مصر تراهن على الفنادق لجذب الشباب والطبقة المتوسطة

تعتزم الحكومة المصرية التوسع في إنشاء فنادق من فئة النجوم الأقل لجذب الطبقات المتوسطة والفقيرة من السائحين التي لا تستطيع تحمّل تكلفة الفنادق الفاخرة، وتعزيز وضعها كبلد تناسب أسعاره الجميع.
القاهرة – تخطط وزارة السياحة المصرية لتنويع خدماتها لتناسب جميع الفئات من السائحين للخروج من عباءة الأسواق التقليدية التي تعتمد عليها طوال تاريخها، والتي تتعرض لهزات عنيفة حال وقوع حوادث أمنية.
وقّعت مصر اتفاقيات لتسيير رحلات طيران مباشرة بين مدينة شرم الشيخ وأذربيجان وأوزباكستان وصربيا، لتنشيط حركة السياحة والسفر لجنوب سيناء، بالتزامن مع نشاط داخلي من المسؤولين يتعلق بعقد اجتماعات مع السفراء الأجانب في القاهرة للدول الصغيرة لاستطلاع آرائهم حول تسيير وفود سياحية بأسعار زهيدة.
واجه القطاع السياحي مشكلة بعد سقوط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء في 2015، بعدما اضطرت فنادق لإغلاق أبوابها واستغنت عن عمالها على وقع توقف السائحين الروس، لتفكر الحكومة في مصادر جديدة متنوعة بدلاً من الاعتماد على مقاصد بعينها.
ووفقا لمصادر بوزارة السياحة، فإن الفنادق منخفضة الرفاهية مناسبة للغاية لمشروع رحلة العائلة المقدسة التي تتضمن 25 مسارًا تمتد لمسافة 3500 كيلومتر من سيناء حتى جنوب مصر، والذي تخطط الوزارة لتسجيله على قائمة التراث “غير المادي” باليونسكو بعد إقرارها من الفاتيكان ضمن رحلات حج المسيحيين الكاثوليك.
وأكدت المصادر، لـ”العرب”، أن المحطات على طول المسار تفتقد للخدمات الفندقية بوجه عام، ما يجعل الاستثمار في المنشآت السياحية ذات النجوم الأقل أفضل باعتباره منخفض التكاليف في الإنشاءات والتشغيل، ويناسب طبيعة سائحين يهمهم الجانب الديني والزهد أكثر من رفاهية الإقامة بفنادق فاخرة.
وتتراوح أسعار الإقامة الكاملة بفنادق النجمتين والثلاث بين 10 و30 دولارا لليلة الواحدة تتضمن تقديم وجبة الإفطار، ما يجعلها مناسبة للسائحين من محدودي الإنفاق، لكنها تتركز في القاهرة والجيزة المجاورة لها ولا توجد أعداد كبيرة منها في المقاصد السياحية مثل شرم الشيخ والغردقة.
وقالت ميرفت حطبة، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للسياحة التابعة للحكومة، إن الفنادق في مصر لا تلبّي رغبات جميع السائحين الذي ينتمون إلى شرائح متباينة من الدخول وفئة كبيرة منها كالطبقة المتوسطة تناسبها فنادق النجمتين والثلاث، وشركتها تمتلك فنادق من تلك الفئة، وتعتزم التوسع وإنشاء المزيد منها.
ويواجه التوسع في إنشاء هذه الفنادق مشكلة في عدم التفريق بينها وبين “اللوكاندات” و”البنسيونات” “والاستديوهات” الصغيرة وتحمل قدرا من الصورة السلبية الملتصقة بمستوى النظافة والأمان ووقوع بعضها كجزء من مبان سكينة بمناطق مزدحمة، ما قد يجعل السائح عرضة للتحرش أو الابتزاز المالي.
انتشرت الفنادق الصغيرة أو “اللوكاندات” كما يطلق عليها في مصر، منذ افتتاح قناة السويس عام 1859 وما صاحب الحدث من توافد غير مسبوق على ميناء الإسكندرية من السائحين والزوار لتستغل العائلات الأجنبية المقيمة في المدينة الفرصة بدعوة أصدقائها للإقامة في بيوتهم بمقابل مادي بسيط لتتحول بعدها لنشاط انتشر في مدن مصرية كثيرة، قبل أن تقننها الحكومة المصرية وتضع مجموعة من التراخيص لها عام 1901.
وأكد عاطف عبداللطيف، رئيس جمعية “مسافرون” للسياحة والسفر، أن الحكومة تخطط لجذب السياحة الشبابية التي لا يهمّها عدد النجوم ولا مستوى الرفاهية ولا تتعدّى اهتماماتها المكان النظيف للنوم حتى لو في غرف مشتركة، والمطعم الصحي لتناول الوجبات.
ويبدو أن مصر تخطط لتكرار التجارب الفرنسية والإسبانية والإيطالية التي تعتمد على “الهوستيل” أو بيوت الاستضافة التي يقوم النزيل بحجز سرير بغرفة مشتركة مع آخرين، وكذلك توفير “الموتيلات” على طرق السفر أو خارج المدن، بهدف توفير المزيد من البدائل أمام الوافدين للاختيار بينها.
مصر تخطط لتكرار التجارب الفرنسية والإسبانية والإيطالية التي تعتمد على {الهوستيل} أو بيوت الاستضافة
وتسعى وزارة السياحة لكسر ثقافة محلية بأن الفنادق رخيصة الثمن، سيئة الخدمة في معظم الخدمات الأساسية من تنظيف الغرف وخدمة غسيل الملابس وتقديم وجبات غذائية، بجانب خدمات الإنترنت والتوصيل وأماكن لركن السيارات، لكنها تختلف في مستوى الرفاهية من حيث توافر صالات الاجتماعات واللياقة البدنية وصالات الديسكو والبارات.
وقال عبداللطيف، لـ”العرب”، إن السياحة الشبابية رغم انخفاض العائد الإنفاقي من ورائها إلا أن مكاسبها غير المباشرة كبيرة، باعتبارها تمثل دعاية مجانية للمقاصد السياحية بكمية الصور ومقاطع الفيديو التي يلتقطها الشباب للأماكن التي يزورونها ويتداولونها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تشجع آخرين على تقليدهم.
وتعتبر الحكومة المصرية منتدى شباب العالم، الذي نظمته على مدار عامين بمدينة شرم الشيخ، ضمن خطة سياحية لإظهار الصورة الإيجابية للمقاصد المصرية والترويج لها، في ظل دراسات تؤكد أن جزءا كبيرا من حركة السفر والطيران في العالم حاليًا يستأثر بها شباب دون الثلاثين عامًا.
ويفضّل المسافرون الفرادى الإقامة بغرف مشتركة للتعرّف على ثقافات وعادات الشعوب الأخرى، ومواجهة مشكلات السفر المتعلقة بالشعور بالوحدة والخوف من الضياع بتوافر سائحين آخرين لديهم خبرة يمكنه اللحاق بهم في تحركاتهم أو على الأقل الاستماع لنصائحهم، حول الأماكن الأولى بالزيارة وكيفية الوصول إليها، وفي النهاية الخروج بأصدقاء جدد.
ويرى عبداللطيف أن انخفاض أسعار الفنادق الفاخرة حالة مؤقتة مدفوعة بتداعيات عدم الأمن الذي شهدته مصر في أعقاب المرحلة الانتقالية وحادث سقوط الطائرة الروسية.
ويطالب خبراء بتطوير البنية التحتية من الفنادق القائمة من الفئات الأقل وتأهيل العاملين بها، ووضعها على خارطة الحركة السياحية، قبل البدء في بناء المزيد وفتح المحال للتفتيش الصحي الأجنبي على المنشآت لمواجهة مزاعم متكررة عن تسبب مطاعم مصرية في أمراض للسائحين بسبب اعتمادها على مواد خام رخيصة.
وأوضح عماري عبدالعظيم، رئيس شعبة أصحاب الشركات العاملة بمجال الطيران والسياحة بغرفة القاهرة التجارية، أن مصر أنشأت تسعة مطارات جديدة لمواكبة التطورات المستقبلية في حركة التدفق السياحي وتسهيل حركة السفر، لكن لا يواكبها تطوّر في الدعاية والتسويق بالخارج وبحث مشكلات الشركات والتركيز فقط على الفنادق.
وتجتذب المقاصد المصرية حاليا شرائح جديدة من السائحين ينتمون إلى طبقات أقل دخلا مع رخص أسعارها وبرامجها التي تقدم إقامة كاملة لمدة أربعة أيام بأسعار تتراوح بين ألف و1300 دولار.
معروف عن مصر أنها تجتذب السائحين الأقل إنفاقا فحتى عام 2010 الأفضل في تاريخ السياحة المصرية تم جذب 14 مليون سائح، ولم يزد إجمالي العائد عن 10 مليارات دولار تعادل 711 دولارًا للسائح الواحد، شاملة الإقامة والمطاعم والطيران والتسوق.
وأشار عبدالعظيم، لـ”العرب”، إلى أن الفترة الحالية لا تحتاج المزيد من الفنادق ذات النجوم المنخفضة، لأن مصر بلد رخيص للغاية، يمتلك كمية من الفنادق الحالية تكفي لاستقبال نحو 13 مليون سائح، تمثّل ضعف عدد السائحين الذين يزورون البلاد في السنوات الأخيرة.
وذكرت غرفة المنشآت الفندقية أن عدد الفنادق ذات الثلاث نجمات بلغ 238 فندقًا بطاقة إجمالية 36 ألف و637 غرفة، وذات النجمتين 168 فندقا بطاقة إجمالية 11 ألف و767 غرفة والنجمة الواحدة 91 فندقا بطاقة إيوائية 3483 غرفة، من إجمالي 1171 فندقًا تضم 195 ألف غرفة.
ورغم ذلك العدد الكبير من الفنادق إلا أنه يتسم بغياب التوزيع الجيد فمعظمها يتركز في مدن جنوب سيناء والقاهرة والإسكندرية، وينخفض العدد في مقاصد سياحية أخرى مثل الساحل الشمالي الغربي ما يجعل الفنادق الرخيصة حلاً مثاليًا يواكب مجهود الدولة لاستثمار المنطقة التي لا تنشط إلا في فصل الصيف فقط بالسياح المحليين الذين يقيمون في القرى والتجمّعات السكانية المغلقة.