مصر تبحث عن دور في حل الأزمة السودانية

التعاون مع تشاد وجنوب السودان لمنع تمدد الصراع إقليميا.
الثلاثاء 2023/05/09
وضع يقلق القاهرة

تخشى مصر كما تشاد وجنوب السودان من انعكاسات إطالة أمد الصراع في السودان وما سينجر عنها من مخاطر أمنية واقتصادية، لذلك تحاول القاهرة استدراك الوضع وإيجاد دور لها في حل الأزمة لاسيما في ظل ما يتواتر من أنباء بشأن تعثر محادثات جدة.

القاهرة/ الخرطوم - تخلت القاهرة عن حذرها في التعامل مع الصراع العسكري في السودان وقررت تنشيط دبلوماسيتها والقيام بتحركات سياسية باتجاه دول مجاورة تشاركها الكثير من المخاوف الناجمة عن استمرار الصراع.

وتستكمل الزيارة المعلنة التي بدأها وزير الخارجية المصري سامح شكري، الاثنين، إلى تشاد وجنوب السودان، سلسلة من الاتصالات التي أجرتها القاهرة مبكرا مع قيادة البلدين لتطويق الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع، ومنع امتداد شرارته إلى دول الجوار، تمهيدا لوقف اطلاق النار والتوصل إلى تسوية بالطرق السلمية.

وأثار غياب مصر عن المشاركة الفاعلة في الوساطة، وربما تغييبها من قبل بعض الدول الأفريقية، علامات استفهام كثيرة، مع أنها في مقدمة الدول المتضررة من الصراع وارتداداته الإقليمية، وهو ما جعل القاهرة تعود لتضبط موقفها بين الطرفين، وتجري اتصالات معهما وتتخلى عمّا ساد من تقديرات حول انحيازها المبدئي للجيش.

وأجرى وزير الخارجية المصري اتصالين هاتفيين، الخميس، مع قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان والدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) أزال بهما ما علق في أذهان البعض من التباسات حول تبني القاهرة موقفا إيجابيا من الأول وسلبيا من الثاني.

صباح موسى: زيارة شكري تعكس تحركا جديدا لاحتواء الصراع
صباح موسى: زيارة شكري تعكس تحركا جديدا لاحتواء الصراع

وحاولت دوائر أفريقية الدفع باتجاه منح دور رئيسي لمفوضية الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي وهيئة الإيغاد، وتنحية أي دور عربي فردي أو جماعي، غير أن دخول الولايات المتحدة بثقلها للتهدئة أفشل هذا التوجه، حيث استعانت بشريكتها السعودية في اللجنة الرباعية التي تضم معهما أيضا بريطانيا والإمارات.

وتبدو القاهرة غير مشغولة كثيرا بمن يقوم بدور الوساطة، فالمهم أن يتوقف الصراع سريعا ويتم تحجيمه إقليميا، بعد أن أوشك على دخول أسبوعه الرابع وثمة إمكانية لإطالته لأكثر من ذلك، بما يمثل حرجا لمصر وقد تدفع فواتير أمنية واقتصادية واجتماعية وسط تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين والنازحين على حدودها الجنوبية.

كما أن زيارة شكري إلى تشاد وجنوب السودان في هذا التوقيت تؤكد الشعور بالخطر من استفحال ملف اللاجئين وما يحمله من تشابكات، أبرزها عدم استبعاد استثمار الحدود الطويلة للسودان معهما في توصيل امتدادات عسكرية لطرفي الصراع، بما يحرفه عن مساره الراهن ويضاعف من صعوبة وقفه لاحقا.

وقالت المحللة السياسية صباح موسى إن زيارة شكري تعكس تحركا جديدا لاحتواء الصراع ومواصلة الجهود والاتصالات التي تجريها القاهرة منذ بداية الأزمة مع أطراف متباينة، حيث تؤثر تداعياته على الأمن القومي المصري بشكل مباشر وكبير.

وأضافت لـ”العرب” أن اختيار تشاد وجنوب السودان دون غيرهما الآن نابع من وجود موقف واضح لهما مما يدور في السودان، يقوم على ضرورة إنهاء الحرب فورا وبدء حوار سلمي بعيدا عن فكرة حسم الصراع بالأدوات المسلحة، وقد أكدت ذلك القاهرة عبر تشديدها المستمر على أن الحل في السودان لن يكون عسكريا – عسكريا.

وأوضحت أن الثلاثي، القاهرة وانجمينا وجوبا، لديها رغبة مشتركة لتسوية ما يحدث في الخرطوم لتأثيره على أمنها الجماعي، نظرا للحدود الطويلة والمفتوحة بينها وبين السودان، وما يحمله هذا المحدد من تدفق أفواج من اللاجئين والنازحين إلى أراضيها.

القاهرة تبدو غير مشغولة كثيرا بمن يقوم بدور الوساطة، فالمهم أن يتوقف الصراع سريعا ويتم تحجيمه إقليميا

ولفتت موسى إلى وجود مخاوف مشتركة من تسلل عناصر إرهابية عبر الحدود، والاستفادة من الروافد القبلية والجهوية بين إقليم دارفور في غرب السودان وشرق تشاد، وولايتي كردفان والنيل الأزرق مع جنوب السودان، ما ينذر بامتداد نيران الحرب داخل العمق الإقليمي للبلدين (تشاد وجنوب السودان).

وتخشى مصر من تسلل عناصر متشددة تنتمي إلى حركات جهادية اتخذت من السودان مقرا لها بعد ثورة يونيو 2013، ومنح الرئيس السابق عمر البشير بعضها هوية سودانية، ولذلك تسارع القاهرة نحو تطويق طوفان الصراع بالتعاون والتنسيق مع الدول المتضررة التي ترى في استقرار هذا البلد المترامي استقرارا لها.

وذكرت موسى أن تنسيق مصر مع تشاد وجنوب السودان قد يحقق اختراقا ملحوظا في الأزمة لما لهما من علاقات جيدة مع طرفي الصراع، بينما دول الجوار الأخرى والجهات الفاعلة فيها (أفريقيا الوسطى وإثيوبيا وإريتريا وليبيا) لكل منها علاقات جيدة مع طرف على حساب آخر وانحيازات ضمنية، وربما تمنعها أوضاعها الداخلية من المشاركة بشكل مؤثر في وقف الصراع.

ويحمل اختيار القاهرة لمحطتي انجمينا وجوبا دلالات على حجم الهواجس من خروج الصراع بين الجنرالين البرهان وحميدتي عن السيطرة، أو إخفاق المحادثات الجارية في مدينة جدة السعودية بين وفديهما في تثبيت وقف دائم لإطلاق النار.

اختيار القاهرة لمحطتي انجمينا وجوبا يحمل دلالات على حجم الهواجس من خروج الصراع بين الجنرالين البرهان وحميدتي عن السيطرة

ويقول متابعون إن جولة شكري تعبر في مضمونها عن استدارة باتجاه التعامل مع صراع يمكن بسهولة أن يقود إلى فوضى إقليمية، ومن الضروري سد المنافذ التي يمكن أن تمثل وقودا له، وفي مقدمتها الحدود المشتركة للسودان مع تشاد وجنوب السودان، والتي تتكاثر فيها حركات مسلحة سودانية تلتزم بالحياد حاليا.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن ذهاب شكري من دون أن يصاحبه وفد أمني على مستوى عال يعني حصر الزيارة في أبعادها السياسية، مع أن الصراع أمني بامتياز، ويستوجب مقاربة تتعامل مع هذه الحالة النادرة التي باتت فيها العاصمة الخرطوم تحت القصف والنيران لأول مرة في تاريخها الحديث.

وتتحسب القاهرة من اشتعال جبهة دارفور بسبب الروابط القبلية التي تملكها قوات الدعم السريع داخل هذا الإقليم الذي خرجت منه نواتها الأولى (الجنجويد)، فضلا عن كثافة الحركات المسلحة فيه وتعدد ولاءاتها العسكرية والسياسية، والتي يمكن أن تدخل على خط الصراع إذا وجدت أن مصالحها الحيوية مهددة.

ويأتي القلق المصري من عودة شبح الصراع في منطقتي الأطراف أو الهامش في السودان (الغرب والجنوب)، الأمر الذي يستلزم جهدا كبيرا لتطويقه قبل تفجره، لأن البيئة أو الحاضنة الاجتماعية مهيأة للتعامل مع صراع أهلي قد يمتد لفترة طويلة.

2