مصر تستعد للتخلي عن دعم السلع التموينية والاكتفاء بالدعم النقدي

خفض الدعم ظهر بوضوح خلال السنوات الماضية في شكل زيادة أسعار الكهرباء والوقود لذلك لن تكون زيادة نسبة خفض الدعم في الفترة المقبلة مفاجئة.
الجمعة 2024/08/30
شعار "المواطن أولا" تجاوزه الزمن

القاهرة - قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الخميس إن مصر قد تشرع في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة لأفقر مواطنيها بدءا من السنة المالية المقبلة، في خطوة قد تقابل بغضب بين المصريين خاصة أن الدعم النقدي لن يطال سوى فئة محدودة، على الأقل في مرحلة أولى. وتدعم مصر حاليا السلع الأولية الأساسية لأكثر من نصف سكانها.

ويحصل أكثر من 60 مليون شخص على سلع أساسية مثل المعكرونة والزيوت النباتية والسكر بأسعار مخفضة من منافذ بيع تديرها الدولة، ويستفيد 10 ملايين شخص آخرون على الأقل من الخبز المدعّم.

وقال مدبولي في مؤتمر صحفي "بالنسبة إلى موضوع الدعم النقدي أحلنا هذا الموضوع إلى مجلس أمناء الحوار الوطني، وهم فعلا عقدوا أكثر من جلسة لهذا الموضوع وناقشوا كل التفاصيل.. الكل يقول إنه لا سبيل للدولة المصرية غير التوجه إلى موضوع الدعم النقدي ولكن الأهم هو تفاصيل التنفيذ، هذا الأهم بالنسبة إلي”، مضيفا “المثل يقول: الشيطان يكمن في التفاصيل. وهذا الأهم حتى لا تحصل مشكلة تضر بالفكرة من الأساس”.

ولا تُعرف بالضبط التفاصيل التي يقصدها مدبولي، وهل أن رفع الدعم عن السلع سيتم بالتدريج مع ترك رغيف الخبز (العيش) إلى آخر خطوة والبدء بمواد أقل حيوية مثل الوقود والكهرباء، أم أن القرار سيشمل جميع المواد على أن يتم تقديم المساعدات العينية بالتدريج.

وقال جودة عبدالخالق وزير التموين المصري الأسبق إن شروط التحول من الدعم العيني إلى النقدي ليست متوافرة في مصر، ولا توجد قاعدة بيانات حقيقية وحصرية بالاسم لمن هم فقراء، وقد يكون هناك ظلم لبعض الفئات مع أنها تستحق الدعم، وبالتالي سيكون من الصعب الوصول إلى الشريحة المفترض استهدافها بالضبط، والأمر ليس مجرد وجود شخص ليس لديه دخل، لأن هناك فئات أخرى أكثر فقرا.

جودة عبدالخالق: شروط التحول من الدعم العيني إلى النقدي ليست متوافرة
جودة عبدالخالق: شروط التحول من الدعم العيني إلى النقدي ليست متوافرة

وأضاف لـ”العرب” أن “فكرة الدعم النقدي أن الدولة تقدم مساعدات مالية ليشتري الفقراء السلع التي يحتاجونها، لكن هذا لا يصح في ظل سوق منفلتة، ما يصيب الكثير من البسطاء بضرر كبير، فمثلا سعر رغيف الخبر المدعم 20 قرشا فقط، وكلفته الحقيقية حوالي ستة أضعاف هذا الرقم، وليس منطقيا أن نرفع الدعم عن الخبز ليشتريه الفقير بأضعاف سعره ونقول إن الدعم وصل إلى مستحقيه”.

وأقر عبدالخالق بأن الدعم النقدي أكثر كفاءة في التطبيق، لكن في مصر يفتقد الشروط الأساسية لتحقيق هذه الكفاءة، وقد يكون التفعيل دون ضوابط ومعايير حقيقية ظلما كبيرا لمن تأثروا بالظروف الاقتصادية وساءت أحوالهم المعيشية مقارنة بالماضي القريب.

وظهر خفض الدعم بوضوح خلال السنوات الماضية في شكل زيادة أسعار الكهرباء والوقود، ولذلك لن تكون زيادة نسبة خفض الدعم في الفترة المقبلة مفاجئة.

كما تعمل الحكومة على طمأنة المصريين بأن خيار رفع الدعم سيسهل عليها توفير المواد الأساسية بشكل أكثر فاعلية، خاصة القمح.

وقالت ثلاثة مصادر أمنية وحكومية إن أكبر ممارسة لشراء القمح على الإطلاق طرحتها مصر، والتي تزيد عن حجمها المعتاد بنحو 20 مثلا، سببها مخاوف تتعلق بالأمن الغذائي أثارتها إفادة من المخابرات للرئيس عبدالفتاح السيسي.

وقالت المصادر إن السيسي اتخذ القرار بعد تقرير ربع سنوي اعتيادي من أجهزة المخابرات في يوليو الماضي سلط الضوء على مخاطر التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط وفي دول مصدرة مثل روسيا وأوكرانيا.

وبحسب تقرير صدر في الآونة الأخيرة عن صندوق النقد الدولي بعد صرف شريحة جديدة من اتفاقية قرض لمصر بقيمة ثمانية مليارات دولار، يشمل هذا الجهد إزالة الأفراد غير المستحقين والحفاظ على سياسة نمو بمعدل صفر للعدد الإجمالي للمستفيدين من الدعم.

وأكد الخبير في الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن التحول نحو الدعم النقدي يأتي استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، ويعبر في الوقت ذاته عن عدم استطاعة الحكومة المصرية السيطرة على الدعم العيني بعد أن أصبح بوابة كبيرة للسرقات والفساد من جانب مكاتب التموين، إلى جانب ذهابه إلى غير مستحقيه بسبب عدم وجود قاعدة بيانات حقيقية ودقيقة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “رفع الدعم بنسب مختلفة عن غالبية الخدمات الحكومية قد يدعم تمرير الدعم النقدي بلا اعتراضات قوية لأن بعض الأسر ترى أن منحها الأموال قد يساعدها على سد احتياجاتها دون تحديده مسبقا من جانب الحكومة، كما أن الحكومة سوف توظف تلك الخطوة في إعادة تقدير المستحقين بالفعل للدعم وضمان عدم تسربه إلى غير مستحقيه”.

نادي عزام: تفعيل برامج الحماية الاجتماعية يسهّل تطبيق الدعم النقدي
نادي عزام: تفعيل برامج الحماية الاجتماعية يسهّل تطبيق الدعم النقدي

وفي 19 أغسطس أكد وزير التموين الجديد شريف فاروق أنه لم يتخذ قرارا نهائيا بالتحول من الدعم العيني إلى المساعدات النقدية. وقال إن الحكومة مازالت تنتظر ردود الفعل من الحوار الوطني.

وأصبحت القاهرة مضطرة إلى توجيه جزء من خفض الدعم إلى الطبقات محدودة الدخل عبر تفعيل الدعم النقدي وزيادة المنح والمعاشات من خلال برنامج “تكافل وكرامة” للمساهمة في استكمال الحياة في ظرف صعب على الفقراء.

وقال الخبير الاقتصادي المصري نادي عزام إن تفعيل برامج الحماية الاجتماعية في مصر خلال الفترة الماضية، مثل “تكافل وكرامة”، يسهل تطبيق الدعم النقدي، لكونه ساهم في حصر عدد كبير من المستحقين للدعم.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “المشكلة عند تطبيق المنظومة الجديدة تكمن في الفئات الأخرى مثل العاملين بالجهاز الحكومي في مصر وبعض الموظفين في القطاع الخاص وغيرهم، وهم غير مدرجين ضمن ‘تكافل وكرامة’، ويمكن أن تخرج فئات منهم من منظومة الدعم”.

وأشار إلى أنه ينبغي الحذر عند تطبيق المنظومة النقدية، إذ توجد فئات عاملة عديدة وهي مستحقة للدعم، وتوجد فئات أخرى لديها بطاقات تموينية ولا تستحق الحصول على دعم، وهي من الآفات التي تشهدها منظومة الدعم العيني.

واقتصاديًا يعد الدعم النقدي الوسيلة الأفضل لتقليص عجز الموازنة العامة للدولة وخفض واردات الحكومة لسلع إستراتيجية، بشرط تطبيقه بنجاح وتجنب الفساد عند تطبيقه، فضلاً عن أن ذلك يخفف الضغط عن الدولار.

ويطالب محللون بضرورة فرض رقابة صارمة على الأسواق، لأن بعض التجار قد يستغلون تلقي المواطنين دعمًا ماليًا من الحكومة ويتحايلون لرفع أسعار بعض السلع عن قيمتها الحقيقية، خاصة أنه سيترتب على تفعيل الدعم النقدي الإقبال على شراء سلع معينة.

ومع حصول الأفراد على سيولة مالية جراء استحقاقهم للدعم، من المتوقع أن يقبلوا على شراء الأرز أو الزيت تحديدًا، ما يدفع بعض التجار إلى تعطيش الأسواق، وهذا يستوجب التوسع في نشر الرقابة عبر زيادة “مفتشي التموين” للسيطرة على الأسواق ومواجهة أي تضخم مرتقب.

اقرأ أيضا: 

انتفاضة متأخرة في مصر ضد شبكات فساد متشعبة

1