مشهدية لعاصفة مكتملة الأركان لهز الرئيس التونسي

تونس - قالت أوساط سياسية تونسية إن التحرك المحدود عدديا السبت أمام مقر هيئة الانتخابات كان مدروسا والهدف منه خلق مشهدية سياسية وإعلامية في الداخل والخارج للضغط على الرئيس قيس سعيد ودفعه إلى مراجعة مواقفه بشأن التغييرات الكبيرة التي يجري تنفيذها، خاصة منع إجراء الاستفتاء الذي سيعطي مشروعية شعبية لتلك التغييرات.
وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن مجموعات مهمشة من المعارضين تفتعل الصدام مع قوات الأمن بعد أن فشلت في لفت انتباه السلطة والشعب سوية لتعطي وكالات الأنباء فرصة لالتقاط صور من وسط تونس والإيحاء بأنها حركات معارضة حقيقية، لافتة إلى أن الخطة تقوم على تهيئة نفسية للناس ودعم موقف اتحاد الشغل ودعوته إلى الإضراب والحشد ضد الاستفتاء، والإيحاء بمصداقية تحركات حركة النهضة وحلفائها.
وأضافت هذه الأوساط أن هذه الصورة يتم ترتيبها بإتقان بحيث لو رآها أيّ مسؤول غربي سيخرج وينتقد الرئيس قيس سعيد، ويعتبر أن الاستفتاء غير شرعي، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد المعارضين بضعة آلاف ولا يساوون شيئا أمام شعبية الرئيس سعيد وقراراته في مواجهة منظومة الفساد السياسي.
معارضون مهمشون يفتعلون الصدام مع قوات الأمن بعد أن فشلوا في لفت انتباه السلطة والشعب سوية
ولاحظت أن استدعاء الوجوه القديمة مثل نجيب الشابي ثم حمه الهمامي إلى المشهد مدروس لاستعادة سردية المعارضة الحقوقية القديمة التي وجدت بعض التفهم لدى الغرب، والتي تعاود الظهور في إيحاء بأن لا شيء تغير في وقت فشلت فيه مختلف الأحزاب في لفت نظر الناس أو زحزحة الرئيس سعيد عن مواقفه.
وصدت الشرطة نحو مئة متظاهر احتجوا في تونس العاصمة على الاستفتاء الذي يعتزم الرئيس قيس سعيّد تنظيمه في يوليو بعد عام من قراراته التي قادت إلى تجميد البرلمان في مرحلة أولى ثم حله وإقرار خارطة طريق تستمر لمدة عام وتضم مجموعة من المحطات المهمة بينها الاستشارة الشعبية، ثم الاستفتاء في الخامس والعشرين من يوليو والانتخابات التشريعية في السابع عشر من ديسمبر.
ومنعت الشرطة المتظاهرين من الاقتراب من مقر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي غيّر سعيّد طريقة اختيار أعضائها وعيّن رئيسها بنفسه، في مسعى منه لتخليصها من المحاصصة الحزبية.
ورفع بعض المشاركين في الاحتجاج الذي نظمته خمسة أحزاب صغيرة لافتات كتب عليها “هيئة الرئيس = هيئة التزوير”.
وقال المتحدث باسم حزب العمال التونسي حمّة الهمامي “الشرطة… استخدمت الغاز المسيل للدموع ضدنا وهاجمتنا”.
الشرطة التونسية صدت نحو مئة متظاهر احتجوا في تونس العاصمة على الاستفتاء الذي يعتزم الرئيس قيس سعيّد تنظيمه في يوليو
وضمن حبكة هذه المشهدية الموجهة لضرب صورة الرئيس سعد، قررت جمعية القضاة التونسيين، السبت، الإضراب لمدة أسبوع بداية من الاثنين، احتجاجا على قرار قيس سعيد إعفاء 57 قاضيا من مهامهم.
كما قررت الجمعية “الدخول في اعتصامات مفتوحة في كل مقرات الهياكل النقابية القضائية وعدم الترشح للمناصب القضائية لتعويض المعزولين، إلى جانب عدم الترشح للمناصب في الهيئات الفرعية التابعة لهيئة الانتخابات”.
والأربعاء، أصدر سعيد أمرا رئاسيا نشر في جريدة الرائد (الرسمية)، يقضي بإعفاء 57 قاضيا من مهامهم، على خلفية اتهامات وُجهت إليهم من بينها “تغيير مسار قضايا” و”تعطيل تحقيقات” في ملفات إرهاب وارتكاب “فساد مالي وأخلاقي”.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل أعلن الثلاثاء عن تنفيذ إضراب عام في القطاع العمومي يوم السادس عشر من يونيو الجاري، للمطالبة بسحب منشور حكومي متعلق بالتفاوض مع النقابات. كما دعا إلى إضراب عام في مدينة صفاقس العاصمة الاقتصادية البلاد ومركز ثقل الاتحاد، في خطوات يقول المراقبون إنها مرتبة وتم التنسيق لها بين أكثر من جهة من أجل خلق مناخ من التوتر الاجتماعي.
ويقول سعيّد إنه يتخذ اجراءات لصالح البلاد في مواجهة التعطيل السياسي والاقتصادي، وقد احتكر منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021 كامل السلطتين التنفيذية والتشريعية وبات يقود البلاد بمراسيم وأوامر رئاسية.

وانطلق السبت “الحوار الوطني” الذي ينظمه الرئيس لصوغ الدستور الجديد، وقد قاطعته جهات دعيت للمشاركة فيه أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل بسبب ما اعتبره إقصاء لجهات فاعلة رئيسية في المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
وكان قيس سعيّد قد منح نفسه في الثاني والعشرين من أبريل الماضي سلطة تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة الانتخابات السبعة من بينهم رئيسها. ثم عيّن في التاسع من مايو عضو الهيئة فاروق بوعسكر رئيسًا لها محلّ نبيل بافون الذي انتقد قرارات يوليو 2021.
وتتهم المعارضة رئيس الجمهورية بالانحراف بالبلاد نحو الاستبداد والرغبة في تشكيل هيئة انتخابية طيّعة قبل الاستفتاء والانتخابات التشريعية.
لكنّ كثيرا من التونسيين يدعمون تدابيره بشأن مؤسسات يرون أنها لم تفعل شيئًا يذكر لتحسين حياتهم في العقد الذي أعقب انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وبالإضافة إلى الأزمة السياسية، تعاني تونس صعوبات اقتصادية خطيرة أبرزها التضخم المتسارع والبطالة المرتفعة. وتحاول البلاد المثقلة بالديون الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة لا تقل عن أربعة مليارات دولار.
اقرأ أيضاً: