مشروع "لمّ الشمل" خطوة لطيّ ملف الإسلاميين الراديكاليين في الجزائر

تفيد التقييمات المحلية لمشروع “لمّ الشمل” الذي اقترحه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بأن السلطات تسير نحو احتواء التيارات الإسلامية واكتساب شعبية جديدة في الشارع، وبالتالي طيّ صفحة الحقبة الدموية التي مازالت تلقي بظلالها على الشأن السياسي والاجتماعي في البلاد.
الجزائر - شرع قادة من الصف الثاني في فلول جبهة الإنقاذ الإسلامية بالجزائر، في إجراءات الاستفادة من تدابير مشروع “لمّ الشمل”، كما يخوض البعض منهم في المهجر حملة ترويجية له، الأمر الذي يؤكد تصريح القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، عقب استقباله من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، بأنه تلقى وعدا منه بتسوية الملف وإطلاق سراح ما يعرف بمساجين التسعينات.
ويرجح أن يكون مشروع ” لمّ الشمل” المعلن من طرف السلطة الجزائرية، امتدادا لقانون المصالحة الوطنية الذي أطلقه الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عام 2005 وأسبقه بالوئام المدني في 1999، كونه يركز على احتواء بقايا إسلاميي جبهة الإنقاذ لاسيما المتواجدين في المهجر أو المساجين في الداخل.
ورغم أن المشروع لا يزال طي الغموض حيث لم تفصح السلطة إلى حد الآن عن تفاصيله وآلياته إلا أن شروع قيادات من جبهة الإنقاذ، في عواصم ومدن أوروبية، في إجراءات الاستفادة من تدابيره يوحي بأن الرئيس تبون ينوي طي صفحة الحقبة الدموية إلى الأبد ودغدغة مشاعر التيار لتكون وعاء للسلطة التي مازالت تبحث عن شعبيتها في الشارع.
الجزائر تُسجّل تراجعا في حدة الاعتقالات التي كانت مسلطة على الناشطين المعارضين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي
وصرّح القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، عقب استقباله من طرف الرئيس تبون، في إطار المشاورات السياسية المفتوحة من طرف السلطة مع الطبقة السياسية والمجتمع المدني بأنه “تلقى تعهدات من طرف رئيس الجمهورية لتسوية ملف مساجين التسعينات”.
وفيما كانت السلطة في السابق تنفي وجود مساجين إسلاميين خارج القضاء، وتتجاهل الأصوات الداعية إلى إطلاق سراح المحكوم عليهم منذ تسعينات القرن الماضي، بدعوى انتهاء محكوميتهم حيث يكون معظمهم قد قضى عقوبة تناهز الثلاثين عاما في السجن، فضلا عن أن أحكامهم صادرة عن محاكم عسكرية أو محاكم خاصة، فإن مصادر من تنسيقية مناهضة الإخفاء القسري تتحدث عن “أكثر من 100 سجين يوجدون في سجون سرية، إلى جانب تسجيل حوالي 20 ألف حالة اختفاء مازالت غامضة إلى حد الآن”.
وتعيد الطبعة الجديدة من مشروع المصالحة الوطنية في الجزائر سيناريو طبعتين سابقتين أطلقهما الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ومكنتاه من استعادة وإدماج نحو 20 ألف مسلح من مختلف التنظيمات الإسلامية المسلحة، وأوقف حمام الدم المتفجّر خلال العشرية الدموية، الأمر الذي يطرح الجدوى من الخطوة التي أعلنها الرئيس تبون مؤخرا، ومن النتائج التي تتوخاها السلطة، لاسيما وأن المسألة اتخذت طابعا سياسيا سلميا أكثر منه مواجهة مسلحة دامية بعد عام 2019.
وكان ناشطون سياسيون معارضون في الخارج قد تحدثوا عن تلقيهم اتصالات من جهات رسمية في السلطة، تعرض عليهم الانخراط في مشروع “لم الشمل” المعلن في البلاد، وأن أغلب هؤلاء رفضوا المسعى كونه لم يتضمن خارطة واضحة أو أجندة محددة، كما أنه لم يأخذ في الحسبان المطالب السياسية المرفوعة من طرف هؤلاء، خاصة في ما يتعلق بالانتقال السياسي والتغيير وإجراءات التهدئة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
وتسجل الجزائر في الآونة الأخيرة تراجعا في حدة الاعتقالات التي كانت مسلطة على الناشطين المعارضين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، كما لوحظ تخفيف في الأحكام القضائية الصادرة في حق العشرات منهم، وهو ما يندرج -بحسب دوائر سياسية مقربة من السلطة- في إطار المشروع المذكور حيث ينوي الرئيس تبون احتواء أكبر عدد من هؤلاء.
ويُنتظر أن تشهد الجزائر قرارات لافتة في هذا الشأن خلال الأيام القليلة المقبلة، بالموازاة مع الاحتفال المميز بستينية عيد الاستقلال المصادفة للخامس من يوليو المقبل، وهي المناسبة التي أولتها السلطة أهمية لافتة من أجل تحويلها إلى محطة مفصلية في تاريخ البلاد، بمختلف الجبهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي هذا السياق قال النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة منذر بودن “نملك معلومات عن استعداد العديد من الجزائريين، المنتمين إلى تنظيمات وحركات خارجة عن إطار القانون في الخارج، للانخراط في مسعى لمّ الشمل والتحضير لطي صفحة الماضي، كما هو الشأن بالنسبة إلى قياديين ومتعاطفين مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة وحركة استقلال القبائل (ماك)”.
وتحدثت تقارير غربية عن وجود رموز سابقين في الحزب الإسلامي المحظور، في خانة المستفيدين من تدابير مشروع “لمّ الشمل”. وأشارت إلى المناضل صديق دعدي الذي كان مقربا من قائد جبهة الإنقاذ الراحل عباسي مدني، وأيضا القيادي والنائب من نفس الحزب أنور هدام.
وكان صديق دعدي هو الذي وقف وراء المسلسل القضائي المفتوح ضد وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار أمام المحاكم السويسرية بتهم التعذيب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في إشارة إلى تعاطي مؤسسة الجيش مع بعض المدنيين أو المنتمين إلى جبهة الإنقاذ خلال حقبة العشرية الدموية (1990 – 2000)، ولا يستبعد أن يكون السيناريو الجديد يتضمن صفقة بين الطرفين تسمح للرجل بالاندماج والعودة إلى بلاده وأسرته مقابل التنازل عن الدعاوى القضائية المرفوعة في سويسرا ضد الجنرال خالد نزار.
شروع قيادات من جبهة الإنقاذ في الاستفادة من المشروع يوحي بأن الرئيس تبون ينوي طي صفحة الحقبة الدموية
أما القيادي في جبهة الإنقاذ المقيم في الولايات المتحدة والفائز بمقعد نيابي في الانتخابات التشريعية الملغاة مطلع عام 1992 أنور هدام، فإنه أيضا بصدد الالتحاق بالمشروع، خاصة وأن الرجل على ما يبدو كان يبحث عن فرصة مماثلة، لاسيما بعد أن بدأ يبتعد عن الخطاب الراديكالي للحزب الإسلامي وإعلانه عن إطلاق حركة سياسية معتدلة لم تحقق الصدى اللافت في أوساط الإسلاميين.
غير أن مغازلة السلطة لفلول الحزب الإسلامي المنحل لم تحقق الإجماع لدى رموزه، ويستبعد متابعون للشأن المحلي أن يحقق المشروع أهدافا كبرى، باعتبار أن الذين عبروا عن استعدادهم للانخراط فيه هم “قياديون من الصفوف الخلفية غير المؤثرة في وعاء جبهة الإنقاذ، وأن رغبتهم هي وليدة مزاج شخصي أفرزته حياة الغربة”.
ويستدل هؤلاء بموقف الرجل الثاني في الحزب علي بلحاج، الممنوع من ممارسة حقوقه الطبيعية خارج أي حكم قضائي، وهو الذي وصف المشروع بـ”الخدعة” و”المناورة السلطوية” لتمرير أجندة معينة لا تستجيب للمطالب الحقيقية المرفوعة من طرف الجزائريين في حراكهم الشعبي.