"مصباح القلب".. أول مجموعة قصصية تفوز بجائزة البوكر الأدبية الدولية

تمثل جائزة البوكر الأدبية الدولية فرصة لاكتشاف كتابات من شتى أنحاء العالم، يقدمها مترجمون أكفّاء ويستقطبونها من كل اللغات إلى اللغة الإنجليزية، وإن اعتاد القراء على تتويج الجائزة للروايات فها هي هذا العام تتوج قصصا من الهند لكاتبة متحدية، ناضلت ضد التهميش الذي تعرضت له كتاباتها بسبب مواقفها الناقدة.
لندن - فازت الكاتبة والمحامية الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق مساء الثلاثاء بجائزة البوكر الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية “هارت لامب” (مصباح القلب) التي تتناول الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند.
والمجموعة القصصية التي كُتبت بالكانادية، اللغة المحلية في جنوب الهند وترجمتها إلى الإنجليزية ديبا بهاستي، تروي جوانب من حياة العديد من النساء المسلمات اللاتي يعانين من التوترات الأسرية والمجتمعية.
قصص نساء الهند
هذا أول كتاب باللغة الكانادية يحصل على هذه الجائزة الدولية المرموقة التي تمّ تقديمها في حفل أقيم في لندن مساء الثلاثاء وتبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 59 ألف يورو) يتمّ تقاسمها بين المؤلّفة والمترجمة ديبا بهاستي.
كما يعدّ الكتاب أول مجموعة قصصية تفوز بالجائزة التي تمنح لأفضل رواية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية. ونُشرت هذه القصص في الأصل بين عامي 1990 و2023.
وبحسب منظمي الجائزة، فقد تعرّض الكتاب للرقابة من جانب الدوائر المحافظة في الهند، وتم تجنّبه من قبل الجوائز الأدبية الكبرى في البلاد.
وقالت الكاتبة عند حصولها على الجائزة “أقبل هذا الشرف العظيم ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين،” واصفة فوزها بأنه لحظة “لا تصدّق.”
وقالت مشتاق أثناء استلامها الجائزة إن علامات الفوز “أكثر من مجرد إنجاز شخصي. إنه تأكيد على أننا كأفراد وكمجتمع عالمي يمكننا أن ننجح عندما نحتضن التنوع ونحتفل باختلافاتنا وندعم بعضنا البعض.”
وأضافت “في عالم يحاول في الكثير من الأحيان تقسيمنا، يظل الأدب أحد الأماكن المقدسة المفقودة حيث يمكننا أن نعيش داخل عقول بعضنا البعض.”
تضم المجموعة اثنتي عشرة قصة، ورغم غوصها في الواقع الصعب للفتيات والنساء المسلمات في جنوب الهند فإنها لا تخلو من روح الدعابة اللطيفة، وتشهد على السنوات التي قضتها مشتاق بصفتها صحافية ومحامية، حيث دافعت بلا كلل عن حقوق المرأة واحتجت على جميع أشكال الاضطهاد الطبقي والديني.
تؤرخ حكايات “مصباح القلب” للنساء في المجتمعات الأبوية. وقد تم اختيارها وترجمتها من بين حوالي 50 قصة في ست مجموعات كتبها مشتاق على مدى 30 عامًا.
كُتبت القصص بأسلوب ذكي وحيوي وعامي مؤثر ومنتقد في نفس الوقت، وفي شخصياتها، نجد الأطفال المتألقين، والجدات الجريئات والمولفيس المهرج والإخوة “البلطجية”، والأزواج التعساء في الكثير من الأحيان، والأمهات قبل كل شيء، اللاتي نجون من مشاعرهن بتكاليف كبيرة.
تظهر مشتاق ككاتبة مذهلة وهي تراقب الطبيعة البشرية بدقة، وتبلغ ارتفاعات عاطفية مثيرة للقلق من خلال أسلوبها اللغوي والسردي الغني.
ورغم إشادة النقاد بالقصص فقد نال العمل انتقادات عديدة من الأوساط المحافظة، ورغم ذلك لم يثن هذا عن تداول الكتاب وانتشاره وتقديره خارج الهند خاصة بعد ترجمته إلى الإنجليزية، إذ يرى الكثير من القراء أنه من المؤكد أن هذه المجموعة سوف تظل مقروءة لسنوات قادمة.
ثقافة أخرى
المجموعة القصصية مختارات تروي جوانب من حياة العديد من النساء المسلمات اللاتي يعانين من التوترات الأسرية والمجتمعي
من جانبه قال رئيس لجنة التحكيم ماكس بورتر إنّ الكتاب “شيء جديد حقا للقراء الناطقين باللغة الإنجليزية (…) قصص جميلة مليئة بالحياة.”
وأضاف “إنه يتحدث عن حياة المرأة، وحقوقها الإنجابية، وإيمانها، وطبقتها، وقوتها، وقمعها.”
وقال بورتر إنه وزملاءه في لجنة التحكيم – الشاعر كالب فيمي، والكاتبة والناقدة في صحيفة الغارديان سانا جويال، والمؤلف والمترجم أنطون هور، والموسيقية بيث أورتون – قضوا ست ساعات في المداولة، وخلال هذه الساعات “تجادلوا كثيرًا” قبل “اتخاذ قرار بالإجماع” بشأن الفائز.
على الرغم من أن بورتر قال إنهم كانوا يبحثون عن “أفضل كتاب” قبل كل شيء، إلا أنه وصف “مصباح القلب” بأنه “كتاب خاص حقًا من حيث سياسته.” تحتوي القصص وفق قوله على ملامح الحركة النسوية التي اشتهرت بها مشتاق.
وأضاف أنها “تحتوي على حكايات غير عادية عن الأنظمة الأبوية والمقاومة.” مستدركا “لكنها ليست قصصًا ناشطة. أولاً وقبل كل شيء، إنها روايات جميلة عن الحياة اليومية وخاصة حياة النساء.”
وأشاد بورتر أيضًا بترجمة بهاستي، التي قال إنها “تحتفل بالانتقال من لغة إلى أخرى.” مشيدا بإتقانها للتنويع اللغوي في الإنجليزية، مشددا “إنها ترجمة ذات نسيج.”
مشتاق تظهر ككاتبة مذهلة وهي تراقب الطبيعة البشرية وتبلغ ارتفاعات عاطفية مثيرة للقلق بأسلوبها اللغوي والسردي الغني
وكان بورتر استبق الإعلان عن فوز مشتاق بالإشادة “بالكتب التي تتحدّى السلطات، من السودان إلى أوكرانيا والصين وإريتريا وإيران وتركيا، في كل مكان.”
أما المترجمة ديبا بهاستي فقالت في مقابلة معها في وقت سابق من هذا العام “عندما يترجم المرء، فإن الهدف هو تعريف القارئ بكلمات جديدة،” مضيفة “أسميها الترجمة بلكنة، ما يذكر القارئ بأنه يقرأ عملا تدور أحداثه في ثقافة أخرى، دون إضفاء طابع غريب عليه بالطبع. لذا فإن اللغة الإنجليزية في ‘مصباح القلب‘ هي لغة إنجليزية ذات همهمة كانادية متعمدة للغاية.”
وتنافست مجموعة “مصباح القلب” في القائمة القصيرة لجائزة البوكر الدولية مع روايات “حول حساب المجلد الأول” بقلم سولفيج بالي، ترجمة باربرا جيه هافلاند، “قارب صغير” بقلم فنسنت ديلكروا، ترجمة هيلين ستيفنسون، “تحت عين الطائر الكبير” لهيرومي كاواكامي، ترجمة آسا يونيدا، “الكمال” لفينشنزو لاترونيكو، ترجمة صوفي هيوز، “قبعة من جلد النمر” لآن سيري، ترجمة مارك هاتشينسون.
ويذكر أن جائزة البوكر الدولية هي جائزة أدبية تُمنح لكتّاب خياليّين. وكانت الجائزة تُمنح كلّ عامين لكنّها أصبحت منذ 2016 تُمنح كل عام.
وفي العام الماضي، فازت بالبوكر الدولية الرواية الألمانية “كايروس” للكاتبة جيني إيربنبيك والتي ترجمها مايكل هوفمان.
ومن بين الفائزين السابقين أولغا توكارتشوك والمترجمة جينيفر كروفت، ولوكاس رينفيلد والمترجمة ميشيل هاتشيسون، وهان كانغ والمترجمة ديبورا سميث.