مصريّون يحوّلون مخبأ عمره قرن إلى ملجأ للفنون

قامت شركة مصرية بتحويل مخبأ بني تحت الأرض في مدينة الإسكندرية منذ نحو قرن إلى ملجأ للفنون، محتفظة بشكله المعماري حتى تتيح للفنانين والزائرين، فرصة النفاذ بمخيلاتهم إلى فترة الحرب العالمية الثانية.
الإسكندرية (مصر)- كان سكان الإسكندرية على ساحل البحر المتوسط يلوذون بملجأ تحت الأرض خلال الحرب العالمية الثانية، هربا من الغارات الجوية التي حولت بعضا من مباني المدينة إلى أطلال، لكن نفس الأبراج الحصينة والممرات ذات الأقواس، أصبحت الآن دليلا على حياة جديدة بعد أن تحول المكان إلى معرض فني.
أغلق المبنى لمدة 35 عاما، وأعيد بناؤه في صورته الحالية بجهود من قبل إحدى الشركات العقارية، والمديرة التنفيذية للمعرض شيماء رمزي التي بدأت العمل فيه قبل خمس سنوات.
بُني الملجأ بقنوات التهوية وممرات الهروب عام 1928، بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب العالمية الأولى على يد مهندس معماري يوناني، عندما كانت الإسكندرية قبلة ينصهر فيها المهاجرون من حوض البحر المتوسط وأوروبا.
وأشارت رمزي إلى أن “وجود الأخطبوط في مداخل الأبواب يعتبر من أهم ما تركه لنا المهندس اليوناني، وهو يرمز للحماية في الثقافة اليونانية القديمة، إذ أن المبنى يضم مخبأ تحت الأرض تم بناؤه بهدف حماية السكان ضد الغارات أيام الحرب”.
ولفتت إلى أن “المهندس اليوناني قام ببناء هذا الملجأ منذ حوالي 93 عاما، أي بعد الحرب العالمية الأولى، وكأنه تكهن بنشوب حرب عالمية ثانية”.
وحرصت رمزي بالتعاون مع شركة “سيجما” العقارية، على الحفاظ على السلامة الهيكلية للمكان الذي يوثق للتاريخ، ويحتضن في الآن ذاته أعمالا فنية حديثة معروضة على جدرانه، بالإضافة إلى إطلاق اسم “شلتر آرت سبايس” (ملجأ للفنون).
وقالت المديرة التنفيذية للمعرض “عملنا على ترك العناصر الأساسية القديمة للمكان مثل الحجارة والأقواس والمدخل”، موضحة “قمنا بإبراز الحجر الطبيعي الذي تم بناء المكان به، حتى يكون معروضا أمام الشباب ويتعرف الجيل الحالي على ما كان يستخدم في السابق، إلى جانب فرصة دراسة القيمة البصرية للفضاء من جديد”.
كما حافظت رمزي والشركة العقارية على فتحات التهوية والهروب، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تاريخ المكان، وتساعد في إطلاق العنان للخيال لإعادة رسم صور ومشاهد الأحداث وحياة البشر بين هذه الجدران.
وشددت على أن “فتحات التهوية والهروب تعتبر منذ نحو 90 سنة، من أهم العناصر التي كانت موجودة في المخابئ في العمارات القديمة”.
ويستضيف المعرض، الذي افتُتح رسميا للجمهور في يناير 2020، مشاريع تستهدف تشجيع الفنانين من جيل الشباب على عرض أعمالهم، وإقامة ورش عمل في ما يمثل إضافة ومتنفسا للمشهد الإبداعي في الإسكندرية.
وتابعت مديرة المعرض “حرصنا على أن يكون التصميم بسيطا ومحافظا على طابعه التراثي، حتى نوفر للفنانين الشباب فرصة إبراز فنهم في المساحة المتاحة لهم في الملجأ”.
الملجأ بني بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب العالمية الأولى على يد مهندس معماري يوناني
وحاولت غدير فهيم وهي زائرة للمعرض، وصف شعورها في مكان يستحضر جزءا من تاريخ المدينة، قائلة “كثيرا ما كنا نسمع عن الحرب العالمية الثانية من بعض أفراد عائلاتنا أو نطالع أخبارها في الكتب، لكن التواجد بمكان كان ملجأ في تلك الفترة من التاريخ يشحننا بمشاعر متضاربة تحمل الخوف والمتعة في آن”.
وأضافت فهيم “ما يساعدنا على الاستمتاع بالتجول في المكان، كونه محتفظا بفكرة تصميمه على أنه ملجأ، فشكله المعماري منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم كما هو لم يتغير، لاسيما فتحة التهوية وسلالم الهروب، وهو ما يوفر لنا فرصة محاكاة جميلة للغاية”.
ونظم المعرض خلال الاحتفال بمرور عام على افتتاحه، سلسلة من الفعاليات شارك فيها حوالي 60 فنانا، غالبيتهم من سكان المدينة، علما أن المعرض استقبل أكثر من 3500 زائر منذ بداية 2020.