مصر تتخلى عن البنك المركزي في الاقتراض محليا

تفتح جهود الحكومة المصرية لتوسيع إصدار الصكوك في السوق المحلية من أجل تعويض تقييد الاستثمارات العامة تنفيذا لتوجيهات صندوق النقد الدولي، الباب لاحتمال زيادة الديون مع التخلي عن الاقتراض من البنك المركزي.
القاهرة - تتزايد القناعة لدى الكثير من المحللين بأن مساعي مصر لطرح صكوك سيادية يمكن أن تزيد معدلات الاستثمارات العامة في البلاد، رغم أنها حددت قيمتها سلفا كشرط أساسي لتلقي شرائح التمويل من صندوق النقد الدولي بانتظام.
وكشفت وزارة المالية أخيرا عن إصدار أول صكوك سيادية مقومة بالجنيه في السوق المحلية بحلول العام المالي المقبل، في إطار المساعي الحثيثة الرامية إلى تعدد أدوات التمويل والذي بدوره يخفض تكاليف الاقتراض مع توليد فرص تنفيذ المشاريع التنموية دون زيادة الأعباء على الموازنة.
وانسجاما مع هذا القرار، تعتزم الحكومة التخلي عن البنك المركزي في الاقتراض محليا، إذ تتولى وزارة المالية والجهات الحكومية المتنوعة طرح هذه الصكوك في خطوة ترمي إلى تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة لتمويل المشروعات التنموية.
وتهدف هذه الخطوة إلى تمويل الاستثمارات العامة من خارج الموازنة العامة، وتأتي في الوقت الذي تبدأ فيه الجهات الحكومية في إعداد موازنتها للعام المالي المقبل.
وتوقع محللون أن يسمح طرح الصكوك بزيادة حجم الاستثمارات العامة، رغم تحديدها عند تريليون جنيه (20 مليار دولار) كحد أقصى العام المالي الجاري، بعد التعهد بألا يتخطى هذا الحاجز لإفساح المجال بشكل أكبر للقطاع الخاص وتعزيز دوره في النشاط الاقتصادي.
وتمثل أيضا استجابة لمطالب صندوق النقد بتخفيف الضغط عن الموازنة العامة، لكن يستوجب على الحكومة أن تفي بهدف الاستثمارات العامة سواء أكان بتحميل ذلك على الموازنة أو من خارجها، بحيث لا تتعدى الحد الذي أقرته.
ونجحت القاهرة في أول إصداراتها من الصكوك السيادية بالأسواق الدولية خلال العام الماضي في جمع 1.5 مليار دولار، كما جرت تغطية الاكتتاب بنحو 4 مرات لقدرتها على جذب طلبات اكتتاب قُدرت بنحو 6.1 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يتم إصدار الصكوك عبر سلسلة شرائح للجهات الحكومية في إطار برنامج الصكوك السيادية، إذ يدرس المسؤولون حاليا أنواعا مختلفة من الصكوك، مثل الإجارة والمرابحة والاستصناع وغيرهما.
وأكد محللون أن لجوء القاهرة إلى الإصدار المحلي الجديد يترافق مع حرصها على خفض تكاليف الاقتراض على المستوى المحلي والدولي، فضلا عن ضرورة توفير تمويل للمشروعات التنموية المختلفة.
ويتزامن ذلك مع مساع لاستكشاف الأدوات المحتملة للعودة إلى أسواق الدين الدولية، حيث تشمل الخيارات المتاحة إصدار سندات مقومة بالدولار، أو صكوك لتلبية الطلب العالمي المتزايد، بالإضافة إلى سندات مدعومة بضمانات من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد لخفض تكاليف الاقتراض.
وفي خطوة تهدف إلى نجاح طرح الصكوك تحرص القاهرة على تنويعها، إذ كشف وزير المالية أحمد كجوك عن أن الحكومة تدرس إصدار صكوك خضراء بحوالي 100 و200 مليون دولار خلال الربع الثالث أو الرابع من هذا العام المالي.
وقال عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للأوراق المالية ياسر عمارة إن “الحكومة تسعى لذلك في خطوة للتخلي عن الاقتراض من البنك المركزي بحيث تلجأ وزارة المالية أو أي من الجهات التابعة للحكومة إلى طرح تلك الأدوات في السوق مباشرة.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “رغم تنويع أدوات الدين عبر الخطوة المقترحة لكنها في النهاية ستؤدي إلى زيادة الدين العام في البلاد،” لأن الدين يرتفع سواء جرى الاقتراض من البنك المركزي أو من الهيئات الاقتصادية المختلفة.
ولدى الحكومة ثلاثة مسارات محتملة للعودة إلى أسواق الدين الدولية، أولها إصدار سندات مقومة بالعملة الأميركية بقيمة مليار دولار في مرحلة أولية، ثم تصدر المزيد حسب الطلب والفائدة المعروضيْن، بينما يشتمل الثاني إصدار الصكوك بالنظر إلى الطلب المتزايد عليها.
أما المسار الثالث فهو السماح للحكومة بإصدار سندات مدعومة بضمانات من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس لخفض أسعار الفائدة.
وأوضح المحلل الاقتصادي سيد عويضي أن الخطوة الحالية تأتي تمهيدا لعودة الحكومة المصرية إلى الأسواق الدولية، وستكون لها صكوك محلية وتقييم من جانب شركات التقييم الائتماني.
وأكد لـ”العرب” أن الحكومة ستكون حريصة على أن تنجح عملية الطرح كي تمنح الاقتصاد ثقة أكبر تدعم عمليات الطرح اللاحقة، فضلا عن أن ذلك قد يمهد لتداول تلك الصكوك في البورصة المصرية، وتكون أداة جديدة لزيادة التداولات وتنشيطها.
مسارات العودة إلى أسواق الدين
- إصدار سندات بقيمة مليار دولار، ثم طرح المزيد حسب الطلب والفائدة المعروضة
- إصدار صكوك سيادية بالنظر إلى الطلب المتزايد عليها في الأسواق
- إصدار سندات مدعومة بضمانات من المؤسسات المالية الدولية
واكتسبت مصر سمعة دولية جيدة في طرح الصكوك منذ إصدارها الدولي الأول في العام 2023، ما أدى حينها إلى انخفاض العائد النهائي إلى 10.87 في المئة من السعر الاسترشادي الأولي البالغ 11.62 في المئة، وهو محفز لدخولها السوق مجددا.
وتكمن أهمية أدوات الدين المصرية، مثل السندات والصكوك، في أنها السبيل الأسرع لتدفق السيولة إلى خزينة الدولة، وعلى الرغم من كونها استثمارًا غير مباشر لكنها تساند الحكومة في سد بعض احتياجاتها اللازمة.
وحسب بيانات البنك المركزي، تراجع الدين الخارجي بواقع 7.4 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
وأظهرت البيانات أن إجمالي الدين الخارجي انخفض إلى 160.6 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، من 168 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، و164.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2023.
ومن شأن طرح الصكوك محليا، تسريع وتنشيط تأسيس شركات التصنيف الائتماني في مصر، حتى تتوفر الكيانات اللازمة لمزاولة النشاط ومنح الصكوك التي يتم إصدارها درجة تقييم، كون هذه الشركات لاعبا رئيسيا في تلك السوق.
ويؤكد الخبراء أن مواصلة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) خفض أسعار الفائدة يمثل قوة دفع لمصر كي تطرح أو تصدر سندات دولية جديدة مقومة بالعملات الأجنبية وكذا صكوكا.
ويعد هذا الأمر جزءا من خطة أوسع نطاقا لأجل توجيه الاستثمارات الخارجية نحو الاقتصاد المحلي وكذا دعم السيولة الأجنبية في أدوات الدين المحلية والأجنبية.
ومنذ العام 2021، أحجمت مصر عن سوق السندات الدولية بعد أن قامت بإصدارين أحدهما في فبراير والآخر في سبتمبر من العام ذاته، ومنذ ذلك الحين، ومع ارتفاع الفائدة العالمية وعدم استقرار سوق العملات محليا، أحجمت عن إصدار الديون المقومة بالدولار.