مصر تتحرك لتبديد الشكوك حول موقفها من حرب غزة

السلطات المصرية تلجأ إلى المحكمة الدولية لتأكيد موقفها الرافض للإجراءات العسكرية الواسعة في غزة، والتهجير القسري.
الاثنين 2024/02/19
شكوك مصرية من مغزى تشييد منطقة عازلة في شمال سيناء

القاهرة- قدمت مصر الأحد مذكرة ومرافعة استشارية لمحكمة العدل الدولية حيال الممارسات الإسرائيلية بعد أن طالتها شكوك من مغزى تشييد منطقة عازلة في شمال سيناء أخيرا، والتي اعتبرت استعدادا مسبقا لاستيعاب الآلاف من المهجرين الفلسطييين عندما يقوم الجيش الإسرائيلي باجتياح رفح في جنوب القطاع، القريبة من الحدود المصرية.

ولم تفلح تصريحات عديدة من قبل مسؤولين مصريين صدرت خلال الأيام الماضية في نفي ما تردد بشأن تفاهم أمني مع إسرائيل والعلم بخطتها لاقتحام رفح، وراجت شكوك وتقديرات سلبية وتجاوزات في عملية إدارة معبر رفح من الجهة المصرية.

وأكد بيان لقصر الإليزيه، الأحد، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي أعربا عن معارضتهما الحازمة للهجوم الذي تتوعد إسرائيل بشنه على رفح وأي تهجير قسري للسكان باتجاه مصر، الأمر الذي سيشكل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، وذلك خلال اتصال هاتفي جرى بينهما السبت.

ويقول متابعون إن تجاوب القاهرة مع طلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، يمثل خطوة عملية لتأكيد الموقف الرافض للإجراءات العسكرية الواسعة في غزة، والتهجير القسري والطوعي لسيناء، ودحض ما تردده بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية من وقت إلى آخر بشأن ترتيبات أمنية في القطاع.

ويشير هؤلاء المتابعون إلى خطورة ملاحقة علامات الاستفهام للسلطات المصرية، والتي مردها الشعور بوجود فجوة بين الأقوال والأفعال، والغموض أو التأخير في تقديم إجابات شافية، ما منح ما يتم تسويقه سلبا قدرا من المصداقية، وكان من الضروري أن تقدم القاهرة شيئا ملموسا يعيد الثقة في تصوراتها مع تربص جماعة الإخوان للدور المصري ومحاولة إحراجه وربما الزج به في معركة مع إسرائيل بما يخفف الضغوط الواقعة على حركة حماس ذات الجذور الإخوانية، ولذلك فمذكرة مصر لمحكمة العدل مهمة سياسيا في هذا التوقيت.

وركزت وسائل إعلام مصرية تابعة للدولة على هذه المذكرة ومنحتها قدرا بارزا من الاهتمام في نشراتها وعلى مواقعها الإخبارية، الأحد، كأنها تريد التأكيد على ما تنطوي عليه من رسائل مباشرة حيال الموقف الرافض لممارسات إسرائيل، وتقويض المحاولات الرامية إلى النيل من دورها وتصويره في شكل “تواطؤ أو تقاعس”.

◙ تصريحات المسؤولين المصريين لم تفلح في نفي ما تردد بشأن تفاهم أمني مع إسرائيل والعلم بخطتها لاقتحام رفح

وأعلن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان أن مصر ستشارك في الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الإسرائيلية، وقدمت مذكرة للمحكمة، وستقوم بتقديم مرافعة شفهية أمام المحكمة ذاتها الأربعاء المقبل.

وتشمل المذكرة المصرية “تأكيد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي الذي دام أكثر من 75 عاما بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وسياسات ضم الأراضي وهدم المنازل وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين، ورفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري وغيرها من الممارسات التي تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.

ويعد التركيز على بعض الثوابت المصرية وإعادة التذكير بها من قبيل تحريض المجتمع الدولي على تبني مواقف أكثر وضوحا ضد ممارسات إسرائيل، والبحث عن حلول جادة للقضية الفلسطينية، ما يعطي أملا في أن يخرج من رحم الحرب هدوء.

وتطالب المذكرة المصرية المحكمة بالتأكيد على مسؤولية إسرائيل عن كافة الأفعال غير المشروعة دوليا، بما يحتم انسحابها بشكل فوري من الأراضي المحتلة، وتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي لحقت به، ومطالبة المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بأي أثر قانوني للإجراءات الإسرائيلية.

◙ تجاوب القاهرة مع طلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، يمثل خطوة عملية لتأكيد الموقف الرافض للإجراءات العسكرية الواسعة في غزة

وكانت القاهرة حذرت من اتساع رقعة الصراع، والمساس بالأمن القومي المصري، وحثت على خفض فوري للتصعيد حفاظا على أمن واستقرار المنطقة، والمشاركة في مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل مع كل من قطر والولايات المتحدة.

ولئن ندد وزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر ميونخ للأمن بعجز المجتمع الدولي عن وقف الحرب اللاإنسانية التي تشنها إسرائيل ضد سكان غزة، لكن قوله إن “حماس خارج الأغلبية المعترف بها للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية” حظي باهتمام كبير، واتخذ ذريعة على وجود توافق ضمني بين مصر وإسرائيل.

ومنذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر الماضي تتعرض مصر لضغوط شديدة وتحاول اتباع توازنات تمكنها من الحفاظ على أمنها القومي دون التورط في عملية عسكرية، وعدم الإضرار باتفاقية السلام مع إسرائيل، وتسهيل دخول المساعدات إلى غزة، والقيام بدورها القومي تجاه عدم تصفية القضية الفلسيطينية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة.

وأدت صعوبة التوفيق بين هذه الملفات وتناقضاتها إلى ظهور ما يوصف بـ”اللاحسم”.

2