مصالحة هشة بين فتح وحماس في لبنان

تشكك أطراف سياسية فلسطينية في نجاح وساطة رئيس حركة أمل نبيه بري لرأب الصدع بين حركتي فتح وحماس داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، إذ سبقتها وساطات عديدة لتجاوز الخلافات لم يتم الالتزام ببنودها، إضافة إلى تأثير انقسامات الداخل الفلسطيني على الأوضاع داخل المخيمات.
بيروت – وصفت مصادر لبنانية المصالحة بين حركتي فتح وحماس في لبنان، والتي جاءت عقب وساطة قادها رئيس حركة أمل والبرلمان اللبناني نبيه برّي، بالهشة، كون الخلافات بين الحركتين أبعد من حرب “السيطرة على المخيمات” وتمتد إلى الداخل الفلسطيني المأزوم سياسيا.
وتفاقمت التوترات بين حركتي فتح وحماس في لبنان على خلفية الحادثة التي وقعت في مخيم برج الشمالي في منطقة صور، والتي أدت إلى سقوط أربعة قتلى على مرحلتين، ما أسفر عن القطيعة بينهما.
وتوصل الطرفان إلى مصالحة تنص على بندين رئيسيين هما: حماية المخيمات الفلسطينية من خلال قطع الطريق على أي توتير أمني، وإشعال الفتنة بهدف ضرب المشروع الوطني الفلسطيني وإسقاط رمزية المخيمات كساحات نضال للدفاع عن حق العودة، وتاليا فتح باب التهجير أو فرض التوطين.
وأما البند الثاني فهو تطويق ومعالجة آثار أحداث مخيم برج الشمالي وتداعياتها على مجمل الوضع الفلسطيني، وضرورة البحث الجدي عن السبل الآيلة لتجاوزها وإنهاء آثارها السلبية، بما يحفظ أمن المخيمات واستقرارها وترك الأمر إلى القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية.
أيمن الرقب: التوتر يذكر بما قبل انقلاب حماس على السلطة في غزة
وكان حريق قد اندلع في مخيم برج الشمالي في العاشر من ديسمبر 2019، أعقبه انفجار أدى إلى مقتل المهندس حمزة شاهين، وخلال تشييعه تعرض الموكب إلى إطلاق نار، ما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى من مخيمي عين الحلوة والمية، وهم حسين الأحمد، عمر السهلي ومحمد طه.
وسارعت حركة حماس رسميا إلى اتهام قوات الأمن الوطني الفلسطيني الذراع العسكرية لحركة فتح بالمسؤولية المباشرة عن جريمة القتل والاغتيال المتعمّد، ووصفتها بـ”المجزرة”.
وحمّلت قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله وأجهزتها الأمنية في لبنان المسؤولية الكاملة، ودعت “إلى تسليم القتلة للسلطات اللبنانية وإحالتهم إلى العدالة، وكل من له علاقة بالمجزرة”، بينما أعربت حركة فتح عن استعدادها للتعاون وتسليم أي متورط للتحقيق لكشف الحقيقة، وإنها “لن ترضى على نفسها أن تكون في موضع الشك أو التضليل”، مستغربة “استباق حماس للتحقيقات وانتهاجها التحريض والتخوين والتشكيك بالطرف الآخر”.
وأدى تبادل الاتهامات بين الحركتين إلى القطيعة بينهما وتجميد كل أطر العمل المشترك، بعدما أعلنت حركة حماس انسحابها من القوّة المشتركة وعدم مشاركتها في أي اجتماع يشارك فيه الأمن الوطني الفلسطيني، وقابلت حركة فتح ذلك بقرار رسمي بـ”وقف كل أشكال التواصل والاتصال مع حركة حماس على كافة المستويات وفي كل المناطق في الساحة اللبنانية”.
ولا تملك القوى الأمنية اللبنانية أي سيطرة على المخيمات الفلسطينية، وذلك وفق اتفاق غير معلن بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات اللبنانية، حيث تمارس الفصائل نوعا من الأمن الذاتي داخل المخيمات، مع تنسيق أمني مع أجهزة الدولة اللبنانية.
ويشكك مراقبون في قدرة المصالحة على تجاوز الخلافات الجوهرية بين الحركتين في الداخل الفلسطيني، التي تؤثر على اتخاذ القرارات والتوجهات السياسية داخل المخيمات اللبنانية.
ويشير المراقبون إلى هدنات سابقة ووساطات لنزع فتيل التوتر بين الحركتين في مخيمات لبنان، لم تصمد جراء الانقسام السياسي في الداخل الفلسطيني وتأثيره المباشر على الوضع داخل المخيمات.
وشهدت الساحة الفلسطينية أعنف موجة اقتتال داخلي بين حركتي فتح وحماس عام 2006، عقب فوز الأخيرة بالانتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة الفلسطينية، التي انتهت بانقلاب الحركة على الأجهزة الأمنية بغزة عام 2007.
مراقبون يشككون في قدرة المصالحة على تجاوز الخلافات الجوهرية بين الحركتين في الداخل الفلسطيني، التي تؤثر على اتخاذ القرارات والتوجهات السياسية داخل المخيمات اللبنانية
وفي عام 2014، أطلقت الفصائل الفلسطينية في لبنان مبادرة من تسعة عشر بندا، جاءت بهدف منع وقوع أي اقتتال داخلي في المخيمات، وأكدت الرفض المطلق لزج الفلسطينيين في أي تجاذبات أو صراعات لبنانية داخلية.
ونصت المبادرة حينها على تولي الفصائل الفلسطينية ضبط الأوضاع الأمنية في المخيمات الفلسطينية، خاصة مخيم عين الحلوة الذي يعتبر أكبر المخيمات في لبنان، ويعيش فيه أكثر من 80 ألف لاجئ فلسطيني.
وكانت المخيمات في لبنان قد شهدت في ثمانينات القرن الماضي ما أطلق عليه اسم “حرب المخيمات”، وهي معارك دارت في الفترة الرابعة من الحرب الأهلية اللبنانية بين أطراف لبنانية وسورية، إلى جانب بعض الفصائل الفلسطينية.
ويقول أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، إن “التوتر الحاصل بين فتح وحماس منذ فترة يأتي في سياق الحملة المتبادلة بين الطرفين، ويمهد لمرحلة كبيرة من التوتر تشبه ما حدث في عام 2007، عندما كانت هناك اتهامات متبادلة بين الطرفين، ونتج عنها انقلاب حماس على السلطة في غزة”.
ويرى الرقب أن “لبنان تحوّل إلى ساحة صراع فلسطيني – فلسطيني، قد تنتج عنه تبعات تمس الفلسطينيين في لبنان، الذين عانوا من ويلات الحروب الأهلية السابقة”.
ولا يريد الفلسطينيون أن تشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان تلك الأحداث الدامية التي شهدتها المناطق الفلسطينية في العام 2007، والتي أسست للانقسام السياسي الذي لا يزال قائما.