مصر تراهن على الصكوك والسندات لإنقاذ الاقتصاد

تنويع أدوات التمويل لجذب الدولارات من الخارج ومغازلة الراغبين في الاستثمار الإسلامي.
الثلاثاء 2023/02/28
قرض لسداد قرض!

دفعت مصر بأداة جديدة لتسريع وتيرة تدفق الأموال الخارجية، ونجحت في طرح أول صكوك سيادية في تاريخها، باعتبارها شبكة مهمة لاصطياد العملات الأجنبية، ومغازلة شريحة ممن يريدون استثمارا بغطاء إسلامي، بما يشجع على تنويع طرق جذب رؤوس الأموال.

القاهرة - أتمت الحكومة المصرية أول إصداراتها من الصكوك السيادية بنحو 1.5 مليار دولار، والتي تلقت طلبات بأكثر من المستهدف، وهو مؤشر مهم على نظرة المستثمرين الأجانب للسوق المحلية حاليا.

وشهد الطرح خلال الأسبوع الماضي طلبا كبيرا من دول مختلفة في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، فضلا عن دول الخليج العربي.

وتمت تغطية الصكوك بأكثر من أربع مرات لأنها استهدفت مستثمرين من دول الخليج وشرق آسيا، وهم ممن يحبذون الاستثمار فيها.

وتعد أداة الدين هذه، التي تُطرح عادة بالعملات المحلية أو الأجنبية، وسيلة إنقاذ عاجلة للالتزامات المصرية خلال الأجل القصير لسداد أقساط ديون مستحقة أو توفير الدولار لاستيراد السلع الأساسية من الأغذية والأدوية.

رشاد عبده: ارتفاع العائد على الصكوك سبب رئيسي في تغطيتها
رشاد عبده: ارتفاع العائد على الصكوك سبب رئيسي في تغطيتها

ومع ذلك لا يمكن الرهان عليها لنقل الاقتصاد إلى مرحلة التعافي والنمو في الأجل الطويل، إذ لا توجد فرصة لتوجيه سيولة نحو استثمارات جديدة تولد عائدا في فترات لاحقة.

وساعدت عائدات هذه الصكوك، القاهرة على سداد سندات دولية بقيمة 1.25 مليار دولار، إذ بلغ العائد عليها 5.57 في المئة، أي ما يقرب من نصف العائد الذي تدفعه الدولة على الصكوك.

وجاءت الخطوة في إطار استهداف القاهرة شريحة جديدة من المستثمرين، إذ يوجد الكثير منهم يرغب في استثمار أموالهم وفقا للشريعة الإسلامية أو غطاء يمنحهم ثقة في عدم حصول عوائد ربوية، وهؤلاء يضربون عرض الحائط بالفتاوى التي أحلت التعامل مع البنك.

وتعد الصكوك إحدى أدوات الاقتراض وتُشبه السندات، لكنها تختلف في إصدارها والحصول على العائد، والذي يسمى “مرابحة” لتوفير غطاء شرعي.

وتأخذ الصكوك وصف الإسلامية، لأنها ترتبط بمشروع محدد، ولا يتم تحديد الفائدة مقدما، ويتم تقاسم الربح والخسارة، بينما الإسلام يُحرم الاقتراض دون سبب، لكن لأجل المشاركة في مشروع ما.

ولهذا ثمة قناعة بين الخبراء بأن التعامل بالصكوك قد ينتعش في مصر المرحلة المقبلة، لأنها أداة تمويل مهمة بصرف النظر عن المسمى.

كما أنها أداة على غرار السندات، لكنها تواجه مخاطر أقل من الثانية، فعملية إصدارها تمر بمراحل تقلل مخاطرها، إذ يوجد مدير للطرح وشركة تصنيف ائتماني وشركة تصكيك.

وكل تلك الأطراف تتخذ الإجراءات المناسبة التي توضح للمستثمر عدم وجود مخاطر، ما يطمئنه أثناء فترات عدم الاستقرار، مثل الظروف المتقلبة التي تشهدها أسواق العالم، وفي مقدمتها مصر.

وينفي خبراء وجود علاقة بين تغير نظام مصر الاقتصادي الحالي إلى ما يوصف بـ”الاقتصاد الإسلامي” كونها طرحت صكوكا بهذا المعنى، لأن تلك الأداة آلية تمويل لا علاقة لها بالشرائع.

وكانت بريطانيا سباقة في المجال إذ أصدرتها لأول مرة عام 2014، بينما كان الإصدار الثاني في 2020 عندما دعت إدارة الدين في لندن البنوك وقتها إلى المساعدة في بيع إصدار للبلاد من الصكوك السيادية.

وأصبحت بريطانيا أول دولة غربية تصدر صكوكا (سندات) إسلامية وجمعت 200 مليون جنيه إسترليني من إصدار مدته 5 سنوات بلغت فيه طلبات الاكتتاب عشرة أضعاف المعروض، فيما تسعى لندن لتصبح أهم سوق عالمية للخدمات المالية.

مصر تطرق أبواب المستثمرين بغطاء إسلامي
مصر تفتح الأبواب للمستثمرين بغطاء إسلامي

وقال الخبير الاقتصادي رشاد عبده لـ”العرب”، إن “الصكوك من الأدوات التمويلية ذات الصبغة الإسلامية المنتشرة في الخليج وشرق آسيا وبعض الأسواق الأوروبية”.

وأوضح أن السلطات رأت أن تلك الأداة من الآليات المهمة للحصول على الدولار، ولا علاقة لنجاح طرح أول إصدار بالإشادة باقتصاد مصر.

وبرر عبده ذلك بأن المستثمر يحسب العائد الذي يحصل عليه، وفي هذه الحالة أعلى من الاستثمار في أي أداة أخرى، وبالتالي فارتفاع العائد من أسباب جذب المستثمرين.

ويرى خبراء أن ارتفاع معدل تغطية طرح الصكوك دليل ثقة على قوة الاقتصاد المصري وقدرته على تحقيق العائد النهائي، لأنه اجتذب طلبات اكتتاب بقيمة 6.1 مليار دولار.

وأدت هذه الطلبات إلى انخفاض العائد النهائي إلى نحو 10.8 في المئة من السعر الاسترشادي الأولي البالغ 11.6 في المئة.

وقررت وزارة المالية إنشاء برنامج دولي لإصدارات الصكوك السيادية في السنوات المقبلة بقيمة 5 مليارات دولار، وتم تسجيله في بورصة لندن منتصف هذا الشهر، وفقا لما هو متبع في هذا الشأن كونه أول إصدار للصكوك الإسلامية السيادية في مصر.

ويعني هذا حرص القاهرة على أخذ الحيطة لضمان مصدر للدولار في ظل تقلبات أسعار الصرف مع توفير السيولة اللازمة لأقساط الدين والاستحقاقات الأجنبية اللاحقة، كما يمكن اعتبار نجاح أول طرح نافذة لتخفيف الضغط على الدولار.

ياسر عمارة: أداة سهلة بيد الحكومة لا تعني التحول في نظام الاقتصاد
ياسر عمارة: أداة سهلة بيد الحكومة لا تعني التحول في نظام الاقتصاد

وأكد المحلل الاقتصادي ياسر عمارة أن القاهرة لجأت إلى الصكوك الإسلامية، لأنها الوسيلة الوحيدة السهلة المتاحة أمامها حاليا، وهي أداة استثمارية لا تعني التحول في سياسة الاقتصاد.

ولا يشير اتجاه مصر لهذه الأداة إلى أنها استغناء عن السندات الدولارية التقليدية في الأسواق العالمية، لكن الوقت غير مناسب تماما لها، مع ارتفاع الفائدة على الدولار والذي يُجبر الحكومة على رفع الفائدة على السندات بمعدل كبير يزيد أعباء الديون.

وحال إقبال القاهرة على السندات الدولارية ربما لن تجد زبونا يُقبل عليها بعد خفض تصنيفها الائتماني من قبل مؤسستي فيتش وموديز للتصنيف الائتماني مؤخرا.

وأعلنت فيتش تغيير نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني إلى سلبي من مستقر، مع الإبقاء عليه عند بي+.

وقالت في مذكرة مؤخرا إن “ذلك يعود إلى تدهور وضع السيولة الخارجية وتراجع احتمالات الوصول إلى أسواق السندات الدولية، ما يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الجاري وآجال استحقاق الديون الخارجية”.

وخفضت موديز تصنيف مصر السيادي درجة واحدة إلى بي 3 من بي 2 هذا الشهر. وقالت إنها “لا تتوقع انتعاش السيولة في مصر وتحسن وضعها الخارجي سريعا”.

وأوضح عمارة لـ”العرب” أن طرح السندات الدولارية خطوة سهلة من ناحية الإجراءات، لكن لم تستطع مصر مجاراة الأوضاع العالمية الخاصة بأسعار الفائدة، عكس الصكوك التي لها ضمانات.

ويعد العائد الذي قررته الحكومة مرتفعا للغاية، حال المقارنة بأسعار الفائدة العالمية والتي تصب في أقصاها إلى 9 أو 10 في المئة، إلا أن الحاجة الماسة للدولار سبب رئيسي لعدم خفض أسعار الفائدة على تلك الصكوك.

10