مصر تستعد لغلق ملف السجناء

القاهرة- عكس قرارُ مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر بالإجماع وضْع تعديلات قانون الحبس الاحتياطي كأولوية الفترة المقبلة وجودَ ضوء أخضر من النظام المصري لغلق ملف السجناء، لأنه بات ثغرة اعتادت قوى معارضة الضغط به على الحكومة، ومحاولة ابتزازها سياسيا.
وأعلن ضياء رشوان، رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني، في تصريحات إعلامية أن الأولوية السياسية حسْم ملف الحبس الاحتياطي، بمشاركة واسعة من مؤسسات حقوقية وحزبية للخروج بتصور يُرضي كل الأطراف، فيما أكد محمود فوزي وزير الشؤون البرلمانية والسياسية أنه مكلّف بتسريع إنهاء الملف بالتشاور مع أطراف الحوار.
ولم تشارك أغلب قوى المعارضة في جلسة الحوار التي عُقدت قبل أيام للتوافق على الملفات العاجلة التي ستتم مناقشتها قريبا، على رأسها ملف المحبوسين، كنوع من الاعتراض على ما تعتبره الحركة المدنية تلكؤا حكوميا في الاستجابة لمطالبها السياسية العاجلة، وتأتي قضية الحبس الاحتياطي في صدارتها.
وقالت مصادر حقوقية مشاركة في الحوار لـ”العرب” إن “هناك شبه إجماع على تعديل قانون الإجراءات الجنائية، بما يمهد لخفض مدد الحبس الاحتياطي، وعدم التعامل معها كعقوبة، وسيكون لكل قضية حدّ أقصى للحبس المؤقت؛ بحيث تختلف القضايا البسيطة عن قضايا الرأي أو الأخرى المرتبطة بارتكاب جنايات”.
وأضافت المصادر أن تخفيض مدد الحبس الاحتياطي يحظى بتوافق حزبي، وسيتم وضع قواعد جديدة للمنع من السفر؛ بحيث لا يكون هذا الإجراء بتصرف أمني، بل بقرار من القضاء. وستصبح هناك نقاشات موسعة حول موقف أصحاب الرأي، إذ تضغط منظمات حقوقية بهدف عدم حبسهم احتياطيا، طالما لا يشكلون خطورة أمنية.
وانتهت المرحلة الأولى من الحوار الوطني في نوفمبر الماضي بإجماع سياسي وحزبي وحقوقي، سواء من الفريق المؤيد للنظام أو المعارض له، على حتمية غلق ملف الحبس الاحتياطي في أسرع وقت ممكن، وتعديل النصوص القانونية المرتبطة به. لكن الحركة المدنية قررت تجميد عضويتها في الحوار مؤقتا لعدم إنهاء الملف قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، وتأجيله إلى الجولة الثانية من الحوار التي انطلقت مؤخرا.
وتقوم فلسفة الحبس الاحتياطي على اتخاذ التدابير اللازمة لمنع هروب المتهم من المحاكمة في القضية التي يجري التحقيق فيها، لكن مشكلة قانون الإجراءات الجنائية المطبق حاليا لا يضع حدا أقصى لفترة حبس المتهم بلا إدانة أو تبرئة، وقد يظل الشخص قابعا في السجن قرابة عامين من دون محاكمة نهائية.
◄ قضية الحبس الاحتياطي صارت عنوانا حاضرا بقوة في مختلف وسائل الإعلام المحلية، حتى المملوكة لجهات حكومية
وتسبب تلكؤ الحكومة المصرية في حسم الملف على مدار سنوات مضت في ظهورها بصورة العاجزة عن الدفاع عن نفسها حيال أعداد المحتجزين قسريا أو المحبوسين على ذمة قضايا بلا محاكمات، والتي غالبا ما تكون أعدادا مبالغا فيها، وهي الثغرة نفسها التي كانت تضغط بها قوى المعارضة في الداخل على الحكومة لدفعها نحو اتخاذ إجراءات فعّالة.
ويرى مراقبون أن حثّ الحكومة خطاها نحو غلق ملف المحبوسين لا ينفصل عن اقتناع دوائر فاعلة داخل النظام بأن سياسة الدفاع بنفي تهمة انتهاك حقوق الإنسان لا قيمة لها في مواجهة التحريض من منظمات حقوقية في الداخل والخارج ضد السلطة، ولا بديل عن المضي بوتيرة أسرع لاتخاذ إجراءات ملموسة.
وأظهرت تلميحات صادرة عن برلمانيين وأحزاب وشخصيات قريبة من السلطة حول الحبس الاحتياطي وجود إجماع داخل النظام على أن استمرار المتاجرة بتلك القضية لا يعود عليه بأي ميزة سياسية أو أمنية، ومهما تم التسويق لمرحلة سياسية جديدة فسوف تستمر الشكوك طالما أن ملف المحبوسين لم يتم حسمه.
وما يلفت الانتباه أن قضية الحبس الاحتياطي صارت عنوانا حاضرا بقوة في مختلف وسائل الإعلام المحلية، حتى المملوكة لجهات حكومية، مع أن ذلك كان من المحظورات التي لا يجوز التطرق إليها، ولو بالتلميح، حتى لو نوقشت داخل الحوار الوطني، ما يوحي بأن الدوائر الفاعلة داخل السلطة تؤيد الحراك الراهن.
ويضيف المراقبون أن انفتاح الأغلبية البرلمانية والحزبية المؤيدة للسلطة، الذي طبع طريقة التعاطي مع ملف المحبوسين، وعدم ممانعة إجراء تعديلات قانونية جذرية، يشيران إلى أن التيار العقلاني داخل النظام أصبح صوته أقوى مقابل انسحاب الفصيل الذي كان يتعامل مع مطالب المعارضة بحساسية مفرطة ويراها خطرا على الأمن.
والواضح أن هناك دوائر فاعلة داخل السلطة صارت مقتنعة بأن أيّ زخم سياسي من استمرار الحوار في البلاد يتطلب قدرا من الاستجابة لمطالب المعارضة طالما لا تشكل خطورة على الأمن القومي، إذ لا قيمة لاستمرار نشطاء أو أصحاب رأي داخل السجون، مع أن خروجهم لن يثير أزمة أمنية.
وذكر مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الاشتراكي، وهو أحد أحزاب الحركة المدنية المعارضة، أن إنهاء ملف الحبس الاحتياطي يتطلب إرادة سياسية، وليس تعديلات قانونية فقط، مع حتمية النظر إلى أصحاب الرأي على أنهم لا يشكلون خطورة، ولا يجب حبسهم احتياطيا، إلى حين النظر في قضاياهم أمام المحاكم المختصة.
وأكد لـ”العرب” أن “كل تحرك إيجابي في ملف المحبوسين مقدر، لكن لا يجب التعامل مع كل المعارضين على أنهم يشكلون خطورة أمنية، ومن غير المنطقي أن يعامَل المعارض معاملة من ارتكب جريمة قتل أو سرقة، إذا كانت هناك نوايا حقيقية للتغيير المبني على تقبل الجميع بلا تخوين لمجرد الاختلاف”.
وتشير بعض التصريحات الصادرة عن مجلس أمناء الحوار الوطني إلى وجود نوايا حقيقية لبدء مرحلة سياسية جديدة يُستجاب فيها لمختلف التصورات العاقلة طالما أنها مبنية على أرضية وطنية، وهي رسالة إلى قوى المعارضة يفيد مضمونها بأن مطالبها محل دراسة، وعليها مراجعة مواقفها بشأن عدم المشاركة في الحوار بالقدر المأمول.
ويبدو أن النظام المصري يريد الحفاظ على حالة الحوار وألا يفقد زخمه السياسي، وثمة أمل في استمراره أطول فترة ممكنة، ويعوّل عليه النظام في تقريب المسافات بينه وبين المعارضة، على الأقل لطرح التحديات الغائبة عن الحكومة، ما يجعل المعارضة تتصرف بحكمة ويجنبها الاتهام بالتباعد في توقيت سياسي بالغ الحرج.
وظلت المشكلة الأساسية كامنة في تباعد المسافات بين الحكومة والمعارضة حول الهدف من الحوار وأولوياته، ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى اختيار وزير مهمته الإمساك بالملف السياسي ليكون حلقة الوصل بين الطرفين، وهو ما يكرس قيمة وأهمية الحوار مع الدوائر السياسية الفاعلة، بعيدا عن فزاعة تهديد الأمن القومي.
اقرأ أيضا:
• التشكيك في الشهادات الجامعية لمسؤولين يُحرج الحكومة المصرية