمح باكتمال المنظومة الخاصة بالمناطق اللوجستية والممرات وتطوير الموانئ.
وشدد عضو جمعية مستثمري الإسكندرية عبدالمجيد حسن في تصريح لـ”العرب” على أهمية تعديل القوانين المرتبطة بالنقل البحري، في ما يتعلق ببناء السفن ومكوناتها، وإزالة جميع العوائق أمام دخول مشغلين أجانب ومحليين.
وذكر أن الاستثمار في هذا القطاع يستوجب أن يتم في إطار منظومة متكاملة تشمل التصنيع والصيانة، لأن ما يتم حاليا، بجانب الاستيراد، بناء السفن بالترسانة البحرية عبر استيراد قطاع الغيار من الخارج، لكن الصيانة لا تتوفر وتلجأ الشركات إلى إجراء الصيانة خارج مصر.
وإذا نجحت مصر في توطين صناعة الحاويات سيكون ذلك بداية لإطلاق خط ملاحي مصري يربط البلاد بعدد من الدول المجاورة، ومنها إلى شرق آسيا وأوروبا، ويعزز هذا الاتجاه تحول مصر إلى مركز لوجستي إقليمي، بفضل الموقع الجغرافي للبلاد.
واقترح حسن إقامة المصنع المنتظر لصناعة الحاويات في المنطقة الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر (جنوب غرب القاهرة) حيث تخدم نحو ثماني مناطق صناعية ولوجستية وترتبط بميناء الإسكندرية والمنطقة الصناعية في مدينة العاشر من رمضان (شرق القاهرة) لنفس المزايا.
وتدعم الخطة المرتقبة تكامل قطاع اللوجستيات المصري، مع تفعيل دور الموانئ بوصفها مركزا يقدم الخدمات المتعلقة بالسفن وحركة البضائع، مع ربطها بسلاسل التوريد العالمية، ويترتب على ذلك أيضا حدوث تكامل بين الموانئ المصرية والعالمية، بهدف تقليل التكاليف وزيادة جودة الخدمات المقدمة.
وتوقع خبراء أن تشهد الفترة المقبلة التركيز على فرص الاستثمار في الموانئ والمجالات اللوجستية بمصر، وعلى السلطات تجهيز وإعداد دراسات الجدوى المسبقة والاستفادة من تجارب الموانئ العالمية المتعلقة بمرونة سلاسل الإمداد وتأثيرها في الاقتصاد والتجارة العالمية.
وثمة مطالب بضرورة منح الأولوية للأسطول المصري في نقل البضائع فور تصنيع أول حاوية مصرية، خاصة أن المصانع تدفع حاليًا غرامات باهظة بسبب نقص الحاويات لتحميل البضائع. ويحتاج قطاع الصناعة المصري إلى أراض لبناء السفن وملحقاتها، ومن المقرر أن تعقد غرفة النقل البحري باتحاد الصناعات المصرية اجتماعا مع وزير الصناعة والنقل لبحث توفير الأراضي اللازمة خلال الفترة المقبلة.
وعلمت “العرب” أنه على الرغم من أن بناء السفن هو نشاط حيوي في مناطق مصرية، مثل رشيد ودمياط وكفر الشيخ في شمال البلاد وقريبة من البحر المتوسط، لكن ما زالت الأراضي تخضع لولاية جهات متعددة، مثل وزارات الري والزراعة والتنمية المحلية.
ومن المهم وضع تلك الأراضي تحت إشراف الهيئة العامة للتنمية الصناعية كي تنتعش عمليات التصنيع، والاستفادة من المزايا الضريبية والحوافز الموجهة للصناعة. ويعتمد نمو هذا القطاع على تلقي التمويل اللازم، ويجب إدراجه ضمن القطاعات التي تمولها البنوك بالضمانات المطلوبة، لأنه يحتاج إلى استمارات عملاقة.
واشتكى عدد من المستثمرين الفترة الماضية من نقص الأراضي المخصصة للصناعات البحرية، حيث لم تلق اهتماما كبيرا ضمن خطة الدولة التصنيعية، رغم أن شركات بناء السفن في مصر تعمل لصالح كيانات أجنبية وتصدر السفن للخارج.