مصالح السنوار الشخصية تغلب على أوجاع شعب غزة

لوحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال الساعات الأخيرة بالهدنة، وأبدت نيتها في السماح بدخول المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة، في محاولة لترطيب الأجواء الملتهبة سواء على الصعيد الداخلي الفلسطيني أو على الساحة الدولية ضد جرائم إسرائيل ومجازرها التي ترتكبها يوميًا في حق الشعب الفلسطيني، بعد ما مارست سياسية “التجويع” لقتل الشعب الغزاوي ببطء.
المعطيات الأخيرة تشير إلى وجود نية لدى إسرائيل في الاتفاق على هدنة مع حركة حماس ولعل ما دفعها إلى هذا الموقف هو الرفض الأميركي لخطة بنيامين نتنياهو لاجتياح رفح، إلى جانب الموقف المصري والقطري والأردني ضد هذا المخطط الصهيوني الذي يستهدف ارتكاب المزيد من المذابح ودفع الفلسطينيين إلى خارج أرضهم حتى يخلو الجو لإسرائيل من أجل وضع يدها على المزيد من الأراضي وتهويد فلسطين بالكامل.. ولكن هل ترتضي حماس الهدنة؟ أو تجلس على طاولة المفاوضات لحقن دماء الفلسطينيين، والتفكير بعقلانية من أجل شعب يُمارس ضده أبشع المجازر كل يوم؟
يبدو أن حسابات قيادات حركة حماس وخاصة يحيي السنوار، رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، لا تريد أيّ هدنة، بل تبحث فقط عما يخدم مصالحها الشخصية على حساب شعب تتم تصفيته يوميًا بآلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي لا ترحم صغيرًا ولا كبيرًا.. فلماذا لا يخضع السنوار ويضع حدًا لهذه الحرب الشعواء؟
يبدو أن التوترات داخل حماس والتي يُغذيها السنوار دائمًا بدافع الكبر السياسي لن تطفئ نيران الحرب المشتعلة على شعب غزة، بل تستهدف تصعيد التوترات في الضفة الغربية والقدس
ربما يستهدف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، المختفي منذ أكثر من 4 شهور، حشد الفلسطينيين في الضفة الغربية والعرب في داخل إسرائيل وحزب الله اللبناني خلال شهر رمضان الجاري لقلب الطاولة على إسرائيل، وواقعيًا هو مازال يتمسك بموقفه “المتشدد” إزاء المفاوضات بعدما فشل فشلًا ذريعًا في الاستعانة بجبهات أخرى في الحرب، لكنه يأمل أن تُحدث الأيام القليلة المقبلة فرقاً، بتغيير ميزان القوى وإجبار إسرائيل على التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في غزة بشروط حمساوية وليست إسرائيلية.
ويقف السنوار حاليًا أمام خيارات متعددة، أولها أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مقابل مئات المعتقلين الفلسطينيين، لكن هذا لن يسمح له حقاً بادعاء النصر في ظل مطالبات أهالي غزة المنكوبين بمحاسبته على أفعاله التي أدت إلى سقوط 31 ألفا و184 شهيدا، و72 ألفا و889 مصابا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلى جانب آلاف المفقودين والملايين الذين خرجوا من بيوتهم التي دُمرت إلى الخلاء ودور الإيواء وتفتك بهم وبأطفالهم المجاعة كل لحظة.
ومن الواضح أن السنوار يسعى إلى شيء أكبر بكثير، يتلخص في الادعاء بأنه قد هزم اليهود دون البكاء على دماء المدنيين الذين راحوا في هذه الحرب المنكوبة، لكنه لا يهمه إلا تحقيق أهدافه من خلال خططه بتلميح إسرائيل بأن حماس قد فازت في الحرب وعليها أن تجلس “مفرودة الظهر” وتضع شروطها لتحقيق الهدنة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
وربما يؤدي تكبر السنوار وتعنته عن التفاوض مع إسرائيل إلا بشروطه كاملة، إلى المزيد من المجازر في غزة وقد يدفع تل أبيب إلى اقتحام رفح، ومن ثم قد تتحول الضفة الغربية إلى ساحة معركة جديدة لتسجل مجازر لا تنتهي، فإلى متى يواصل السنوار كبره السياسي ويُنهي بيده مأساة شعب غزة؟
السنوار يقف حاليًا أمام خيارات متعددة، أولها أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لن يسمح له حقاً بادعاء النصر في ظل مطالبات أهالي غزة المنكوبين بمحاسبته على أفعاله
طالعتنا صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في تقرير خلال الأيام الأخيرة، بأن خلافا نشب بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ورئيس الحركة يحيى السنوار بسبب مطالب الأخير في المفاوضات، وبينما تتجلى هذه المطالب في تحقيق المزيد من الإنجازات من الصفقة، إلا أن هنية اكتفى بالبنود التي كانت على جدول الأعمال، فكان مستعدا لقبول وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع دون التزام من إسرائيل بوقف كامل للأعمال العسكرية في القطاع، لأنه يعتقد أنه سيكون من الممكن استغلال أيام وقف إطلاق النار، بمساعدة وسطاء للتوصل إلى اتفاق، لكن في المقابل يعتقد السنوار أن حماس هي صاحبة اليد العليا، ويبدو أن الأخير الذي كان منعزلا إلى حد كبير عن المحادثات حتى وقت قريب مما يضعه على خلاف مع مسؤولين آخرين في حماس.
ويبدو أن هذه التوترات داخل حماس والتي يُغذيها السنوار دائمًا بدافع الكبر السياسي لن تطفئ نيران الحرب المشتعلة على شعب غزة، بل تستهدف تصعيد التوترات في الضفة الغربية والقدس، وكذلك تقويض أمل انطفاء البارود الإسرائيلي تجاه الشعب الغزاوي، فلا نتائج إيجابية للمفاوضات مع إسرائيل بشأن الهدنة في قطاع غزة إلا بإقناع السنوار بالخضوع وقبول التفاوض.
وفي النهاية، مازال السنوار يعتقد أن حماس لها اليد العليا حاليا في المفاوضات، مستشهدا بالانقسامات السياسية الداخلية داخل إسرائيل بما في ذلك التصدعات في قبضة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على السلطة وتزايد الضغوط الأميركية على إسرائيل لبذل المزيد من الجهد للتخفيف من معاناة سكان غزة، وبينما يسعى لتحقيق أهدافه الثلاثة، التي أولها أن يبقى على قيد الحياة، وثانيها استمرار عمل حركة حماس وثالثها بقاؤها في المستقبل في أي حكومة، تتوسع الحرب مبتلعة مزيدًا من الضحايا الأبرياء، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما يحدث.. فمتى يقتنع السنوار بهول هذه المأساة؟