مصر تراهن على الاستثمارات الأجنبية لتوطين سلاسل الإمداد

تعمل مصر على جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن مقاصد استثمارية خارج الحدود، وذلك بتكثيف الترويج للمشاريع المتعلقة بها وعقد لقاءات مع مستثمرين لإطلاعهم على الفرص الواعدة في قطاع اللوجستيات كخطوة عملية لتوطين سلاسل الإمداد.
القاهرة - وضعت السلطات المصرية رهانا كبيرا على الاستثمارات الأجنبية، وأخذت خطوات عملية في مجال تدشين عدد من المناطق اللوجستية في أنحاء البلاد كي تتمكن من توطين سلاسل الإمداد عبر الرهان على شركات عالمية متعددة.
وتتضمن الخطة إنشاء 60 منطقة ومركزا لوجستيا مع حلول عام 2030. وتستند الحكومة في خطتها على ما قامت به من شراكات مع القطاع الخاص المحلي والخارجي للتوسع في إنشاء المناطق والمراكز اللوجستية في محافظات مختلفة.
ويتم تخصيص بعض المناطق لخدمة المحافظات التي دُشنت بها، بينما تخدم المناطق الأخرى المحافظات القريبة منها.
وتأتي خطط توسيع البنية التحتية اللوجستية بغرض استغلال مساهمة التجارة الداخلية المتنامية في الناتج المحلي الإجمالي والتي ارتفعت من 14.7 في المئة في العام المالي 2021 – 2020 إلى 22 في المئة العام المالي الماضي، وفقا لبيانات وزارة التموين والتجارة الداخلية.
وتشمل خطة الحكومة الواعدة إنشاء 8 مناطق لخدمة المحافظات التي أُسست بها المنطقة، وإيصال ثلاث منها إلى مراحل تنفيذية، فيما تشمل الخطة تأسيس 52 منطقة لخدمة المحافظات المحيطة، بينها 11 منطقة تعمل الحكومة حاليًا على تدشينها.
ويتوزع نصيب المناطق اللوجستية في المحافظات حتى الفترة الراهنة كالتالي: 82 فدانا في الغربية، 91 فدانا في البحيرة، 15.5 فدان في قنا، 5 أفدنة في الفيوم، 17 فدانًا في المنوفية، 47 فدانا في الدقهلية و3 أفدنة في الأقصر.
وقال أحمد الشامي خبير النقل واللوجستيات لـ”العرب” إن “مصر تعمل في مجال اللوجستيات ضمن مرحلة الجيل الثالث التي تركز على سلاسل الإمداد مع استدامتها”.
وأوضح أن ذلك يتم بالسماح للشركات بالتوزيع مع منحها الفرصة باستثمار الأراضي المتاحة في مجالها بدلاً من استغلالها بشكل كامل في التخزين.
وأعلنت وزارة التموين في يونيو الماضي البدء في تدشين منطقتين لخدمة الأغراض التجارية واللوجستية في محافظة كفر الشيخ على مساحة 22 فدانًا، وتشتمل على مستودعات ومخازن ومصانع تعبئة وتغليف ومخازن تبريد ووحدات مكتبية وخدمية.
وتخطط الحكومة أيضا لطرح مناقصة على منطقة في محافظة الشرقية مساحتها 35 فدانا، وأخرى في محافظة البحر الأحمر على مساحة 60 فدانًا، فضلاً عن منطقة بمحافظة السويس على مساحة 30 فدانًا.
وأكد الشامي لـ”العرب” أن توطين سلاسل الإمداد ونجاح المناطق اللوجستية يتحققان عبر عوامل تتوفر في مصر، مثل الموقع الجغرافي المتميز.
وأشار كذلك إلى ضرورة أن تكون بالقرب من المناطق الصناعية أو من المنافذ البحرية حال التركيز على التصدير مع وجود مسار محوري للطرقات لربط المحافظات ببعضها.
وتراهن القاهرة على القطاعين الخاص المحلي والأجنبي لتعزيز التعاون والتوسع بالمراكز اللوجستية ومساعي تأسيس مخازن شاسعة ومناطق أخرى لسلاسل الإمداد.
ويعزز استخدام التكنولوجيا والمعدات الحديثة والعنصر البشري الماهر والربط الإلكتروني بالعملاء مع وجود الأماكن المجهزة ذات المساحات الشاسعة من فرص توطين سلاسل الإمداد وجذب الشركات العالمية لتخزين بضائعها في السوق المحلية.
وتسعى الحكومة منذ ثلاث سنوات لتطوير مخازنها المتخصصة في الأغذية، إذ وقعت في 2020 على اتفاقية لتجارة الجملة بالتعاون مع شركة سيماريس والوكالة الفرنسية للتنمية لتطوير كفاءة أسواق تجار الجملة، وقبل عام منذ ذلك أبرمت اتفاقية بنصف مليار دولار.
وأشار الشامي إلى أن القطاع الصحي من أبرز المجالات التي يجب التركيز عليها لجذب القطاع الخاص في المناطق اللوجستية التي من شأنها توطين سلاسل الإمداد، خاصة الأدوية والخامات المستخدمة في تصنيعها.
ولفت أيضا إلى الأدوات المستخدمة في العمليات الجراحية الكبيرة مثل دعامات القلب، لكن الشركات الحكومية تركز على السلع الغذائية الإستراتيجية من أجل تحقيق الأمن الغذائي في البلاد.
ووقع جهاز تنمية التجارة الداخلية مع مجموعة اللولو العالمية (لولو ماركت) اتفاقية لإنشاء 4 مراكز تجارية كبرى (هايبر ماركت) في مدن السادس من أكتوبر والقاهرة الجديدة والعبور.
وقالت المجموعة إنها “تدرس إقامة منطقتين لوجستيتين لتكونا قاعدة تصديرية للسمك المجمد إلى دول الخليج وأوروبا”.
وطالب خبراء بضرورة تطوير المرحلة الحالية من اللوجستيات في مصر وأن تطبق تجربة الصين التي تعمل ضمن الجيل السادس وتشمل منظومة متكاملة من توفير السلع مع التصنيع.
وإلى جانب ذلك إضافة خطوط إنتاج والتعبئة والتغليف والتخزين، ثم توصيل المنتجات إلى المستخدم النهائي، مع توظيف التكنولوجيا والتعاملات الرقمية.
وتسوق القاهرة حاليا لنحو 26 مشروعا بقيمة استثمارية تبلغ ملياري دولار، وتشمل مخازن ضخمة ومنشآت لأغراض التخزين وخدمة الشركات العالمية التي ستلبي احتياجات المحافظات.
كما أطلقت في العام 2018 خريطة مصر الاستثمارية التي تضم عددًا من المناطق اللوجستية ومشروعات البنية التحتية المرتبطة بها.
ومن المتوقع أن تلعب هذه المناطق اللوجستية دورًا حاسمًا في تنشيط قطاع الصناعة ودعم خطط التوسع بالصادرات، خاصة أن عددا من المستثمرين الدوليين يتابعون المشروعات التي تعلن عنها الحكومة بغرض ضخ استثمارات جديدة.
وتدرس الحكومة تخصيص نحو 133 فدانا بالقرب من المدن الصناعية لتأسيس مناطق لوجستية لصالح القطاع الخاص، تسهم في تسهيل عمليات التسويق والتصدير.
والسبب في ذلك لأنها تضم مصانع للتعبئة والتغليف، من ثم لن يتم نقل البضائع من المناطق البعيدة مثل الوادي الجديد في غرب مصر أو أسوان في جنوبها لتعبئتها في أماكن أخرى.
وتأتي الخطوة ضمن إطار أوسع وأشمل يفسح المجال أمام القطاع الخاص في الاستثمار باللوجستيات، باعتباره الأقدر على انتظام سلاسل الإمداد.
وتريد الحكومة تهيئة مناخ الاستثمار في هذا المجال وتركه للمستثمرين، على أن يقتصر دورها على توفير المناطق الملائمة لسرعة نقل مختلف السلع لكافة المحافظات المصرية.
وأكد إبراهيم بشاري عضو الغرفة التجارية بالإسماعيلية إن اللوجستيات من أهم المجالات الواعدة لتوطين سلاسل الإمداد لكنه أشار إلى أن تحقيقها ليس بالأمر الهين.
وقال لـ”العرب” إنه “ينبغي على السلطات تقديم المزيد من الحوافز، لأنها تعد بديلاً للسلع المستوردة بعد أن عانت البلاد من نقص الخامات في مجالات مختلفة بعد تعطل السلاسل خلال جائحة كورونا، وعقب اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية”.
وأوضح أن التغيرات الجيوسياسية في العالم والحالة المصرية المستقرة تعززان من نجاح خطة الحكومة، لأن هناك شركات تهدف إلى تصدير منتجاتها في مراحل لاحقة، مع ضرورة بذل الجهود للإسراع في ذلك للحاق بركب دول عربية في هذا المجال.
وتسعى العديد من الدول لعقد تحالفات في ما بينها بعدم توقف سلاسل الإمداد، وتعد مصر من أبرز البلدان التي يمكن أن تنتعش حال نجاحها من خلال جذب الأجانب للاستثمار في هذا القطاع.
وفضلا عن ذلك تتمتع مصر بمناطق صناعية يدشنها أجانب حاليا مثل الروسية والصينية، لاحتوائها على مخازن عملاقة تعزز من تخزين منتجاتهم فيها.