مصر تسابق الزمن لتفادي تكرار أزمة الغاز في الصيف

يسلط عجز مصر عن تلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة مع اقتراب فصل الصيف الذي يعد فترة ذروة استهلاك الكهرباء الضوء على تحديات كبيرة في الإنتاج والضغوط المالية على الرغم من أهدافها في تصدير الغاز الطبيعي المسال، وسط محاولات مضنية للحصول على إمدادات من الخارج بأسعار أرخص.
القاهرة - تسابق الحكومة المصرية الزمن لتفادي تكرار ما حدث الصيف الماضي من انقطاع شبه مستمر للتيار الكهربائي في مناطق عديدة، بعد أن شهدت سوق الطاقة تحولا خلال العامين الماضيين.
وانتقلت الدولة من مرحلة تصدير فائض الغاز الطبيعي المسال إلى استيراد كميات كبيرة، نتيجة انخفاض الإنتاج المحلي وزيادة الاستهلاك.
ودفع هذا التحول الحكومة إلى تغيير إستراتيجيتها والبحث عن مصادر موثوقة ومأمونة ومستقرة من أجل توريد الغاز، بعيدا عن السوق الفورية شديدة التقلب.
وتجري الدولة محادثات حاليا مع شركات طاقة وشركات تجارية عالمية لشراء 40 إلى 60 شحنة من الغاز الطبيعي المسال بهدف تأمين الاحتياجات الطارئة.
وبذلك ستضطر إلى إنفاق ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار وفقا لأسعار الغاز الحالية لشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال، ما يُثقل كاهل خزينة الدولة التي تعاني أصلا من ضغوط مالية كبيرة لتجنب قطع الكهرباء.
ووجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحكومة مؤخرا إلى ضرورة اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات بشكل مسبق لضمان عدم تكرار انقطاعات الكهرباء.
وما يؤكد إمكانية تكرار الأزمة، انخفاض إمدادات حقل الغاز البحري الإسرائيلي ليفياثان إلى مصر نتيجة أعمال صيانة دورية، ما اضطر الحكومة المصرية قبل أيام إلى الإعلان عن خفض إمدادات مصانع الأسمدة 15 يوما.
ودخلت القاهرة مفاوضات مع شركات طاقة عالمية كبرى، بينها أرامكو وترافيغورا وفيتول، للتوصل إلى اتفاقات لتوريد الغاز المسال حتى عام 2028.
ومن خلال هذه العقود التي تتسم بأنها طويلة الأجل، تسعى إلى تقليل المخاطر المرتبطة بالأسعار في السوق الفورية وتأمين الإمدادات في ذروة الاستهلاك بالصيف.
وقدمت 14 شركة عالمية عروضا لتوريد الغاز إلى الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) بعقود تتراوح مدتها بين 18 شهرا وثلاث سنوات، تعكس حاجة مصر المتزايدة إلى الطاقة، في خضم تآكل الفوائض الإنتاجية المحلية.
ويؤكد محللون أن تراجع إنتاج الحقول المحلية هو أحد أبرز التحديات التي تواجه قطاع الطاقة في مصر، خاصة مع تباطؤ أعمال البحث والاستكشاف خلال العامين الماضيين، إلى جانب بعض المعوقات اللوجستية والتقنية.
وواجهت حقول مثل ظهر ونورس انخفاضا تدريجيا في معدلات الإنتاج، ما يتطلب ضخ استثمارات جديدة لإعادة تحفيز الإنتاج أو فتح آفاق استكشاف جديدة في البحر المتوسط، ومنطقة الدلتا بشمال القاهرة.
وأكد خبير الاستثمار المصري عبدالمجيد حسن لـ”العرب” أن مع التوسع السكاني وارتفاع درجات الحرارة القياسية، أصبح الاستهلاك المحلي من الغاز يتجاوز القدرات المتاحة.
وقال إن هذا الوضع “أدى إلى تخفيض كميات الغاز الموجهة إلى بعض الصناعات، وتأجيل تصدير بعض الشحنات من محطات الإسالة في منطقتي إدكو ودمياط.”
وحتى منتصف عام 2023، كانت مصر تعتبر مركزا إقليميا لتصدير الغاز الطبيعي، ونجحت في توقيع اتفاقيات تصدير مع إسرائيل ودول عديدة في الاتحاد الأوروبي.
ودفعت بعض المتغيرات الحكومة إلى تقليص صادرات الغاز تدريجيا، بدءا من خريف العام الماضي، قبل أن تبدأ فعليا في استيراد شحنات لسد العجز المحلي.
وأوضح حسن أن التحول إلى الاستيراد طويل الأجل خطوة غير معتادة لدولة تمتلك بنية تحتية متقدمة في مجال إسالة الغاز، ما يعكس حجم التحديات التي تواجهها القاهرة.
وأشار إلى أنها تحاول الموازنة بين الحفاظ على مكانتها كمركز إقليمي رئيسي للطاقة، وبين ضمان تلبية الطلب الداخلي المتزايد.
واعتمدت مصر العام الماضي على عدد من الشحنات الفورية لتغطية العجز، لكن الارتفاع المفاجئ في الأسعار عالميا، بسبب تنامي الصراعات والحروب والتوترات، جعل من الاعتماد على السوق الفورية خيارا مكلفا وغير مضمون.
وذكر خبير الطاقة المصري فتحي كمال لـ”العرب” أن هذا الوضع دفع الحكومة إلى التفكير في هيكلية التعاقدات والاعتماد أكثر على العقود الآجلة ذات الأسعار المستقرة.
وشهدت بعض المصانع الكبرى في القطاعات الكيماوية والصلب والأسمنت تأخيرا في الإنتاج، وتقليلا في الطاقة التشغيلية، بسبب نقص الإمدادات، كما واجه قطاع الكهرباء ضغوطا أفضت إلى ترشيد استهلاك الغاز وإعادة توزيع الأحمال في الصيف.
3
مليارات دولار الإنفاق المتوقع لشراء الغاز وفقا للأسعار الحالية، مما يثقل كاهل خزينة الدولة
واتخذت الحكومة عددا من الإجراءات العاجلة لضمان استقرار الإمدادات، منها توقيع عقود استيراد فورية مؤقتة، والإسراع في مفاوضات العقود طويلة الأجل، وتوفير حوافز للاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الغاز.
وأشار كمال لـ”العرب” إلى أن في ظل هذا المشهد، تعمل مصر على وضع خطة شاملة لإعادة التوازن في قطاع الطاقة، تتضمن زيادة البحث والاستكشاف في البحر المتوسط، في ضوء الاكتشافات الواعدة في المياه العميقة.
ولفت إلى أهمية تشجيع الاستثمارات الأجنبية في مشروعات الغاز من خلال منح تسهيلات وتعديلات تشريعية، وتنويع مصادر الطاقة عبر التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر.
وتلعب المؤسسات المالية الدولية دورا مهما في دعم التحول المصري في مجال الطاقة، حيث بدأت القاهرة محادثات مع عدد من الشركاء لتوفير تمويل مرن لعقود استيراد الغاز وتوسيع مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالطاقة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن مصر بحاجة إلى تمويل يتجاوز 30 مليار دولار في الأعوام الثلاث المقبلة لتغطية مجال الطاقة، بما يشمل الغاز والكهرباء والطاقة المتجددة.
وعادت مصر إلى وضع المستورد الصافي للغاز العام الماضي، إذ اشترت العشرات من الشحنات متخلية عن خططها لتصبح موردا لأوروبا مع تراجع إنتاجها.
وأدى نقص العملة الصعبة إلى تأخير سداد بعض المدفوعات لشركات النفط العالمية، ما تسبب في الحد من أعمال التنقيب وبطء إنتاج النفط والغاز.
وتحتاج مصر إلى قرابة 60 شحنة من الغاز المسال لتغطية الاحتياجات حتى نهاية العام الجاري، وقد يرتفع الطلب في الأجل الطويل إلى نحو 150 شحنة.
ووفقا لبيانات مؤسسة ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس، اشترت الدولة 1.84 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال هذا العام، وهو ما يمثل نحو 75 في المئة من إجمالي وارداتها في العام الماضي.