مصر أمام تحدي معالجة استفحال أزمة الأدوية

تواجه مصر تحديا كبيرا يتمثل في حتمية الإسراع في معالجة مشكلة استفحال أزمة الأدوية التي دخلت منعطفا خطيرا الفترة الماضية، حيث يتعايش المواطنون مضطرين مع شح بعض الأنواع والغلاء الجنوني، وخاصة الشريحة التي تعتمد على الأصناف المستوردة.
القاهرة - تحول اختفاء بعض الأدوية في مصر إلى عادة تُضاف إلى قائمة الصعوبات التي يواجهها الناس يوميا، وسط مشاكل عديدة تضغط على الاقتصاد الذي بدأ يسترد عافيته تدريجيا بعد أن أرهقته أزمات كثيرة منذ تفشي الوباء في 2020.
ويعتبر طلعت محمد، أحد أصحاب الأمراض المزمنة، معاناته في البحث عن الدواء بأنها عملية مرهقة. ويقول “بعد جولة طويلة على الصيدليات لا أجد ما احتاجه لمدة أشهر من أدوية”.
وأكد محمد الذي يحتاج إلى أدوية لعلاج القلب والضغط وأدوية أخرى للكبد لبلومبيرغ الشرق أنه لا يستطيع الحصول على أي من تلك الأدوية في السوق المحلية حتى الآن، ويضطر للتواصل مع أصدقائه بدول الخليج لتلبية طلباته وإرسالها مع أقرب زائر.
وعلى بعد 200 كيلومتر من القاهرة جنوبا، يقول الأربعيني حسام سيد ومقبل على الزواج “احتاج إلى دواء (ستاجيرون) لعلاج مشكلة الأذن الوسطى والدوار الذي أعاني منه لكن لا أجده، ما يضطرني للسفر إلى القاهرة بحثاً عنه”.
وأضاف “نادرا ما أجد منه عبوة بل يصل الحال أحيانا لشراء شريط واحد فقط والذي لا يكفي لمدة أسبوع”.
ورفعت الحكومة أسعار عشرات الأصناف من الدواء بنسبة تبلغ 50 في المئة خلال يونيو ويوليو الماضيين، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو ما ساهم في توفير 20 في المئة من الأدوية الناقصة بالسوق.
وقال رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية علي عوف إنه “تم رفع أسعار 200 صنف دواء خلال الشهرين الماضيين بما يتراوح بين 10 و30 في المئة لأدوية الأمراض المزمنة وبين 30 و50 في المئة لباقي الأصناف”.
وتوقع خلال حديثه مع بلومبيرغ الشرق ارتفاع أسعار مئتي صنف آخر خلال أغسطس الجاري وسبتمبر المقبل بنفس نسب الزيادة السابقة.
ويستورد البلد الأكثر اكتظاظا بالسكان في المنطقة العربية حوالي 90 في المئة من الخامات الدوائية من الخارج، بحسب ما تشير إليه التقديرات الرسمية.
وأوضح عوف أن السوق لديها عجز في ألف صنف دواء من إجمالي 17 ألف صنف متداول بالبلاد.
وأشار إلى توفير 20 في المئة من الأدوية الناقصة خلال آخر شهرين ومستهدف نفس النسبة خلال الشهرين الجاري والمقبل لتتم تغطية نصف الأدوية الناقصة بحلول سبتمبر.
وعزا عوف أزمة نقص الأدوية في مصر إلى فروق العملة الناتجة عن تحريك سعر الصرف في مارس الماضي.
وتقتصر القاهرة تسجيل وتسعير وتداول ورقابة سوق المستحضرات والمستلزمات الطبية على هيئة الدواء المصرية، التي انتقلت إليها هذه التخصصات حصراً قبل 4 سنوات، بدلا من وزارة الصحة والسكان.
وأوضح رئيس شعبة الأدوية أنه بعد تعويم الجنيه في مارس الماضي، سمحت الهيئة للشركات التقدم لرفع الأسعار، وخلال الفترة من مارس وحتى يونيو، درست بدقة زيادة الأسعار، وبدأت من يونيو الماضي منح زيادات لبعض الأصناف.
وفي يونيو الماضي، شكلت الحكومة لجنة استشارية تتولى مراجعة أسعار الدواء كل ستة أشهر، في محاولة منها لمراعاة مصالح المواطنين والشركات مع تذبذب سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية منذ التعويم قبل أشهر.
226
مليون دولار رصدتها الحكومة لتوفير الأدوية واللوازم الطبية للمستشفيات والصيدليات
ويؤكد ياسين رجائي، مساعد رئيس الهيئة أن الهيئة رصدت نقص نحو أكثر من 81 صنفا دوائيا في السوق، وشكاوى من المواطنين من عدم توافر نحو ألف صنف آخر سواء بسبب سوء توزيع وغياب البديل المحلي لهم.
وقال إن الهيئة عملت على حل هذه المشكلة “من خلال توزيع الدواء بطريقة أفقية تتيح لأكبر عدد من الموزعين والمخازن ضخ الأدوية في الصيدليات والأسواق”.
وعانت سوق الدواء المحلية من نقص في بعض الأصناف وزيادات متتالية في الأسعار في السنوات الماضية، بسبب نقص المواد الخام اللازمة للإنتاج، أو تكدس الأدوية بالموانئ لعدم توفر السيولة المطلوبة للإفراج عنها.
وأوضح رجائي لبلومبيرغ الشرق أن كافة الشركات قدمت طلبات للهيئة الفترة الماضية، لزيادة أسعار بعض الأصناف نتيجة التأثر بزيادة سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار المواد الخام.
وأشار إلى أنه يتم بحث ذلك الوضع وفق معايير محددة من قبل لجنة تسعير الدواء، والتي تراعي البعد الاجتماعي للمواطنين.
وسبق أن قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الشهر الماضي، إنه “سيحدث ارتفاع بسيط في أسعار بعض الأصناف لضمان توافرها بالأسواق”، وسيتم حل مشكلة النقص خلال 3 أشهر عندما تحدث عن الأمر في يوليو.
ولمواجهة المشكلة، كشف عوف أنه يتم حاليا العمل على توفير الأدوية الناقصة، وأن هيئة الدواء تتابع توزيع المنتجات منذ خروجها من المصنع وحتى وصولها للموزعين والصيدليات.
ووفق أرقام وزارة التجارة ينشط بالبلد 180مصنعا في القطاع بحجم عمالة مباشرة وغير مباشرة يصل إلى نصف مليون شخص.
ويقول محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة الصيادلة بالقاهرة، إن كافة الشركات تقدمت بطلبات لهيئة الدواء خلال الفترة الماضية، لزيادة أسعار الأدوية بنسب لا تقل عن 25 في المئة، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام للأدوية، وارتفاع تكاليف الانتاج.
وأوضح أنه تم الاستجابة لبعض الشركات ومن المتوقع حل أزمة نقص الأدوية في الأسواق خلال شهرين بحد أقصى.
وثمة نحو 1.3 مليون عبوة من عقار الأنسولين الذي يُعد من الأدوية الناقصة في السوق لعلاج مرض السكري المزمن، في الموانئ وبدأ الإفراج عنها منذ أيام قليلة، وهو ما يشير إلى انفراجة قادمة في أزمة الأدوية.
كما أن بعض الشركات بدأت في ضح كميات كبيرة من منتجاتها التي كانت ناقصة بالأسواق، وبخاصة الأدوية المستوردة التي كانت بها مشكلة كبيرة الفترة الماضية، نتيجة عدم توافر العملة الصعبة لاستيرادها، بحسب رمزي.
ويتزامن ذلك مع تصريحات مدبولي، نهاية الأسبوع قبل الماضي، بعد أن أعلن عن توفير 7 مليارات جنيه (226 مليون دولار) للعمل على سرعة توافر الأدوية والمستلزمات الطبية المطلوبة بالمستشفيات والصيدليات.
وأكد محفوظ، عودة عمل خطوط الانتاج في معظم المصانع، بشكل طبيعي، لكن الأزمة لم تحل بشكل نهائي، ومن المتوقع خلال الشهرين المقبلين، توفير كافة الأدوية المحلية والمستوردة في الأسواق واستقرار أسعار الأدوية وتوفير كافة الأصناف الناقصة.
ومنذ أسبوعين، حصلت شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية (راميدا) على موافقة هيئة الدواء على زيادة أسعار جميع منتجاتها الأساسية التي تضم 22 صنفا، بمتوسط زيادة يتراوح ما بين 40 و50 في المئة.
وقال نسيم أحمد مدير المبيعات بشركة يوني سواب إن “راميدا ليست وحدها التي تحصل على الموافقة لرفع أسعارها، فقد سُمح ليوني سواب بالزيادة بنسب مختلفة للعديد من الأصناف، تبدأ من 20 و30 في المئة وتصل إلى 50 في المئة في بعض الأصناف”.