مصانع النسيج السورية في مطاردة يائسة لتحسين أوضاعها

دعوة ملحة إلى تشكيل لجنة تضم الجهات الحكومية وممثلي حلقات سلسلة الإنتاج يُعهد إليها النهوض بالقطاع.
الجمعة 2023/01/27
بلا مال لا تصح الأعمال!

دمشق - يعكس يأس مصانع النسيج السورية بشأن تحسين أوضاعها حجم التحديات التي تواجه معظم القطاعات الأخرى بمناطق سيطرة النظام، إذ تحاول عبثا العثور على بوصلة تخرجها من الطريق المسدود بفعل تراكم الأزمات التي تعيق عودتها إلى النشاط.

وبينما يظهر البعض في الظاهر بعض التفاؤل من إمكانية أن تنهض الشركات من هذه الكبوة التي استمرت طويلا، إلا أن معظم عمال القطاع يقولون إنهم لا ينتظرون شيئا من الحكومة ويعبرون بين الفينة والأخرى عن تذمرهم لما آلت إليه هذه الصناعة المهمة.

وتميزت البلاد في السابق بوجود سلسلة إنتاجية متكاملة في قطاع الصناعات النسيجية انطلاقا من مادة القطن الخام وصولا إلى المنتج النهائي من الأقمشة والملابس بأنواعها المختلفة، لكن اليوم تجد هذه الصناعة نفسها في متاهة متشعبة.

ويقول الصناعيون إن هذا يؤكد ضرورة دعم هذا القطاع من خلال تعديل القوانين وتأمين إمدادات الكهرباء وكافة مستلزمات الإنتاج.

محمد اللحام: ثمة ضرورة لدراسة الصعوبات وإيجاد سبل لإزالتها
محمد اللحام: ثمة ضرورة لدراسة الصعوبات وإيجاد سبل لإزالتها

ويرى نضال حاج حسن صاحب مصنع للنسيج في مدينة حلب أن على الحكومة تسهيل وتسريع وتبسيط عمليات دفع وتحويل الأموال وتقديم تسهيلات للصناعيين.

ونسبت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى حسن قوله "يجب تحديث التشريعات ومنح الشركات إعفاءات ضريبية وتخفيض الرسوم وخاصة للصناعيين الذين استمروا بعملهم خلال سنوات الحرب".

وتواجه الحكومة في دمشق صعوبات كبيرة في الحفاظ على تشغيل شبكة الكهرباء وتأمين الإمدادات في مناطق سيطرتها مع تضرر خطوط الإمداد وتسببها في نقص كميات الوقود اللازمة لتوليد التيار الكهربائي.

ويشير الصناعي محمد طيفور إلى أن المنتجات النسيجية المحلية بكل أنواعها حجزت مكانة مرموقة تاريخيا في الساحة الدولية من حيث السعر والجودة، غير أنها لا تزال تحتاج إلى دعم.

وطالب السلطات والوزارات المعنية بتسهيل وصول مستلزمات الإنتاج من المواد الأولية، وكذلك العمل على تطوير القطاع بما يوفر احتياجاته وتكاليف الاستيراد.

أما الصناعي سامر أغيورلي فيرى أن التفاوت بأسعار الألبسة سببه تفاوت جودة المادة الأولية وحرفية صناعتها، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن وأسعار الكهرباء وتكاليف استيراد المواد الأولية.

وكانت صناعة النسيج والألبسة تعتبر قبل اندلاع النزاع في سوريا من أبرز القطاعات الإنتاجية، وتخطت صادراتها الدول العربية إلى أوروبا.

لكن الإنتاج تدهور منذ العام 2011 شأنه شأن باقي القطاعات التي أنهكتها الحرب خاصة مع تعرض معظم المصانع للتدمير ونزوح العاملين، بالإضافة إلى تداعيات العقوبات الغربية على دمشق.

ونظرا إلى عدم وجود إحصائيات حكومية رسمية تظهر تقديرات منظمات ومؤسسات مالية دولية أن صناعة النسيج كانت تشكل 63 في المئة من قطاع الصناعة السوري، وهي تؤمن عشرين في المئة من اليد العاملة وتسهم بنحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبلغت صادرات القطاع قبل الأزمة حوالي 3.3 مليار دولار سنويا لتتراجع إلى النصف، لكن بعض المحللين والخبراء يرون أن الرقم الحقيقي قد يكون أقل بكثير مما أشارت إليه تقارير المنتدى الاقتصادي السوري.

ويؤكد محمد أبوالهدى اللحام رئيس اتحاد غرف التجارة السورية ضرورة دراسة رغبات التجار والمستهلكين وكسب ثقتهم عن طريق السرعة في إنجاز الأعمال سواء بالدفع أو تسليم الطلبيات والتركيز على جودة المنتجات لفتح أسواق خارجية جديدة.

وقال معلقا على الصعوبات التي تعاني منها الصناعات النسيجية إن "المنتجات السورية تتمتع بسمعة جيدة في الأسواق الخارجية من خلال جودتها وأسعارها المنافسة، رغم الصعوبات التي تزيد كلفة المنتج".

◙ الصناعيون يؤكدون ضرورة دعم القطاع من خلال تعديل القوانين وتأمين إمدادات الكهرباء وكافة مستلزمات الإنتاج

وأشار إلى أنه حاليا يتم انتقال سيارات الشحن بشكل مباشر إلى العراق دون تبادل على الحدود ما يوفر الوقت والجهد والمال ويدعم تنافسية المنتجات السورية.

لكن محمد درويش وهو مدير شركة لشحن البضائع يقول إن ارتفاع تكاليف النقل ينعكس ارتفاعا في أسعار هذه المنتجات.

وشكلت ترتيبات إعادة النهوض بقطاع زراعة القطن إحدى الخطوات التي عملت الحكومة على تنفيذها خلال الأشهر الأخيرة رغم أن هذا المجال الذي يدعم الصناعات النسيجية المحلية محاصر بالأزمات المالية.

ورغم أن هذه الزراعة مرت بانتعاش ملحوظ الموسم الماضي متحدّية الصعوبات في ظل تركة سنوات من الحرب وسيطرة التنظيمات الإرهابية على أراضي المزارعين ما حرم الدولة من إيرادات ضخمة طيلة سنوات، لكن الحكومة تجد صعوبة بالغة في تأمين القطن.

وتظهر بيانات مديرية مكتب القطن أن المساحات المزروعة بلغت العام الماضي 29 ألف هكتار موزعة على محافظات حلب والحسكة ودير الزور والرقة ومناطق الغاب والقامشلي، وهي مساحة قليلة قياسا بنحو 200 ألف هكتار قبل اندلاع الأزمة.

ويرى نائب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية محمد التغلبي أنه من الضروري تشكيل لجنة تضم الجهات الحكومية المعنية، وممثلي حلقات سلسلة الإنتاج يُعهد إليها النهوض بالصناعات النسيجية.

وقال “يجب أن تكون المهمة الأساسية للجنة اعتماد خطة لمعالجة أوضاع الصناعيين بشكل دوري وتقديم الدعم المالي لإعادة تأهيل المنشآت الصناعية المتضررة”.

11