مصر تزيد أسعار الاتصالات والإنترنت رغم قرار وقف الزيادات

القاهرة- تلقّى المصريون صدمة جديدة بزيادة أسعار خدمات الاتصالات والإنترنت بعد أسبوعين من نفي حكومي وجود نوايا لزيادة جديدة، وهو ما يشكّك في وعود قطعتها الحكومة على نفسها منذ الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود أكتوبر الماضي، حيث تحدثت عن تجميد رفع أسعار الخدمات وتوجهها نحو تخفيف الضغوط على المواطنين، ما يضاعف الفجوة بينهما مع اعتماد شرائح كبيرة من المصريين على خدمات الاتصالات.
ورفعت شركات الاتصالات المصرية الحكومية والخاصة، مساء الخميس، أسعار خدمات الإنترنت والاتصالات بنسب تتراوح بين 30 و50 في المئة، وأرجعت ذلك لارتفاع تكاليف التشغيل بعد زيادة أسعار الوقود، وطالت الارتفاعات الباقات الشعبية التي يعتمد عليها الجزء الأكبر من المواطنين، فباقة الإنترنت المنزلي التي تقدم 140 غيغابايت شهدت ارتفاعا بمعدل 49 في المئة.
وجاءت القرارات وسط حالة من الإحباط سادت المتعاملين مع خدمات الاتصالات، التي تؤثر في قطاعات عديدة لديها استخدامات اقتصادية، وقد يؤثر ذلك على أسعار المنتجات التي تقدم إلكترونيا.
وسيظل التأثير المباشر بالنسبة إلى الاشتراكات الشهرية كبيرا، والتي باتت في حاجة إلى أموال إضافية مع صعوبات معيشية عدة تواجهها قطاعات مختلفة بفعل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه وارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية.
وكانت موافقة جهاز تنظيم الاتصالات الحكومي في أكتوبر الماضي على دراسة طلب شركات المحمول بزيادة أسعار خدمات الاتصالات خطوة تمهيدية لرفع الأسعار، غير أن إعلان شركات الاتصالات قبل أسبوعين اتخاذ قرار رفع الأسعار شهد موجة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتزامن ذلك مع أحاديث رددتها الحكومة بشأن تجميد رفع أسعار الخدمات، ضمن تطمينات قدمتها للمواطنين مع زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى القاهرة، وانتهى الأمر بنفي رسمي لحدوث زيادات.
وفي مرات عديدة، نفت زيادة سعر سلعة أو خدمة بعينها وبعد فترة وجيزة تحدث الزيادة، وهناك الكثير من المواطنين يتوقعون تمرير أيّ قرارات تنفي الحكومة اتخاذها، ما ضرب مصداقيتها لدى قطاعات كبيرة لا تعوّل على خطابها الإعلامي، بما يشكل خطرا وقت الأزمات، لأن دوائر حكومية قد تجد نفسها غير قادرة على إقناع المواطنين بصواب رؤيتها تجاه قضايا أكبر من مسألة رفع الأسعار.
ويرى مراقبون أن خطط الحكومة التي اعتمدت عليها بشأن خفض الدعم عن غالبية الخدمات التي تقدمها اعتمدت على امتصاص الصدمة ثم تمرير القرارات دون معارضة، لكن ذلك لم يأت بمردود إيجابي بعد أن أضحت الزيادات فوق قدرة الناس.
كما أن الارتكان على الزيادات التدريجية وعدم شعور المواطنين بارتداداتها لم يعد مؤثرا مع كثافة الضغوط المعيشية على فئات كثيرة من المواطنين، وتظل كل زيادة هي مؤشر على وجود حالة من الإحباط الشعبي.
◄ الحكومة تعتمد، بشأن خفض الدعم عن غالبية الخدمات التي تقدمها، على امتصاص الصدمة ثم تمرير القرارات دون معارضة
ومع أن خطوات الحكومة تهدف إلى إصلاح الوضع الاقتصادي، إلا أن إقناع المواطنين يواجه صعوبة لتبقى رغبتهم تحسين أوضاعهم دون نظر إلى التبعات المستقبلية للقرارات.
وقال نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط إن رفع أسعار خدمات الاتصالات يبرهن أن الحكومة تعتمد على سياسة استمرار تمويل المشروعات وتنفيذها آملة في مساهمة اقتصادية طويلة المدى، ما يقود إلى استمرار القروض التي تبتلع فوائدها معظم الموازنة الحكومية، وأن استمرار ترهّل الأداء الحكومي وانتشار الفساد يؤدي إلى عجز الحكومة عن الوفاء بتثبيت أسعار الخدمات.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن استمرار الحكومة في نفس سياسات أوجه الصرف الحالية وعدم القيام بإصلاح مؤسسي يعتمد على الشفافية التشاركية، فإن الثقة ستظل مفقودة بسبب أنها تبقى مرغمة على اتخاذ قرارات تعمل بمقتضاها على توفير أوجه مالية لسد عجز الموازنة، ووعودها لن تكون ذات قيمة بالنسبة إلى الكثير من المواطنين.
وأشار الخراط إلى أن الخبز كان يمثل الخدمة الرئيسية الأهم بالنسبة إلى المواطنين، والآن صارت خدمات الاتصالات مكونا أساسيا، وعنصر دخل رئيسي لأصحاب المهن الصغيرة والعمالة غير الماهرة ووسيلة تواصل مع وجود 60 في المئة من الاقتصاد المصري تحت مسمّى الاقتصاد غير الرسمي، ما يجعل تأثير القرارات الأخيرة واسعا.
وذكر في حديثه لـ”العرب” أن الاقتراب من الاتصالات هو مساس بمكونات الحياة الأساسية للمواطنين في هذا العصر، ما يفسر حالة الرفض التي صاحبت الإعلان عن زيادة أسعار هذه الخدمات، وتوقعنا حدوث زيادة في وقت مناسب لتمريرها.
وكان المهندس محمد شمروخ الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات قد أكد أن استثمارات الشركات بالعملة الأجنبية، ومع ارتفاع معدل التضخم وتغير سعر الصرف مؤخرا، رأى الجهاز أحقية الشركات في مراجعة أسعار الخدمات.
وقدمت دوائر حكومية مبررات قادت إلى زيادة أسعار خدمات الاتصالات، من بينها أن الشركات الأجنبية تواجه تحديات في تحويل أرباحها من العملة المحلية إلى الدولار أو العملات الأخرى، ما أدّى إلى انخفاض نسبة أرباحها، وارتفاع تكاليف استيراد معدات الأبراج والمحطات، وزيادة تكلفة تشغيل المحطات باستخدام السولار نتيجة لارتفاع أسعار المواد البترولية.
وتسعى القاهرة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الاتصالات وغيره من القطاعات بما يضعها أمام تحد الاستجابة لمطالبها، فهناك بيئة جاذبة لكنها تصطدم بصعوبة تحميل المزيد من الأعباء على المواطنين، خاصة أنها طبقت ضريبة القيمة المضافة على شركات الاتصالات عام 2017، وبالتالي هناك حاجة لتتحمل الشركات أو المواطن هذه الزيادة، إلى أن جرى تحميلها في النهاية للمواطن.
ورغم أن شعبة الاتصالات المصرية أكّدت أن الوقت الحالي ليس هو الأنسب لطلب الشركات زيادة أسعار خدماتها، بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة وتأثيرها على الناس وضرورة مراعاة قدرة المستهلكين على تحمل الزيادات المحتملة في الأسعار، غير أن ذلك لم يكن له تأثير على مجمل القرار الحكومي النهائي.
وتعمل في السوق المصرية أربع شركات لتشغيل شبكات اتصالات الهاتف المحمول، هي “فودافون مصر” التابعة لمجموعة فودافون البريطانية، و”أورانج مصر” التابعة لمجموعة أورانج الفرنسية، و”اتصالات مصر” التابعة لشركة اتصالات الإماراتية، و”وي” المملوكة للشركة المصرية للاتصالات الحكومية.
اقرأ أيضا:
• مصر تسّوق لحقوق الإنسان من بوابتي التشريعات والحوار الوطني