مصر تريد إضعاف ورقة الاستقواء بالخارج في الملف الحقوقي

الحكومة المصرية تصر على أن يكون الإفراج عن الناشط علاء عبدالفتاح وفقا لقوانين وضوابط وقواعد مصرية.
الثلاثاء 2022/11/15
مناشدات محلية للإفراج عن علاء أكثر جدوى من الضغوط الدولية

القاهرة - قاومت الحكومة المصرية الضغوط التي مورست عليها من جهات دولية للإفراج عن الناشط السياسي علاء عبدالفتاح في الأيام الماضية وأصرت أن يكون الإفراج عنه وفقا لقوانين وضوابط وقواعد مصرية، وليس رضوخا لإملاءات خارجية.

ووصلت هذه الرسالة إلى أسرة علاء عبدالفتاح أخيرا وتأكدت أن الضغوط الإعلامية التي قادتها شقيقته سناء خلال مشاركتها في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ لن تفيد في عملية الإفراج عنه سريعا، واقتنعت أن الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن ينجو بها من الحبس تتمثل في خطاب “استعطاف” للرئيس المصري عبدالفتاح السياسي للحصول منه على عفو رئاسي قريبا، وهو ما قامت به الشقيقة منى منذ ثلاثة أيام.

ويقبع علاء عبدالفتاح بسجن وادي النطرون في غرب القاهرة لقضاء حكم قضائي مدته خمس سنوات منذ ديسمبر الماضي بعد اتهامه بـ”نشر أخبار كاذبة تقوض الأمن القومي للبلاد”، وفشل محاميه في زيارته بعد إضرابه عن الطعام والشراب.

وحصلت أسرته على الجنسية البريطانية له في أبريل الماضي لتمكينه من الخروج، غير أن الحكومة المصرية لم تستوف الإجراءات القانونية اللازمة لاستكمال الخطوات الإدارية الخاصة بمسألة مزدوجي الجنسية، في إشارة تفيد برفض هذه الحيلة التي تصب أيضا في خانة زيادة الضغوط الخارجية.

وتيقن المحامي خالد علي الذي يتولى الدفاع عن علاء أن أي ضغوط خارجية تتسبب في تعقيد الموقف بالنسبة إلى علاء، فقام بنشر بيان على صفحته مساء السبت يُعلي من قيم الدولة المصرية ويتنصل من كل محاولات هدفت إلى ممارسة ضغوط عليها.

وتعاطف عشرات من الحقوقيين والإعلاميين والمثقفين والنشطاء السياسيين مع البيان وقاموا لاحقا بالتوقيع على بيان موجه إلى الرئيس السيسي يتضمن معاني الاستعطاف والأمل والرجاء والتنصل من مواقف الجهات الخارجية لإنقاذ حياة الشاب بعد الإعلان عن دخوله في إضراب عن الطعام والشراب مؤخرا، ما يعرض حياته للخطر.

وقال خالد علي في بيانه على صفحته الخاصة على فيسبوك والموجه إلى رئيس الدولة مباشرة “نلتمس من سيادتكم إصدار قرار بالعفو عن السجين علاء عبدالفتاح، ليس من أجل بيانات برلمانات أوروبا، ولا الحائزين على جائزة نوبل، ولا وكالات الأنباء العالمية، ولا المنظمات الدولية، ولا حتى مؤتمر المناخ، ومناشدات رؤساء العالم، بل من أجلنا نحن، من أجل مصر، ومن أجل احترامنا لذاتنا، ومن أجل الأمل لدى أبنائنا، ومن أجل وطن يتسع للجميع”.

وحرصت الصيغة السابقة على قطع العلاقة بين علاء وكل الجهات الخارجية، وكأنها تلبي طلبا أو حاجة لدى أجهزة الدولة التي حاول البعض تضخيم قابليتها للضغوط.

وأضاف المحامي “أفرجوا عن علاء ليس رضوخا للخارج، لكن استجابة لتطلع المصريين الذين رحبوا واحتفلوا بمن أفرجتم عنهم في الشهور الماضية.. نرجوكم الاستجابة لمشاعر ورغبة جمهور من شباب المصريين المتطلعين لخروجه سالما”.

مصر تفصل بين إفراجات سابقة عن مصريين حصلوا على جنسيات أجنبية وبين الضغوط الخارجية

ويبدو أن خالد علي تلقى تطمينات أو رسالة سياسية ضمنية بأن هذه الطريقة هي الوحيدة التي تقنع النظام المصري لإصدار عفو عن موكله، وأن التمادي في اللجوء إلى الخارج سيؤدي إلى تعقيد الأزمة وليس تسويتها، ما دفعه إلى كتابة بيان دقيق يحوي المعاني المطلوبة وطرق الأبواب السلمية التي لا تحمل استفزازا للنظام المصري أو تظهر عملية الإفراج المنتظرة كأنها جاءت تلبية لمطالب خارجية.

وتصاعدت حدة أزمة الناشط علاء عبدالفتاح مع الضجيج الذي صاحبها خلال مؤتمر المناخ المنعقد في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر الجاري، وكادت تفاعلاتها السياسية والإعلامية والحقوقية أن تغطي على المؤتمر الذي حاولت جماعة الإخوان القفز عليه، ووصفته بأنه مؤتمر “علاء عبدالفتاح” بدلا من مؤتمر المناخ كي توحي بأن الحكومة المصرية ضعيفة.

وتشبثت القاهرة بسياسة العناد، ففي الوقت الذي كان يمكن إدراج اسم علاء ضمن لجنة العفو الرئاسي التي أطلقت سراح عشرات من المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين في الفترة الماضية، رفضت إدراج اسمه ضمن قوائمها المتعددة وتجاهلت الكثير من المناشدات، لأن القضية تحولت من إفراج عن شخص إلى مساس بما يوصف بـ”كرامة الدولة” وتصوير قيادتها بأنها تستجيب للضغوط.

وأخذت معادلة التصعيد المتبادل منحى كاد أن يؤدي إلى تجميد قضية علاء، لأن ما يعرف بـ”الاستقواء” بالخارج إذا نجح هذه المرة سوف تصبح القاهرة عُرضة للابتزاز والضغوط المضاعفة في كل مرة يتم إلقاء القبض فيها على ناشط.

الملف الحقوقي يظل صداعا للحكومة المصرية ولن تزول همومه ما لم تطبق عمليا الإستراتيجية التي أعلنها الرئيس السيسي الخاصة بحقوق الإنسان

ويقول مراقبون إن الصيغة الوسط والمنتجة لكل الأطراف جاءت من رحم مناشدة الرئيس السيسي بالإفراج عن علاء في سياق سياسته للعفو العام التي تقوم بها لجنة خصصها لهذا الغرض منذ أبريل الماضي، بحيث يتم نزع فتيل “الاستقواء” ويظهر الموقف على أنه جاء ضمن حسابات داخلية صرفة، وهي رسالة للمستقبل تريد سد المنافذ على اللجوء إلى طريق صار مزعجا للدولة المصرية.

وتوقع هؤلاء المراقبون أن تتم عملية الإفراج عن علاء عبدالفتاح عقب انتهاء مؤتمر شرم الشيخ، وضمن قائمة جديدة تضم العديد من النشطاء والحالات المشابهة، ونزع صفة الاستثناء عنه لتأكيد أن الإفراج يخضع لقواعد وثوابت وضوابط مصرية، ومن يلجأ إلى الخارج لن ينال حريته.

ويهدف هذا التوجه إلى التخلص من إحدى الأدوات الخارجية أو تقليل اللجوء إليها لأن ملف حقوق الإنسان مزمن في مصر ومثقل بالثقوب والعيوب وسجله غير إيجابي منذ سنوات طويلة، وكان يمثل منغصا في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك الذي كانت لديه قابلية كبيرة للاستجابة للضغوط الخارجية.

وتسعى الحكومة المصرية لتقويض هذه الورقة حاليا، ونفي وجود علاقة بين إفراجات سابقة عن مصريين حصلوا على جنسيات أجنبية أميركية وفرنسية وإيطالية، وبين الضغوط الخارجية، وتحاول عدم تكريس هذا المنهج كي لا يتحول إلى سيف مسلط على رقبتها.

ويظل الملف الحقوقي صداعا للحكومة المصرية ولن تزول همومه ما لم تطبق عمليا الإستراتيجية التي أعلنها الرئيس السيسي الخاصة بحقوق الإنسان، ووقف التمادي في القبض على النشطاء من قبيل الاعتبارات الأمنية، وتغليب الرؤى السياسية التي تتناسب مع تطلعات الدولة في خلق بيئة تعلي من شأن الحريات وتخلو من التجاوزات الحقوقية التي يتم عادة تسليط الضوء عليها دوليا.

2