مصر تدرس طرح أصول إضافية وعينها على زيادة الاقتراض

القاهرة - أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأربعاء أن المحادثات مع صندوق النقد الدولي لم تتوقف وأن العمل جار بين الطرفين على وضع خطة زمنية جديدة سيتم الإعلان عنها قريبا.
وجاء هذا الإعلان بعدما نقلت وكالة بلومبرغ عن مصادر مطلعة قولها إن القاهرة تقترب من اتفاق مع صندوق النقد “لتوسيع برنامج الإنقاذ الذي تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار إلى حوالي ستة مليارات دولار”.
وأضافوا أن هذا المبلغ قد يرتفع إلى مستوى أعلى حتى من ذلك، في حين أن شركاء آخرين متعددي الأطراف قد يوفرون أيضا تمويلا جديداً.
ومن غير الواضح ما إذا كان إبرام الاتفاق سيحتاج لأسابيع أو شهور، لكنه سيكون حافزاً للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي تُمدد عملية إعادة انتخابه فترة حكمه التي بلغت عقدا تقريبا حتى 2030.
وتعثرت حزمة مالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار تم التوصل إليها مع صندوق النقد قبل عام بسبب عدم سماح مصر بتعويم عملتها أو إحرازها تقدما في ملف بيع أصول الدولة. وأرجأ الصندوق صرف نحو 700 مليون دولار مستحقة في 2023.
غير أن الصندوق أكد هذا الشهر أنه يجري محادثات لتوسيع الحزمة بسبب المخاطر الاقتصادية الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، ويبدو أنه حوّل تركيزه من سعر الصرف إلى استهداف التضخم.
وقالت كريستالينا جورجيفا مديرة الصندوق لشبكة سكاي نيوز هذا الشهر “ينصبّ تركيزنا على جعل الاقتصاد يعمل بأفضل شكل ممكن. وبهذا المعنى، نعم، نعطي الأولوية لمكافحة التضخم ومن ثم بالطبع سننظر إلى سعر الصرف في هذا السياق”.
وقالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك في وقت لاحق إن برنامج مصر يتضمن الحاجة إلى تشديد السياسة النقدية والمالية، إلى جانب نظام مرن لسعر الصرف، “للانتقال تدريجيا إلى نظام استهداف التضخم”.
وتعاني البلاد شحا في العملة الأجنبية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ورفع الفائدة الأميركية على مدار 2022، ما زاد من الضغوط على الاقتصاد، وفاقم التضخم، في وقت انخفضت فيه قيمة الجنيه بأكثر من 96 في المئة خلال 21 شهرا الماضية، ليسجل الدولار 31 جنيها.
وكان الدولار يبلغ 29 جنيها مصريا في السوق السوداء قبل عام، ويُباع الآن بأكثر من 50 جنيها، مقارنة بالسعر الرسمي.
وتتوقع أسعار صرف العملات الأجنبية الآجلة، التي تتنبأ بمكانة الجنيه في أواخر يناير، أن يسجل 35 جنيها للدولار، بينما تلك التي تنظر إلى العام المقبل فتضعه عند ما يقرب من 50 جنيها.
إبرام الاتفاق سيكون حافزاً للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي تُمدد عملية إعادة انتخابه فترة حكمه التي بلغت عقدا تقريبا حتى 2030
وقال مدبولي خلال مؤتمر صحفي إن “الدولة توصل جهودها لتطبيق سياسة وثيقة ملكية الدولة لتهيئة مناخ الاستثمار بشكل أفضل”. وأضاف أن “الدولة حققت 5.6 مليار دولار من خلال التخارج الكلي والجزئي من 14 شركة”.
وأشار إلى أنه تم إجراء دراسات على طرح 50 شركة ضمن برنامج الطروحات، مؤكدًا أنه يتم دراسة إدخال القطاع الخاص في تشغيل وإدارة بعض المطارات.
وبحسب رئيس الوزراء، فإن أربعة قطاعات سيكون لها الأولية في برنامج الطروحات وهي المطارات والاتصالات والبنوك والتأمين.
وشدد على أن برنامج الطروحات مستمر وسيتم الإعلان خلال الفترة المقبلة عن أسماء الشركات التي سيتم طرحها وموعد الطرح.
وتسعى القاهرة من برنامج الطروحات للحصول على مورد إضافي لدعم موازنة البلاد، كما أنَها تأمل في أن يكون تدخل المستثمرين الإستراتيجيين في الطرح أداة لتحسين وضع بعض الشركات المطروحة.
ويضع التدهور المستمر للاقتصاد مصر تحت ضغوط لاتخاذ إجراءات طال انتظارها عقب الانتخابات الرئاسية وفي مقدمتها تخفيض قيمة العملة ورفع الفائدة إلى جانب تسريع مبيعات الأصول الحكومية.
ويرى محللون أن الحكومة أرجأت الخطوات المؤلمة إلى ما بعد فوز السيسي بولاية ثالثة مدتها ست سنوات في انتخابات جرت الأسبوع الماضي ولم تشهد أيّ منافسين جديّين وخيمت عليها الحرب في غزة.
التدهور المستمر للاقتصاد يضع مصر تحت ضغوط لاتخاذ إجراءات طال انتظارها عقب الانتخابات الرئاسية وفي مقدمتها تخفيض قيمة العملة ورفع الفائدة
ويتحول التركيز الآن إلى كيفية التعامل مع العملة المبالغ في تقدير قيمتها والتضخم شبه القياسي والديون الهائلة المحلية والأجنبية على حد سواء.
وقال سايمون وليامز من أتش.أس.بي.سي لرويترز “هناك الكثير من الخيارات الكبيرة التي يتعين على الحكومة الإقدام عليها، لكنّ عملة موثوقا بها هي المفتاح لتحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي”.
ودفع عدم اليقين بشأن أسعار الصرف المغتربين إلى الإحجام عن إرسال ما يجنونه إلى الوطن، مما عصف بمصدر رئيسي للنقد الأجنبي. وانخفضت التحويلات بنحو 10 مليارات دولار إلى 22 مليار دولار خلال 12 شهرا حتى نهاية يونيو 2023.
وقال وليامز “التحويلات تتعلق بالشعور وليس المستوى. يجب إقناع المصريين بأن العملة مستقرة الآن. يجب أن تكون لديهم ثقة في قيمتها. وإذا حدث ذلك فمن الممكن أن تعود التحويلات بسرعة نسبيا”.
ونفذت السلطات ثلاثة تخفيضات حادة لقيمة العملة منذ أوائل 2022، لكنها عادت في كل مرة إلى تثبيت السعر رغم التعهدات المقدمة لصندوق النقد الدولي بالتحول إلى نظام مرن بشكل دائم.
وقال قسم الأبحاث في مورغان ستانلي في مذكرة “نعتقد أن تعديلا على خطوات هو الأرجح على المدى القصير، بدلا من الانتقال إلى ترتيب تعويم”.
وتواجه تدفقات الدولار تهديدات جديدة بعد تأثير الأزمة في غزة على السياحة والهجمات على السفن في البحر الأحمر والتي تمنع بعضها من الإبحار عبر قناة السويس.
وحققت مصر بحسب بيانات بنكها المركزي إيرادات بلغت 13.6 مليار دولار من السياحة و8.8 مليار دولار من رسوم قناة السويس في العام المالي الماضي المنتهي في يونيو 2023.

وتحتاج مصر إلى الدولار لسداد ديونها الخارجية العامة متوسطة وطويلة الأجل والتي قفزت بمقدار 8.4 مليار دولار في الأشهر الستة حتى الأول من يوليو تموز إلى 189.7 مليار دولار.
ومن المقرر سداد ما لا يقل عن 42.26 مليار دولار من الديون الخارجية في عام 2024. وقدر صندوق النقد في يناير الماضي العجز التمويلي لمصر على مدى 46 شهرا بنحو 17 مليار دولار.
وتحتاج مصر أيضا إلى الإفراج عن بضائع متراكمة في الموانئ ودفع متأخرات لشركات النفط الأجنبية والسماح للشركات بإرسال الأموال المستحقة لمكاتبها في الخارج، فضلا عن تلبية الطلب المتزايد على الواردات.
واعتمدت الحكومة في السابق على حلفائها الخليجيين الأثرياء للحصول على الدعم لكن لم يعلن أيّ منهم تقديم أيّ مساعدات كبيرة لها خلال الأشهر الماضية.
ولتعويض ذلك لجأت إلى منظمات التمويل متعددة الأطراف ومجموعة واسعة من الدول الصديقة لتجمع لأموال هذا العام من اليابان والصين والهند والإمارات.
كما تعتمد على جمع السيولة من حصيلة بيع أصولها الحكومية الذي تعثر كثيرا في السنوات الماضية، لكن بعض المحللين يرون الآن تحولا.
ووفقا لمورغان ستانلي، حققت مصر تقدما كبيرا في مبيعات الأصول المملوكة للدولة واجتذبت مستويات عالية تاريخيا من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وحققت أهدافها المالية في 2022 – 2023 رغم ارتفاع الإنفاق الحكومي بسبب نمو التضخم وتكاليف الاقتراض.