مصر تزيد من ارتباك مواقفها بفرض تأشيرة على السودانيين

القاهرة تتخلى عن السودانيين إنسانيا بدعوى تنظيم تدفق المهاجرين.
الأحد 2023/06/11
أي مصير للسودانيين بعد مغادرة مصر

القاهرة- أظهر قرار فرض التأشيرة على السودانيين حجم الارتباك المصري تجاه الملف السوداني، في وقت يفترض فيه أن يجد السودانيون دعما مصريا كبيرا لمساعدتهم على مواجهة المحنة التي يمر بها البلد في ضوء الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

ويمثل الموقف المصري من السودانيين سابقة بحكم أن البلدين كانا نظريا بلدا واحدا إلى خمسينات القرن الماضي، وبهذه الخطوة، فإن مصر تتخلى عن السودانيين إنسانيا بدعوى تنظيم تدفق المهاجرين، وهي تعلم أن الحصول على تأشيرة يعد انتحارا في الوضع الراهن مع انعدام الأمن وتواصل الاشتباكات.

◙ قرار فرض التأشيرة يعكس عجزا إستراتيجيا في محاولة القاهرة التأثير على مسار الأحداث في ما يعد ساحتها الخلفية

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد إن مصر وضعت سياسة جديدة تطالب بمقتضاها جميع السودانيين بالحصول على تأشيرات قبل دخول البلاد بعد اكتشاف “أنشطة غير مشروعة” منها إصدار تأشيرات مزورة.

ويأتي القرار على النقيض من اتفاق سابق بين البلدين كان يضمن حرية دخول الأطفال والنساء وكبار السن من الرجال دون الحصول على تأشيرة.

ويكشف القرار المصري عجزا إستراتيجيا في محاولة القاهرة التأثير على مسار الأحداث في ما يعد ساحتها الخلفية، ويفرض مقارنة فورية مع فتح تركيا حدودها للاجئين السوريين مع اشتعال الحرب الأهلية في سوريا وتقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه كحام للمدنيين من نار الحرب مما جعله طرفا فاعلا فيها.

وسبق أن مارست مصر هذا النوع من المواقف مع العراقيين بعد حرب الكويت والسوريين بعد الحرب الأهلية.

ووافق مجلس الوزراء المصري الأربعاء على مشروع قانون “لجوء الأجانب”، والذي يلزم اللاجئين وطالبي اللجوء بتقنين أوضاعهم خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية المقرر إعدادها في غضون ستة أشهر، ويجوز لرئيس الحكومة بعد موافقة مجلس الوزراء تمديد المدة المشار إليها لفترة مماثلة.

ونص القانون على تشكيل “لجنة دائمة لشؤون اللاجئين” تتبع مجلس الوزراء وتتكفل بإدارة ملف اللاجئين بكافة تفاصيله بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بأعداد اللاجئين، على أن يكون ذلك بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات والجهات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين.

وتتسق الخطوة المصرية مع مجموعة إجراءات سابقة هدفت إلى تنظيم عملية اللجوء إليها وعدم ترك الباب مفتوحًا بلا متابعة حكومية، وتسير على هذا الطريق عبر إجراءات تبدو بطيئة لكنها تعبّر عن توجه مغاير للدولة المصرية مع اللاجئين لسنوات المقبلة.

وقدرت المنظمة الدولية للهجرة في أغسطس الماضي أعداد المهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بـ9 ملايين شخص من 133 دولة، يتصدرهم السودانيون بـ4 ملايين مهاجر، والسوريون بـ1.5 مليون، واليمنيون والليبيون بمليون مهاجر لكل منهما، وهو الرقم الذي تزايد مع استقبال 200 ألف سوداني منذ اندلاع الحرب.

محمد نورالدين: القانون الجديد يستهدف تخفيف الأعباء عن الأجهزة الأمنية المصرية
محمد نورالدين: القانون الجديد يستهدف تخفيف الأعباء عن الأجهزة الأمنية المصرية

وقال مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد نورالدين إن القانون الجديد يستهدف تخفيف الأعباء عن الأجهزة الأمنية المصرية التي تجد صعوبات جمة في جمع أكبر قدر من المعلومات عن الوافدين، وثمة قناعة بأن الفوضى التي تعم عملية الهجرة تهدد مصالح الأمن القومي المصري ومن الضروري مراجعة الإجراءات المتبعة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التقديرات الرسمية تشير إلى تورط بعض اللاجئين في جرائم جنائية، وتزايد المخاوف بشأن أن تنعكس توجهاتهم وأيديولوجياتهم السياسية على الجرائم ذات الطابع الإرهابي، وترى القاهرة أن جهودها الأمنية للحفاظ على الاستقرار والمليارات من الدولارات التي أنفقتها لتطوير البنية التحتية لا بد أن يقابلها عائد مادي في شكل رسوم أو مساعدات من جهات ذات صلة بملف اللاجئين.

ولم يتطرق القانون الجديد لمسألة فرض الرسوم، لكنها متوقعة إذا وجدت الحكومة نفسها في مواجهة مشكلات اقتصادية أكثر صعوبة ومرغمة على تحميل المهاجرين إليها جزءا من فاتورة أزمة اقتصادية تلقي بظلالها على الأوضاع المجتمعية.

واعتبر نورالدين تلكؤ الحكومة في إصدار اللائحة التنفيذية للقانون الجديد وسماحها بفترة ستة أشهر إلى حين إقرارها يشير إلى عدم جديتها في مجابهة الأزمات التي ترتب عليها توافد أعداد كبيرة من اللاجئين، فما تقدمه مصر غير موجود في دول أخرى تقوم بتحميل المواطنين والحكومة نتيجة الصراعات المشتعلة بالمنطقة بشكل كامل دون أن تقوم بدورها على مستوى الضغط الدولي لمواجهة توافد الملايين أو دون أن تقر القوانين التي تحمّل الوافدين جزءا مما تتحمله الدولة.

وتجد الحكومة المصرية صعوبات جمة في حظر دخول أيّ شخص ارتكب جريمة حرب أو جريمة غير إنسانية وغير سياسية قبل قبوله كلاجئ وفقًا لما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، وتضغط جهات أمنية لإجراءات أكثر فاعلية تضمن عدم تأثر الأمن القومي سلبًا بتوافد النازحين، وقد يكون القانون مقدمة لترحيل عناصر لها سجل إجرامي إلى بلادها مرة أخرى.

أحمد بدوي: الحرب في السودان ألقت الضوء على الكثير من المشكلات التي تواجهها الحكومة المصرية في ملف استقبال اللاجئين
أحمد بدوي: الحرب في السودان ألقت الضوء على الكثير من المشكلات التي تواجهها الحكومة المصرية في ملف استقبال اللاجئين

وتضغط القاهرة بالقانون الجديد على مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تضع أعدادا كبيرة من طالبي اللجوء على قوائم الانتظار لسنوات، وفي الوقت ذاته من الصعب وصول الملايين من الوافدين إليها مع تسجيلها بضعة آلاف فقط من اللاجئين بشكل رسمي، ما يضع ضغوطًا إضافية على القاهرة التي تبعث بإشارات خارجية حول امتلاكها أوراقا عديدة يمكن أن تستخدمها في هذا الملف.

وقال رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين (حقوقي) أحمد بدوي إن الحرب في السودان ألقت الضوء على الكثير من المشكلات التي تواجهها الحكومة المصرية في ملف استقبال اللاجئين، لأن الكثير ممن فروا هاربين من الاشتباكات جاؤوا عن طريق المعابر المصرية بلا أوراق ثبوت أو يملكون أوراقا منتهية الصلوحية أو اكتفوا فقط بالبطاقات الشخصية، ونتيجة الضغوط الكبيرة على القنصلية السودانية في أسوان بجنوب مصر لم يتم التمكن من إصدار أوراق للراغبين في دخول الأراضي المصرية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مفوضية اللاجئين لعبت دورا في تسهيل الإجراءات، غير أنها غير كافية، ووجدت صعوبات في التعامل مع القاهرة، فلا توجد جهة مختصة واحدة يمكنها تذليل العقبات، وهو ما يفسر إنشاء لجنة تختص بقبول شؤون اللاجئين، وقد منحت القاهرة وقتًا منطقيًا ليتمكن اللاجئون من تقنين أوضاعهم وتسجيل بياناتهم بشكل رسمي، والوقت قابل للتمديد حسب ما تسفر عنه التجربة.

ورأى بدوي أن تنظيم عملية الدخول وإقرار مجموعة من الإجراءات المعروفة للاجئين قبل وصولهم يشجع الكثير من الجنسيات على طلب الإقامة في مصر، ومن شأنه تخفيف حالة الارتباك السائدة على المعابر المصرية عند الحدود مع السودان، ومن المتوقع أن تساهم اللجنة المشكّلة في إنهاء مشكلات دخول اللاجئين بشكل سريع.

ولفتت الحكومة المصرية إلى أنه من المقرر تشكيل اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بالقانون الجديد، وتعد اللجنة تقريراً بنتائج أعمالها كل ثلاثة أشهر، يعرض على رئيس الحكومة المصرية ويكون للجنة أمانة فنية، يصدر قرار بتحديد اختصاصاتها ونظام العمل بها وتعيين رئيسها ومدة رئاسته لها واختصاصاته.

 

• اقرأ أيضا:

            هدنة مؤقتة تمنح سكان الخرطوم متنفسا نادرا من المعارك

1