مصر تؤجل تدشين المتحف الكبير: التصعيد الإقليمي يفشل خطة ترويج كبرى

القاهرة- بعد أن وضعت القاهرة لمسات نهائية على حفل افتتاح المتحف المصري الكبير ووجهت دعوات إلى قادة دول وزعماء للحضور، قررت إرجاء الافتتاح إلى الربع الأخير من العام الجاري، قبل نحو أسبوعين من الموعد المقرر سلفا في بداية يوليو المقبل، بسبب الصراع الذي نشب في المنطقة بين إسرائيل وإيران.
وقال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي السبت، “كل القراءات تشير إلى أن الصراع الموجود سيستمر لفترة، ولن ينتهي خلال بضعة أيام، وبالتالي ستكون له تداعيات على المنطقة وعلى كل الأحداث المتوقعة.”
وعملت مصر خلال الأيام الماضية على تسويق الصرح الفرعوني الكبير، بما يضمن تحقيق نتائج اقتصادية وسياسية جيدة، وتسليط الضوء على متحف هو الأكبر في العالم، غير أن هذه الخطط اصطدمت بتصعيد إقليمي يمهد للمزيد من التوترات.
وعقد مصطفى مدبولي قبل أيام اجتماعا مع اللجنة العليا لتنظيم فعاليات افتتاح المتحف الكبير، وتضم اللجنة مسؤولين عن إدارة المتحف، وركز على ترتيبات استقبال ضيوف الحفل، والتنقلات الخاصة بالضيوف من مقار إقامتهم إلى المتحف، بما يسهم في خروج الحدث الاستثنائي بأفضل صورة.
وكان المتحدث باسم الحكومة المصرية محمد الحمصاني قال، قبل الإعلان عن التأجيل، إن افتتاح المتحف يحظى بمشاركة دولية واسعة، وسيتم تنظيم فعاليات ثقافية وسياحية متنوعة يومي 4 و5 يوليو المقبل عقب الافتتاح المقرر في الثالث من يوليو، وعرض تجربة تسلّط الضوء على عراقة الحضارة المصرية وتواكب أهمية المتحف.
ووجدت الحكومة المصرية نفسها أمام خيارات صعبة، فحال أرجأت الافتتاح فذلك يعد رسالة على عدم استقرار الأوضاع، وربما تقود للتأثير سلبا على معدلات السياحة التي بدأت تتزايد مؤخرا.
وأخذت مسألة تحديد وقت افتتاح المتحف نقاشات عديدة مع الانتهاء من تشييده بشكل شبه نهائي منذ عام، ومع تشغيله تجريبيا في أكتوبر الماضي بدا أنه جاهز للافتتاح وبانتظار الموعد النهائي، والذي خضع لبعد سياسي، حيث اختير توقيت يوليو بما يواكب ذكرى رحيل تنظيم الإخوان عن السلطة في مصر قبل 12 عاما وعقد تحالفات مدنية/ عسكرية قادت فترة انتقالية وصولا إلى إجراء انتخابات رئاسية عام 2014.
وراعت القيادة المصرية التطورات الأمنية في المنطقة، منذ اندلاع طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، ولعبت دورا في تحديد توقيت افتتاح المتحف، لأن التصعيد الإقليمي أخذ مناحي عديدة، وتمدد إلى دول عربية، غير أن عدم تأثر مصر بتوافد السياحة التي استفادت من توتر الأوضاع في عدد من الأسواق السياحية المنافسة، مثل لبنان، شجّع على الإعلان عن افتتاحه في يوليو، لكن اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، فرض على القاهرة تأجيل الافتتاح.
وقال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى كدواني لـ”العرب”، إن استقرار الأوضاع الأمنية في مصر شجعها على إعلان افتتاح المتحف الكبير، لكن اضطرابها إقليميا فرض عليها التأجيل.
وأوضح أن المسؤولين في مصر أرادوا أن يمر افتتاح المتحف دون ظهور ما يعكّر الاستقرار، بما يؤثر على احتفال كان من المقرر أن يشارك فيه عدد من زعماء دول العالم، وتصنيفه كحدث عالمي. وأضاف أن المجتمع الدولي يعاني من توترات، نتيجة الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي من جانب إسرائيل في قطاع غزة، ما يؤدي إلى فوضى مدمرة، وفي الوقت ذاته لدى مصر أساليبها الدفاعية التي تجعلها أكثر قدرة على الحفاظ عن أمنها القومي، والتوسع في جذب الاستثمارات والتنمية السياحية كأحد أبرز عوامل الدخل القومي.
ويقع المتحف المصري الكبير على بُعْد كيلومترين من منطقة أهرامات الجيزة، وعلى مساحة تبلغ أكثر من نصف مليون متر مربع، وتعرض فيه أكبر مجموعة من الآثار المصرية في العالم، ويتميز بموقعه بين منطقتي الأهرامات ذات التاريخ العريق ومدينة القاهرة الحديثة، ما يجعله بوابة لماضي مصر وحاضرها ومستقبلها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين في تصريح لـ”العرب”، أن الافتتاح في يوليو كان فرصة جيدة لتقديم رسالة إلى العالم بالدور المهم للدولة على المستويين السياحي والثقافي.
وسعت الحكومة المصرية إلى حصد مكاسب اقتصادية من وراء الحدث الضخم، فالتسويق للحدث عالميا سوف يضمن جذبا للملايين من السياح بعد أن حققت السياحة أرقاما قياسية العام الماضي على مستوى العوائد التي بلغت 15 مليار دولار عبر زيارة حوالي 16 مليون سائح، ما يجعلها أكثر ثقة على تجاوز الاضطرابات في المنطقة دون أن تؤثر عليها بشكل مباشر، خاصة وأن التوتر في قطاع غزة لم يمنع من توافد السياح الإسرائيليين أنفسهم إلى جنوب سيناء في موسم الشتاء المنقضي.
وهدفت القاهرة إلى تحقيق مكاسب سياسية من وراء حضور عدد كبير من رؤساء العالم الحفل، وكان الافتتاح والحضور في يوليو سيمثل تأكيدا لاستقرار الأوضاع الأمنية في مصر.