مصر الأخرى في الساحل الشمالي تحرج الحكومة أمام البسطاء

أعمال شغب وقنابل مسيلة للدموع في حفل عمرو دياب على الساحل الشمالي تثير ردود فعل متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي.
الأربعاء 2021/08/25
صورة أخرى من الواقع المصري

القاهرة - حفلت وسائل الإعلام المحلية بعديد من القصص والحكايات المثيرة حول ما يحدث في ساحل مصر الشمالي المطل على البحر المتوسط الذي يزدهر خلال شهري يوليو وأغسطس، لأن العديد من أعضاء الطبقة المخملية يقيمون في قرى سياحية ممتدة من الإسكندرية شرقا إلى مدينة السلوم غربا بالقرب من الحدود مع ليبيا.

انشغل مصريون بمتابعة أخبار حفل المطرب الشعبي حمو بيكا في قرية مارينا بالساحل الشمالي الذي قرر إقامته للسيدات فقط، واختلطت الحقيقة بالخيال حيث تصور البعض أنه ممنوع حضور الرجال، وفقا للإعلان التشويقي، إلى حين تبين أن الحفل سيقام على شاطئ خاص بالسيدات من الطبيعي أن يكون ممنوعا على الرجال، لكنه فتح على مصراعيه إشكالية البكيني والبوركيني في الساحل الشمالي.

تضاعفت السخونة مع قرار نقابة الموسيقيين إلغاء الحفل لوقف الجدل وساقت مبررا بأن مطرب المهرجانات الشهير حمو بيكا لم يحصل على التصاريح اللازمة لمزاولة المهنة، بالتالي لا يحق له إقامة الحفل.

بدا نشاط الساحل الشمالي في مصر محصورا في الحفلات الغنائية والموسيقية، فقد أثارت حفلة أقامتها الفنانة روبي ردود فعل متباينة لأن مواقع التواصل الاجتماعي رددت أنها رفضت دخول المحجبات الحفل.

وأطلقت الشرطة المصرية غازا مسيلا للدموع لتفريق جمهور المطرب الشهير عمرو دياب ممن لم يتمكنوا من دخول حفله في مدينة العلمين الجديدة، على الرغم من حصولهم على تذاكر ودفعوا ثمنها الباهظ، ما جعل الحفل أشبه بمظاهرة شعبية.

وقالت فتاة تدعى هدى عبر تويتر في 13 أغسطس الجاري “أنا أمام حفل عمرو دياب في العلمين منذ نصف ساعة والأمر عبارة عن بهدلة وقنابل مسيلة للدموع وناس تجري فوق بعضها وناس تفقد الوعي وإسعاف تنقل ناس”.

سعيد صادق: استئثار شريحة بالرفاهية يقود إلى الاستقطاب المجتمعي

زاد الإقبال على الساحل الشمالي هذا العام مع تشييد الحكومة المصرية مجموعة كبيرة من الطرق والجسور التي تربط القاهرة بمدينة العلمين الجديدة التي سوف تصبح مقرا للحكم خلال فترة الصيف وجرى توفير كافة الإمكانيات اللوجستية لها.

وأوحت القصص والحكايات التي راجت حول ما يقوم به سكان الساحل الذين ينقلون سكنهم خلال فصل الصيف للإقامة في قراه الراقية بأن هناك مصرين، مصر التي تكافح الحكومة لتخليصها من الفقر والعشوائيات عبر برامج اجتماعية متعددة، وتلك التي تستمتع بحفلات السهر الصاخبة في حضرة كبار المطربين.

وتبدو الحكومة في نظر مصر الأولى، أي الفقيرة التي تكافح للخروج من زحمة العشوائيات، متهمة بالعمل كثيرا لخدمة مصالح أهالي مصر الثانية التي تعيش حياة رغدة وكأن الرقابة الرسمية غائبة عنها.

وخلق الشعور بالازدواجية حالة احتقان جراء الشعور بأن ثمة تفرقة في تطبيق المعايير، ففي الوقت الذي تعاني منه الأولى من أزمات بسبب تراكم ارتفاع الحصيلة الضريبية المفروضة عليها، لا يطبق ذلك بصورة تصاعدية مع الثانية.

وتبرر الكثير من الأصوات الممتعضة مما يحدث في الساحل الشمالي موقفها بأن الطريقة التي تخطط بها الحكومة للتنمية وإقامة المشروعات السكنية هناك تستهدف فقط شريحة الأغنياء بشكل يكرس التمييز الطبقي في المجتمع، لأن البسطاء وأفراد الطبقة المتوسطة لا يمكنهم الوصول إلى هذه الأماكن أو الاقتراب من أسوارها.

ما يلفت الانتباه أن هناك دوائر قريبة من الحكومة على دراية كاملة بما يجري من تمييز ضد الشريحة السكانية التي يلتزم أفرادها بالتقاليد، لأن جمهور الساحل لديه طقوس وأعراف خاصة ولا يسمح غالبيته لفئات أخرى الاحتكاك به.

ووجه حسام صالح الناطق الرسمي باسم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (التي تستحوذ على أغلب المؤسسات الإعلامية في مصر) نقدا حادا على حسابه الرسمي بموقع فيسبوك، قبل أيام، لإحدى قرى الساحل الشمالي الشهيرة، بعدما تم منعه من شراء مبنى سكني هناك (شاليه) لأنه غير مخصص للمحجبات، ما أثار غضبه لأن زوجته وابنته محجبتان.

وقال صالح “أسوأ سؤال سمعته من ممثلة مبيعات إحدى قرى الساحل الشمالي المعروفة جدا، زوجة حضرتك أو بنتك محجبة؟  لأنه ممنوع الشراء من منتجاتهم إذا زوجتي أو بنتي محجبة”. وأردف “فعلا أصابني غثيان أن بلدنا أصبح فيها سؤال مهين مثل هذا”.

وأوضح سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية أن زيادة الشعور بأن هناك شريحة معينة هي من تستأثر بالرفاهية والسعادة والمال والشواطئ الرائقة وترفض الاحتكاك بباقي الفئات يقود إلى الاستقطاب المجتمعي.

وأضاف لـ”العرب” أن تطبيق العدالة الاجتماعية المدخل الأهم للسعادة ودونها يتحول المجتمع إلى جزر منعزلة عن بعضها في الطموح والأحلام والنظرة للآخر، ما يؤثر سلبا على التماسك الوطني ويوسع الفجوة بين البسطاء والأغنياء والحكومة.

ويرى متابعون أنه من حق الأثرياء أن يعيشوا سعداء وعدم النظر إليهم بشكل يثير الحقد والضغينة، شريطة تطبيق مفهوم السعادة العادلة وعدم غلق الشواطئ وأماكن الترفيه على فئات بعينها لمجرد أنها مقتدرة ماديا وتحريمها على باقي الفئات، لأن من ضمن حقوق الإنسان الحق في التملك المشترك للموارد العامة.

وتملك مصر شواطئ ممتدة على البحر الأحمر تخلو من الظاهرة التي تطفو على السطح خلال فصل الصيف بالنسبة للساحل الشمالي المطل على البحر المتوسط، لأن شواطئ الأول تعج بالقرى السياحية العامة وتضم مصريين من مختلف الطبقات دون تفرقة أو تمييز مجتمعي، بينما أدت الملكية الخاصة في الثاني إلى هذه المشكلة التي هي في حاجة إلى معالجة حكيمة قبل تفاقمها وتتحمل نتائجها الحكومة.

12